جدل كبير أثير بشأن الصناديق التي نشرتها الجمعيات الخيرية لجمع الملابس المستعملة الفائضة عن استعمال عموم المواطنين والمقيمين. وقد أصدرت إدارة المنظمات الأهلية تعميماً يلزم الجمعيات بإزالة الحاويات وقد نفذت البلديات وضع إشعارات المخالفة على هذه الحاويات. لا شك في أن الوزارة والبلديات تستند لمواد قانونية لتنفيذ المنع في المقابل فإن الجمعيات تعمل على تطوير أدائها لتتحول من مجرد جمعيات تجمع المال وتوزعه على من يحتاجه لجمعيات تعمل على التنمية المجتمعية، فهل كان المنع الذي أصدرته الوزارة هو الحل لما قيل عن عشوائية انتشار هذه الحاويات وتزايدها بشكل يشوه المنظر الحضاري للطرق العامة؟
بكلام آخر أليس من سبيل للتوافق بين الوزارة المختصة والجمعيات الخيرية التي تؤكد أنها حققت أهدافاً تنموية جيدة، فهذه الملابس المستعملة كانت تذهب لحاويات القمامة فيما تحولت الآن لمصدر ريع للجمعيات الخيرية تستفيد منه في الصرف على الأسر المعوزة وكذلك على أنشطتها، ألا يمكن أن نبتكر بالتوافق بين الوزارة والجمعيات طريقاً آخر غير المنع بحيث نحافظ على المظهر الحضاري لبلدنا، والذي نحرص جميعاً على أن يكون في أبهى صوره، وفي ذات الوقت لا نغلق هذا الباب الذي تستفيد منه الجمعيات الخيرية؟
علينا أن نوضح أن الجمعيات الخيرية مطالبة بأن تعمل على المساهمة في التنمية المجتمعية من خلال المبادرات المنتجة اجتماعياً، فقد أثبت علم الإدارة أن العنصر البشري هو العنصر الأهم في التنمية الاقتصادية، ويمكن للجمعيات أن تسهم في هذه التنمية بمبادرات فاعلة، ليس فقط بجمع الملابس، فهناك الكثير من المبادرات التنموية التي يمكن أن تقدمها الجمعيات لتسهم في رفع انتاج الفرد والأسرة في محيط عملها، وهو ما سيحقق مساهمة عامة في مجمل النشاط المجتمعي الداعم للنشاط الاقتصادي في البلاد.
التفكير خارج الصندوق وضرورة الاستعانة بالمختصين في مجال التنمية المجتمعية، ومراعاة البيئة الداخلية والخارجية للجمعيات أمور على الجمعيات أن تهتم بها، وأن تنسق مع كافة الجهات لتحقيقها، فهي أي الجمعيات تعمل في محيط عام وعليها أن توفق مشاريعها التنموية مع هذا المحيط، من خلال التنسيق مع الجهة المختصة لكن التنسيق يجب أن يصدر من جميع الأطراف ومن بينها الوزارة المختصة التي لا شك تراعي المنظر العام والمصلحة العامة.
الدول المتقدمة ابتكرت ما يعرف بالمراكز التنموية وهي نقاط يقصدها المواطنون للتخلص من أي غرض منزلي زائد، مقابل تقييم هذا الغرض وفتح حساب للمواطن لتجميع مبالغ تجمع في حسابه مقابل كل ما يسلمه من أثاث أو ملابس أو زجاج، الفكرة تقوم على ثلاثة عناصر وهي: تشجيع المواطن على حمل كل ما يريد التخلص منه بنفسه وعدم رميه أمام منزله، وتوافر شركات تستفيد من هذه الزوائد، ومحرك كل ذلك القيمة التي ستعود للمواطن من خلال ذلك.
في القاهرة بدأ مشروع ضخم لتحويل مهنة جامعي القمامة إلى مراكز بنفس الطريقة، تقوم على أن يقوم المواطن بتسليم القمامة للمركز بمقابل، هل يمكن أن نبتكر حلاً بديلاً عن الحاويات؟
نعم، يمكن جعل عدد من الجمعيات الخيرية المؤهلة مراكز تنموية، بحيث يتم تصميم برنامج آلي يسجل فيه كل راغب للتعامل مع هذا المركز، لتسليم كل ما يفيض عن حاجته من أثاث أو ملابس أو زجاج أو بلاستيك أو غير ذلك، بحيث يتم تشغيل عدد من العاطلين في هذا المشروع المرتبط بالشركات التي تشتري هذه الأنواع التي جمعتها.
سيحقق هذا الحل الكثير من الأهداف، منها تشغيل عدد من العاطلين، وتحول الجمعيات الخيرية لجمعيات تنمية مجتمعية، وسيسهم المواطن بحماية بيئته ومحيطه وسيخفف العبء الكبير على البلدية التي تجد صعوبة بالغة في رفع كل ما يرمى أمام المنازل وفي الطرقات والساحات المفتوحة.
سيرد البعض بأن هذا الحل يحرف الجمعية عن عملها الأساسي، وهو المساعدات للأسر المحتاجة، وأقول إننا إذا تمكنا من تشغيل أبناء هذه الأسر في هذا المشروع فسيكون هدف الجمعيات قد تحقق فالمثل يقول: لا تطعمني السمكة ولكن علمني كيف أصطادها.
صحيفة الوسط | العدد 5331 – الأربعاء 12 أبريل 2017م الموافق 15 رجب 1438هـ