مؤرخو البحرين في ملتقاهم الخامس: دعوات للتنظيم والتحقيق… وتفادي الهفوات و«الاستفزاز»

بربورة – محمد العلوي

عبر ملتقاهم السنوي الخامس، المنعقد أمس الجمعة (14 أبريل/ نيسان 2017)، دعا نحو 50 مؤرخاً وباحثاً بحرينياً، إلى مزيد من التحقيق وتنظيم الجهود البحثية في مجال التأريخ، وتفادي ما أسموه بـ «الهفوات واستفزاز الآخر».

وخلال الملتقى الذي احتضنته منطقة بربورة (تقع خلف النويدرات)، دارت مشاكسة علمية بين المؤرخ البحريني سالم النويدري والمؤرخ السعودي عبدالخالق الجنبي، حين ذهب هذا الأخير للقول بطغيان هوية مذهبية واحدة على «البحرين الكبرى» منذ ظهور الإسلام، ليعقب عليه النويدري بالدعوة للمزيد من التحقيق العلمي، للاستقرار على حقيقة تأريخية لا تحتمل الشك ولا الرد.

ملتقى سنوي، يهدف بحسب قول الباحثين جاسم آل عباس ووسام السبع (من القائمين عليه)، إلى تعزيز التواصل المباشر بين المؤرخين والباحثين والمهتمين بتاريخ البحرين، بما يسهم في عرض مشاريع البحث والتأليف، وولادة أفكار المزيد.

وفي كلمته، نوه رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري، بالجهد التطوعي المبذول في مجال الاهتمام بالتاريخ والشأن الثقافي، معتبراً أن هذا الجهد هو «البعد الاقوى الى جانب توافر مصادر المعلومات، بما من شأنه أن يعطي انبعاثاً وحيوية تسهم في تجديد الحالة الثقافية واستلهام التاريخ والاستفادة منه في الحاضر».

وأضاف ان «لدينا المتطوعين، فهناك اليوم عدد ممن يتلذذ بالبحث التاريخي والشأن الثقافي في هذه المنطقة وقد أصبح عددهم كبيراً، الأمر الثاني هو المصدر المعلوماتي، وكما نعلم فإن أهم مصدر لتاريخ المنطقة هو المكتبة البريطانية، وخلال السنتين الماضية تعاقدت مكتبة قطر مع مكتبة لندن ليتم تصوير الوثائق وعرضها عبر الإنترنت، ولو زار أحدنا مكتبة قطر الرقمية سيجد أعداداً ضخمة من الوثائق التي هي في ازدياد، فحتى تتمكن من الحصول على 10 في المئة فقط من الوثائق البريطانية فإن هذا كافٍ لأن يجلب لك ملايين الوثائق». وتابع «كذلك من العوامل الإيجابية المؤثرة كثرة السفر، ووجود عدد من المكتبات كالمكتبة البرتغالية والمكتبة الهندية، إلى جانب المساهمات البحرينية بالاستفادة من شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كما هو الحال مع (سنوات الجريش) و (الانستغرامات) الشخصية»، واستدرك «صحيح أننا اليوم أمام حالة تلذذ في التعاطي مع هذا المجال وهو دليل حضارة وأصالة ورقي، لكن من المهم أن ننتبه لكي لا نسقط في هفوة أو هفوتين، منها ألا نعتبر كل ما حدث في الماضي صحيحاً، إضافة لذلك هو العادات والتقاليد التي علينا القول إن بعضها غير صحيح».

وخلص الجمري للقول: «إن الأهم بالنسبة لأية أمة هو المكون الثقافي، وهذا المكون يبحث في عدة أمور من ضمنها تكوين الهوية والجذور المجتمعية والمنطقة من الناحية الجغرافية والسياسية، وهي التي تعطي معنى للوقت الحاضر، وتكون مفيدة حين تكون من أجل بناء صورة أفضل للمستقبل وليست لإعادة الماضي، فالماضي لا يمكن إعادته، لأن الماضي به سيئات وبه حسنات، ولو جيء بسيئات الأمس فلن نتحملها اليوم».

أما المؤرخ السعودي سيدعدنان العوامي، فنوه بأهمية الملتقى، قبل أن يشير إلى حاجته للتنظيم ووضع برنامج بما يؤدي لأن يتمخض عن عمل جماعي مفيد للمنطقة».

حديث العوامي هذا راق للمؤرخ البحريني محمد السلمان الذي دعا لوضح منهجية لتنظيم الملتقى، بحيث يتم استعراض جهود من أنهى مشروعاً معيناً أو من يعمل على إصدار معين على أن يكون هذا المشروع أو الإصدار خليجياً وقريباً من مناطقنا، ولفت إلى «إننا كنا في مرحلة سابقة نعمل على صناعة الوعي، أما الآن فقد وصلنا لمرحلة كي الوعي». بدوره، تطرق النائب السابق عبدعلي محمد حسن لتاريخ منطقة بربورة فقال: «بربورة ذات التاريخ العريق ظلمت، حتى أن كثيراً من عوائلها تنكروا لها، فلم نعد نسمع عن بربورة إلا عن بعض العائلات».

وفي مزيد من الذكريات عن المنطقة، قال: «أنتم الآن تجلسون بالقرب من (جوجب بربورة)، ففي الستينيات حين كنا أطفالاً عملنا على حفره من جديد وإعادة بنائه. بالقرب منه عين تسمى الملحة، وقد كان أهل نويدرات يشربون الماء من بربورة تحديداً من عين العودة التي تتصل اتصالاً مباشراً بعين كبرى في سند، ويصل ماء العينين إلى ما بعد شباثة (المنطقة الصناعية في المعامير)»، مضيفاً «في بربورة، وتلاحظون المساجد القريبة من بعضها البعض، والسبب يعود لما كان يفصل بينها من نخيل وأنهار يتعذر على الناس العبور للمسجد الآخر، وبعد اندثار كل ذلك، أصبحت المساجد قريبة من بعضها».

حسن الذي يشتغل حالياً وبمعية الباحث يوسف مدن على إنتاج كتاب يتحدث عن تاريخ النويدرات، الجزء الكبير منه لبربورة، اعتبر أن النويدرات وريثة بربورة.

من جانبه، أثنى الباحث الشيخ بشار العالي على الدعوة للتحقيق في كل ما وصلنا، وقال: «الأهم أن نحقق فيما نجد ونسمع ونرى في الوثائق فما كل تراثنا صحيح»، معتبراً أن «الاشتباهات واردة حتى لدى العلماء، لذا لابد من تقوية جانب التحقيق، فما كل معلومة بالضرورة، صحيحة».

ومع وصول الحديث للمؤرخ سالم النويدري، كان الحديث يتجه ناحية التشديد على عدم استفزاز الآخرين لحظة تقديم الأبحاث والتحقيق. يقول النويدري: «الإثارة التي أود طرحها، هي أن أكثر من في هذا الجمع يركز في أبحاثه وتحقيقاته على إثبات الهوية من ناحية محددة وهذا حق طبيعي وجهد مضن ومثمر، لكن الامر الملاحظ أن العمل على رغم إيجابيته نتج عنه نوع من استفزاز الآخرين مما أحدث نوعاً من الضجة (لا أقول إنها ضجة علمية) لذا بدأ التشويش جلياً أمام المجهودات البحثية الجادة».

عطفاً على ذلك، دعا النويدري لمناقشة ذلك من حيث الأسباب والمبررات والنتائج، «على أن نكون علميين سواء كان الحق في جانبنا أو في الجانب الآخر، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح».

صحيفة الوسط : العدد 5334 – السبت 15 أبريل 2017م الموافق 18 رجب 1438هـ

شارك برأيك: