الشيخ علي بن عبد ﷲ البربوري الأوالي البحراني.. حياته وآثاره الثقافية (1)

IMG_5622إعداد الأستاذ يوسف مدن

تعتبر ((بربورة)) التي تعرضت لحملة إخفاء مقصود لهویتها التاریخیة باسم غیر حضاري ومتخلف هي إحدى القرى الكبرى في البحرین، فقد سعى البعض إلى استبدال اسمها بـ “هورة سند” وهو اسم لا وجود له في تاریخ البحرین ولا في خرائطها الجغرافیة والتاریخیة ولا في وثائقها الثقافیة والروحیة، بل أنه لفظ مقزز في معاجم اللغة وقوامیسها.

وظلت ” بربورة ” كبلدة أصیلة في تاریخها قائمة وعامرة حتى نهایة العقد الثاني من القرن العشرین المنصرم، إذ تدل كتابات بعض الوثائق المنسوخة والمخطوطات والرسائل المكتوبة بخط الید التي تركها أهل المنطقة بأن قسماً من أهالیها كانوا في البلدة ((بربورة)) حتى عام ١٣١٨ هـ وما بعده من سنوات، ثم بدأت العائلات العشرین الباقیة فیها آنذاك فیما بعد هذا التاریخ في الانتقال عنها والرحیل إلى قرى مجاورة كقرى ” النویدرات والمعامیر وسترة ” المجاورة إلیها، وبعض هذه العائلات رحلت إلى خارج البحرین قبل هذا التاریخ نتیجة الهجمات الخارجیة علیهم واعتداءات البدو والأعراب الذین دخلوا البحرین عنوة وأفسدوا الحیاة على سكانها الأصلیین، فانتشروا مشردین في جنوب العراق وغرب إیران ونواحي القطیف والإحساء.

وكما توافر لنا من معلومات فإنَّ كتابات بعض النساخین المحلیین البحرانیین، والجغرافیین الأجانب أمثال “لوریمر”، وكذلك المؤرخ الأوربي “روبرت جارمان” قد أشارت بوضوح إلى وجود بربورة وعدد متبقي من العوائل قاربت عشرین بیتاً ما تزال تعیش في بربورة أثناء زیارة المؤرخ والجغرافي البریطاني “جون جوردن لوریمر” للقریة سنة ١٩٠٤م ،ثم بدأت في التضاؤل التدریجي حتى أصبحت في نهایة العشرینات من القرن العشرین بلدة خضراء بلا سكان سوى ما كان یرتادها من أهلها النازحین أو من أبناء القرى المجاورة في فترة القیظ بفصل الصیف طلباً للراحة وتخفیفاً لدرجات الحرارة في أرضها الخضراء وبحثاً عن میاها الجاریة وعملاً في أراضیها لجني محاصیلها الزراعیة فیها.

ومما ینبغي التنویه إلیه بأنَّ بلدة “بربورة” التي كانت في حجمها الجغرافي أشبه بمدینة كبیرة ممتدة في شریط جغرافي أخضر كان یشكل حزاماً طویلاً، وظلت الذاكرة التاریخیة – الاجتماعیة راكدة لدى البعض من أبناء شعبنا حتى أثار حولها بعض المتنفذین ممن یعانون من حساسیة في انتمائهم، فبدأ بعض الباحثین العودة إلى بعض الوثائق التاریخیة والمخطوطات الثقافیة لكشف جانب من تاریخها الثقافي وهویتها التاریخیة – الاجتماعیة، وتطلبت عملیات الكشف عن هذا التاریخ محاولات تقصي لمعرفة بعض علماء بربورة وما قدموه من فعالیات تتناسب وعمق قریتهم التاریخي وانتمائها الوطني الذي یتجاوز أكثر من خمسة قرون هجریة متتالیة على أقل تقدیر.

وقد أنجبت هذه البلدة التاریخیة عدداً من علمائها شاركوا في العملیات الثقافیة، وعادة ما كان ینتسب أبناء كل بلدة في بلادنا إلى بلدتهم، ویضیفون علیه لقب ((البحراني)) توضیحاً لنسبهم الشخصي وبیناً لهویتهم الوطنیة، فتكررت في كتب التراجم وأدبیاتها ألقاب الماحوزي البحراني، الدرازي البحراني، الستري البحراني، وهكذا دوالیك.

وقد كنَّ ا قد تعرفنا على مجموعة من علماء بربورة في عدد من كتب التراجم وبعض المخطوطات والرسائل المنسوخة، والمصنفات التي كتبها علماء بربورة أنفسهم وعلماء آخرون، فبدأنا في ظروف صعبة كتابة تدوین جزء من هذا التاریخ الثقافي، وذلك عندما أعددنا دراستنا المطولة إلى حد عن بلدة بربورة التي تكونت من عشر فصول، ومجموعة وثائق ثقافیة وتاریخیة مكتوبة، ویمكن للقارئ الكریم مراجعة جزء من هذه الدراسة في كتابنا ” بربورة وشهادة التاریخ ” وكذلك الحلقة رقم (٨) من سلسلة كتاب للجمیع التي تصدرها جریدة الوسط البحرینیة، وكان عنوانها ” بربورة قریة مندثرة “، وأشرنا إلى مجموعة العلماء الذین تعرفنا علیهم من مصادر تاریخیة وثقافیة مختلفة.

المكونات الأولية لبطاقته التعريفية:

تعتبر دراسة السیرة الذاتیة للعلماء مدخلاً حیویاً للتواصل معهم وربط الأجیال الحاضرة بتاریخهم ومآثرهم الثقافیة، وهناك – في حدود ما توافر لدینا من معلومات مؤقتة – ثلاث مكونات للبطاقة التعریفیة لسیرة الشیخ علي البربوري الأوالي البحراني ،وهذه المكونات هي كما یأتي:

  • اسمه وهویته الشخصیة.
  • حیاته.
  • بعض آثاره الثقافیة.

اسمه الشيخ علي البربوري وهويته:

اسمه كما في بعض الوثائق التاریخیة والثقافیة ((الشیخ علي بن الشیخ عبد اﷲ بن الشیخ حسـین بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي البحراني))، وعرَّ ف هذا العالم الجلیل نفسه في مقدمة مخطوطته أو (أثره الثقافي الأول الذي تعرفنا علیه) وهو كتابه ومصنفه عن ((وفاة النبي یحي بن زكریا)) علیه السلام، ووصف نفسه بلقبین اثنین هما ” البربوري والأوالي ” كإشارة منه إلى كونه ” بحراني من جزیرة أوال ” رغبة منه في تحدید دقة نسبه إلى موطنه أو بلده كما هو سائد في مصادر دراسة التراث الثقافي والتربوي لعلماء البحرین وفي حیاة الناس العادیین، فـ ” بربورة قریته التي ولد فیها ” و ” أوال ” اسم الجزیرة (وطنه الأصلي) التي یعرف بها كل من انتسب إلیها من علماء البحرین وغیرهم من عامة الناس، لذلك أطلق على نفسه لقب ((الأوالي)) في مخطوطته التي نحتفظ بها.

حياته الشريفة:

لم نتمكن من تحدید البدایة والنهایة في حیاة هذا العالم الجلیل، ربما لأنَّ أحداً لم یكتب ترجمة حیاته حتى اللحظة الراهنة، فالوثائق المتوافرة بین أیدینا لم تسعفنا حتى الآن في التعرف على تاریخ ولادته ووفاته وسیرة حیاته الشخصیة باستثناء بعض الآثار الثقافیة التي استقیناها من بعض هذه الوثائق الثقافیة، وهذه بالتأكید لیست كافیة في تسلیط الضوء على شخصیة هذا العالم، بید أن بعض الأفكار والمعلومات المجملة التي وفرتها مصادر تاریخیة تفید بأنه رحمه اﷲ ابن للعالم الجلیل الشیخ عبد اﷲ بن الشیخ حسین بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي البحراني (أي والده الشیخ علي) كما أفادت الوثائق الثقافیة قد حصل على إجازة متوسطة من الشیخ المقابي سنة ١١٤٧ هجریة.

كما أن هذه المصادر والوثائق التاریخیة والثقافیة تفید بأن الشیخ علي البربوري عاش مخضرماً بین قرنین هجریین هما (١٢، ١٣)، فالمؤكد أنَّ الشیخ علي من علماء هذین القرنین الهجریین لأنه نسخ الرسالة النحویة للمحقق البحراني الشیخ الماحوزي سنة ١١٧٣هجریة في القرن الثاني عشر الهجري، ویبدو أنه علیه الرحمة امتد عمره إلى العقد الأول من القرن الثالث عشر، وخلال عمره ترك بعض الآثار الثقافیة التي دلت على شخصیته، فصنَّ ف كتاباً في وفاة النبي یحي علیه السلام بحسب هذه المصادر،، وقد نسخ كتابه هذا أكثر من ناسخ بحراني ومنهم المرحوم الخطیب الحسیني الحاج حبیب بن یوسف بن الشیخ أحمد النویدري البحراني، وعمر هذه المخطوطة التي كتبها هذا الخطیب بخط یده حوالي (٩٣) عاماً هجریاً، وأشرنا إلى هذه النسخة المخطوطة لأنَّ نا نحتفظ بنسخة منها، ولیس لنا علم بالمخطوطة الأم أو الأصل.

وأنه كذلك قام بمهمة ثقافیة أخرى غیر التألیف وهي نسخ بعض الرسائل والمخطوطات، إذ تفید الوثائق بقیامه بعملیة ((نسخ الرسالة النحویة في أن الإمام علي هو واضع علم النحو)) للمحقق البحراني الشیخ سلیمان بن عبد اﷲ الماحوزي سنة ١١٧٣هـ ،ویبدو كما ذكرنا سابقاً أنَّ الشیخ علي بن عبد اﷲ البربوري الأوالي البحراني قد عاش – مخضرماً – بین سنوات ممتدة في قرنین متصلین مع بعضهما وهما القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجریین بحسب ما جاء في ترجمة صدیقنا الأستاذ عبد العزیز سلمان محمد راشد العرادي لحیاة والده الشیخ عبد اﷲ بن حسین البربوري البحراني رحمه اﷲ حینما قال أن الشیخ علي كان حیَّ اً في حدود سنة ١٢٠٠هـ ،وتعني هذه الإشارة أن هذه السنة نهایة قرن هجري هو (١٢) وبدایة قرن جدید هو (١٣) الهجري.

والمنطقي من سیر الأحداث أنَّ الشیخ علي البربوري رحمه اﷲ تعالى قد عاصر أبیه الشیخ عبد اﷲ بن حسین البربوري البحراني واتجه منذ نشأته الأولى المبكرة برعایة والده نحو اكتساب عدد من العلوم الشرعیة وتعلمها عن طریق تأثره بوالده والانخراط في حلقات تعلیمیة سائدة آنذاك في البیئة الثقافیة للمجتمع البحراني، ونظرًاً لمشاركة والده الشیخ عبد اﷲ البربوري في طلب تحصیل علومه في أماكن داخل البحرین غیر منطقة سكنه “بربورة” في فترات من تاریخ حیاته كما تقتضي حاجة طلبة العلم لدى الشیعة الإمامیة في البحرین من التنقل والرحیل وتحمل مشاق السفر ومتاعبه لتحقیق هدفه المعرفي، فالمحتمل أن الشیخ علي الابن صَاحبَ أبیه وانتقل معه لمنطقتي مقابة وبلاد القدیم لطلب العلم ومتابعة تحصیله للدروس أو بقي یتعلم في بعض الحوزات العلمیة الداخلیة في بربورة أو في خارجها من مناطق مختلفة في البحرین.

آثاره الثقافية:

في حدود ما علمناه من وثائق ثقافیة وتاریخیة متوافرة لدینا ترك فإنَّ هذه العالم الجلیل ترك لنا على الأقل أثرین ثقافیین هامین أحدهما مخطوطة من تصنیفه قد ألفها بنفسه وخطها بیده، ولم یحدد تاریخها، ولعل ذلك بسبب خطأ في عملیة النسخ ذاتها كسقوط بعض العبارات منها، أما الأثر الثاني الذي تعرفنا علیه فهو نسخ رسالة للمحقق البحراني الكبیر الشیخ سلیمان بن الشیخ عبد اﷲ الماحوزي البحراني في سنة ١١٧٣ هجریة.

الأثر الثقافي الأول (كتابه في وفاة النبي يحي):

أوضح هذا العالم في مقدمة المخطوطة المرفقة بهذه البطاقة التعریفیة بقوله علیه الرحمة والرضوان: ” أن أَجَلَّ الإخوان وصفوة الخلاَّ ن على حد تعبیره قد التمسوا منه أن یكتب في هذا الموضوع (مصرع ووفاة النبي یحي علیه السلام)، وقد بدا ذلك في مقدمة المخطوطة التي توجد نسخة منها لدینا ولدى أحد الباحثین البحرانیین من أصدقائنا، وقد أطلعني علیها أحد أصدقائنا الباحثین في تاریخ علمائنا الثقافي والروحي على نسخته، وهي مخطوطة قدر عدد صفحاتها بـ (٧٠) صفحة، تماثل كل صفحاتها حجم صفحات كراسة طلبة، أمَّ ا النسخة التي بحوزتنا فتبلغ صفحاتها (٧٨) صفحة، وسوف نعرض الصفحات الثلاث التي یعرِّ ف فیها الشیخ علي نفسه لنا كمواطن بحراني أصله من بربورة.. القریة المكافحة التي تعج بعلمائها كما قیل، كما عرضنا في (البطاقة التعریفیة) صفحة رابعة تبین اسم الناسخ وتاریخ النسخ، وفي صفحة خامسة عرضنا صیغة عقد وقف الكتاب على القراءة بمأتم آل إسماعیل بقریة النویدرات، فالكتب بعد نسخها یتم وقفها وقفاً شرعیاً لمأتم في قریة ” بربورة ” باسم صاحبه أو رئیسه أو في قریة أخرى بعیدة عنها أو مجاورة لها كقرى النویدرات والعكر وسند والمعامیر وسترة.   وكما تقدم فإنَّ للشیخ علي بن الشیخ عبد اﷲ بن الحسین بن أحمد البربوري الأواليالبحراني مصنف أو مؤلف كتاب بعنوان ” وفاة النبي ” علیه السلام، وهو ما یزال حسب علمنا مخطوطاً یحتاج للتحقیق، ونحتفظ بنسخة كاملة مصورة بخط الناسخ المرحوم الحاج حبیب بن یوسف بن الحاج أحمد بن الشیخ یوسف النویدري مؤرخة بسنة ١٣٣٨هـ،.. أي أن عمرها الآن (٩٣) عاماً هجریاً، وسوف تلحق صفحات من مدخل هذه النسخة المخطوطة وآخرها كوثیقة تاریخیة في هذه البطاقة التعریفیة.

ویشهد هذا المصنف أو الكتاب (المخطوط) بكل تأكید على الهویة الشخصیة لهذا العالم الجلیل، وتحدید لقبه العلمي وموطن سكنه حینما قال في هذا المنتج الثقافي – التاریخي وهو یحكي حیاة أحد أنبیاء اﷲ تعالى ومصرعه على ید أحد ملوك بني إسرائیل الطغاة استجابة لرغبة آثمة من امرأة ” بغي ” في الثأر من هذا النبي الكریم عندما رفض طلبها المحرم، وشعر بكلامها السافل فواجهه بموقف الأنبیاء الأتقیاء، فحرضت المرأة البغي هذا الطاغیة على قتل نبي اﷲ یحي بن زكریا ونجحت في تألیب مشاعر الملك (الطاغیة) وتأجیجها، وجنَّ د بعض رجاله في مطاردة نبي اﷲ یحي بن زكریا حتى قتلوه مظلوماً علیه السلام.

ومن المألوف في حیاة علماء الشیعة الإمامیة في البحرین وفي غیرها اهتمامهم بالكتابة عن موالید ووفیات الأنبیاء والمعصومین من أهل البیت علیهم السلام كجزء من نشاطهم في المجال الرثـائي، فالكتابة في شأنهم من أبرز أولویات اهتماماتهم الدینیة والثقافیة كما فعل صاحب السداد الشیخ حسین بن محمد آل عصفور الدرازي البحراني، ویستفاد من محتوى المخطوطة التي استنسخها بقلمه بعض النساخین البحرانیین المهتمین بالتراث الثقافي والروحي لعلماء البحرین أنَّ الشیخ علي بن الشیخ عبد اﷲ بن حسین بن أحمد البربوري الأوالي ینقل في مخطوطته من بعض العلماء الأعلام من علماء الإمامیة في علم الحدیث طیب اﷲ ثراهم، وكذلك رواة من أصحاب النبي وأهل بیته من الأئمة علیهم جمیعاً أفضل السلام والصلاة.

شارك برأيك: