أحدث المواضيع

مقالات تربوية (٧): معاً لنتعلم كيف نغيرُ واقعنا.. بقلم الأستاذ عبد الإله قمبر

الأستاذ عبد الإله قمبر
الأستاذ عبد الإله قمبر

إمكانية قلب الواقع:
عندما ننظر بروية وتدقيقٍ في حياة الإنسان فإننا نتوصل إلى لطيفة مجهولة، وهيّ أن الطبيعة الإنسانية طبيعة تحبُ التجديد وتطالب بالتّحديث ! وأعني بذلك الرغبة التغييرية الرافضة للحالة الرتيبة، وهي أيضاً الهيئة الحركية المقابلة للهيئة الساكنة، فهيّ قدرة وقوة أوجدها الله – عزّ وجلْ – لتنسجم مع دعوتهِ لنا لنعمل ونتطورَ ونعمرَ، فالإنسان مسؤول عن طريقةِ صرفِ هذه الخاصية الفطرية المهداة باقتصادٍ يخدمُ إنسانيته ومجتمعه. فالإنسانُ المتميزُ هو إنسانٌ استطاعَ أن يوجّهَ ويستخدم هذه المنحة الإلهية بنشاطهِ وكدحهِ ووعيه، ولايستطيع متكاسل أن يحتجّ بعدمِ قدرتهِ على تغيير واقعهِ، وذلك بإجراء تجربةٍ بسيطة، بأنْ نلزمهُ بأكلِ وجباتهِ كاملة من صنفٍ واحدٍ لمدّة شهر فقط، ستجدهُ يسأمَ ويملَّ ويتألّم، بل سيطالبك بتغييرها ! وهو إذ يفعل ذلكَ فإنّه يقولُ: بـ”أنّي أكرهُ الرتابة، وأملكُ القدرة على تغيير حاليِ، ولكنّي أحتاج إلى قليلٍ من الاجتهادِ والمثابرة والوعي للمخاطر المرتقبة”، فتستطيع بذلكَ أن تكشفهُ أمام نفسهِ، أي تكشف تناقضه، وطاقاته المخفية.

الرغبة التغييرية ليست حبيسة الإنسان:
إنّ المتأمّل في حيثيات الحياة الكونية، يجد أنّ الواقع كلّه لايحبّذُ الثّبات، فكلٌ يسبح في حدودِ فلكهِ، بل ليسَ بمقدورهِ التوقّفَ عنْ حركته مع ارتباطه بنظامهِ وقانونهِ، كتعاقبِ الليلِ والنّهارْ، وتتابع الصيف والخريف والشتاء والربيع، وتساقطُ الأوراق، وهطول الأمطارِ، ونمو البراعمِ، وتفقّسُ البيوضِ، وتبدّل جلد الإنسان، وتغيّر لونِ البلحِ والحرباء، كلّها تمثّل سلسلة طويلة من الحركة الدؤوبة التي تشترك في هدفيتها المنصبة في بؤرة واحدة، وهيّ التطوّر والتقدّمْ والبحث عن الأفضلِ دائماً، فالتغيير إذاً لايعني مخالفة القواعد أو التحرّك خارج قوانين النّظام المرتّب.

الإرشاد المخفي في السنن الكونية:
إنّ هذه الحركة التغييرية (الحركة في السنن الكونية) المسيَّرة من قبل الله – عزّ وجل – تبعثُ برسائل إرشادية لعقليةِ الإنسانِ المخيّرة، فنجدُ الأشياء التي لاتملكُ عقلاً تُعلِّمُ الإنسان المالك للعقل وللقلبْ، تُعلِّمهُ بأن لايصرّ على استخدام لونٍ مهذَّبٍ واحدٍ في رسمِ حياتهِ، وإن بدا في أعيننا جميلاً ! بلْ يجب أن يكون هناك نموا روحيا متزامناً مع النّمو الماديِ للإنسان، هذا إن لم نطالبَ بأن يكبرَ العقل الواعي عنِ العمرِ الزّمني لذلك الإنسان. وليس التغيير بأن تكون في ليلةٍ وضحاها عالماً ذرياً يهاب وجودكْ، إنّما هو “أن لايتساوى يوماك في حالة حركية صّاعدة”، فيكفيك من يومكَ بأن تحفظَ لك نظرة متفكّرة في عالمِ الوجودِ، أو تقرأ آيةً من مملكةِ كيانكَ – مطالعة خلق الإنسان – أو أن تكسبَ حكمة، أو أن تتدبّر كتاباً، أو تداعبَ طفلاً، أو تنشرَ طيباً، أو تودِع فكراً، فكلّها حركات تغييرية جزئية تساهِم في بناء حياةِ الإنسانِ لو استطاعَ أن يفهمَ كيف يتعلّمْ ممّن حوله.

شارك برأيك: