الخطاط والباحث أحمد سرحان: فن الخط العربي قطب حياتي… وسعيت لتوثيق سيرة الخطّاط البحريني

المؤلف ممسكاً بكتاب «رموز الخط العربي في البحرين»
المؤلف ممسكاً بكتاب «رموز الخط العربي في البحرين»

تمثل حكاية هذا الرجل رحلة عشق طويلة مع الخط العربي، بدأها هاوياً، فممارساً، فكاتباً وموثّقاً لمجموعةٍ من «رموز الخط العربي في البحرين»، الذين سعى جاهداً لتوثيق سِيَرِهم الفنية بإيجاز، ونشر نماذج من لوحاتهم وإبداعاتهم، من مختلف مناطق البحرين، موزّعين كالقناديل على خارطة هذا الوطن الجميل.

صدر له أربعة كتب عن الخط العربي، وكتابان عن السير، ويعكف على كتابين آخرين، أحدهما عن نسب عائلته، والآخر عن خلاصة تجربته في الخط. عن قصة العشق هذه، وعن تجربته التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً، ممارسةً وكتابةً وتوثيقاً… كان لنا هذا اللقاء مع الخطّاط والباحث أحمد عبدالله سرحان.

من يتابع إصداراتك يكتشف أنك عاشقٌ للخط العربي… ما هو السر وراء حكاية العشق هذه؟

– وراء هذا العشق حكاية بدأت منذ الصغر مع صديق الصبا المرحوم حسين أحمد السعيد، حيث كان جامعاً لكثيرٍ من المواهب، فهو خطاط ورسام وشاعر. وقد لازمته كثيراً وانسجمت أذواقنا في التعلق بفن الخط العربي. وزاد من هذا الشوق تأثري بخط أستاذي الموهوب في المرحلة الابتدائية المرحوم حسن علي المتوج، المبدع في خط النسخ الجميل، فكان تأثري بهذين الشخصين وراء هذا العشق.

كيف بدأت قصة التأليف في مجال الخط العربي؟

– بدأت مشوار الكتابة في الخط العربي العام 1985، بعد سنوات طويلة من الممارسة، وحين قرأت الكثير من مصادر الخط وتاريخ أساطينه وصلت إلى قناعة تامة بضرورة أن يكون الخطاط إلى جانب تجربته الخطية ملماً بأدبيات الخط العربي، فالجانب المعرفي لكل علم وفن ضرورة لابد منها. كما اكتشفت أنه لا يوجد من بين كتابنا ومثقفينا عموماً من كتبَ في الخط العربي، وأن مكتبتنا المحلية تكاد تخلو من مصادر الخط؛ لذلك بدأت مرحلة التأليف لأسد بهذا الجهد الفراغ، فأصدرت أول كتاب بعنوان «حرفنا العربي وأعلامه العظام عبر التاريخ» في العام 1988. أتبعته بكتاب «الكوفي أصالة وإبداع» العام 1993، ثم «الرقعة والنسخ بين جمال الحروف وروائع الخطوط» في 2006، تلاه «دراسات تاريخية في روائع الخطوط العربية» العام 2008، وبهذا الكتاب أكملت مشوار إصداراتي في أدبيات الخط العربي.

لقد قمت بعمل مهم بتأليف «رموز الخط العربي في البحرين»، وهو جهد جِدُّ مهم في مجال التوثيق. لماذا اقتصر على 28 فناناً فقط مع العلم أن هناك ضعف هذا العدد من الخطاطين على الأقل في تلك الفترة (2000م)؟

– جاءت فكرة الكتاب لتكريم مجموعة من الخطاطين البحرينيين، وقد فرضت عليّ ظروف تلك الفترة أن أنحصر في هذا العدد القليل، ولكن الكتابة عنهم عموماً كانت تكريماً لكل خطاط بحريني. يومها لم تكن وسائل التواصل مهيأة بسهولة كما هي اليوم، حيث كانت تقتضيك التواصل الشخصي والزيارات. ولم يكن من الوارد أن أتجاهل توثيق سير العشرات بل المئات من خطاطي الوطن العزيز فهم جميعاً محل تقديري واهتمامي.

لو أعدت طباعة الكتاب كم تتوقع أن يصل العدد الآن؟

– أتوقع لو أعيد طباعة الكتاب لوجدت عدداً كبيراً من الخطاطين البحرينيين بما لا تتسع له مساحة الكتاب، ولو سمح لي ظرفي مستقبلاً لاتسعت دائرة البحث عن هذا العدد الكبير منهم، ولكن لنترك الأمور لوقتها فشوقي للكتابة عن الحرف العربي ملازم لتوثيق سيرة الخطاط البحريني، ومن هنا كان لي الشرف أن أكون أول مواطن يوثق للخطاط البحريني تاريخ سيرته الفنية. وأتمنى أن يأتي ذلك الوقت لتحقيق هذا الهدف الوطني لأكرم فيه أكبر شريحة من هؤلاء.

هل هناك نية لإصدار نسخة جديدة لهذا الكتاب؟

– نعم لديّ النية في ذلك ليظهر الكتاب في حلة جديدة يعبّر عن سيرة الخطاطين كماً ونوعاً، وسيتحقق هذا الهدف بتوفيق الله.

من بين 28 اسماً لم يرد اسم واحد نسائي… هل من المعقول أنه لا يوجد خطّاطة بحرينية واحدة؟

– من اللافت للقارئ خلو الكتاب عن ذكر خطاطة بحرينية واحدة حيث إنني بحثت كثيراً عن أي عنصر نسائي، لكني لم أوفق حينها للالتقاء بواحدة، بينما وجدت الكثير من الخطاطات الماهرات في دول عربية وإسلامية أخرى. وفي كتابي «دراسات تاريخية في روائع الخطوط العربية» رصدت مجموعةً منهن، بينما لم أجد واحدة في البحرين.

لماذا برزت المرأة البحرينية في التشكيل والفن والمسرح والتمثيل والمجالات العلمية والمهنية الأخرى، ولم تبرز في مجال الخط؟

– ربما يرجع السبب إلى مجتمعنا الصغير المحافظ الذي انزوت فيه المرأة عن هذا الفن نتيجة انشغالها بمسئوليات البيت وتربية الأجيال وارتباطها بالعمل مشاركةً لزوجها في تخفيف أعباء الحياة، أو لأنها لا تطيق متاعب مزاولة الخط الذي يتطلب من مريديه تحمّل المشقة والتعب في تعلّمه والاستمرار في مرانه لساعاتٍ كل يوم، وهي ميزة يتصف بها فنان الخط العربي دون غيره من الفنانين.

كما أن بروز المرأة البحرينية في مجالات كثيرة كالشعر والقصة والمسرح والتشكيل… لسهولة المجال وتناسب الذوق مع أريحية وعواطف المرأة.

ما هو تقييمك لدور «مدرسة الخط العربي» في البحرين التي أنشأها الخطاط عبدالإله العرب وعمل فيها بعض زملائه من الروّاد؟

– هي أول مدرسة خاصة أنشأها الخطاط صاحب الذوق الرفيع عبدالإله محمد جعفر العرب، وعنيت بتعلم أصول الخط العربي بجهود ذاتية أرسى أسسها العام 1990 وساهم في إدارتها التعليمية نخبة من كبار الخطاطين البحرينيين كالخطاط حسن أميري وعبدالشهيد خمدن وسلمان أكبر وعباس يوسف وغيرهم. وقد تخرّج على أيديهم الكثير من شباب هذا الوطن وبدوري حصرت نماذج منهم في كتابي «رموز الخط العربي في البحرين». وأنا أعتبر هذه المدرسة كتاباً شع نوره في كثير من عقول شباب الوطن، حيث ساهم مؤسس هذه المدرسة وجهوده الجبارة في نشر الوعي الخطي نظريةً وتطبيقاً.

ما هو واقع الخط العربي في البحرين الآن مع وجود كوادر شابة مجتهدة في تعلّم هذا الفن وإجادته؟

– واقع الخط العربي لا يسرّ، وذلك نتيجة الثورة المعلوماتية المتطورة التي يعيشها الجميع، فجهاز الكمبيوتر بتقنياته أثرت على واقع الخطاط البحريني، وكثيرٌ من الخطاطين هجر ريشته وحبره. والذي حمى الخطاط المبدع من هذا الطوفان الهادر وبلا هوادة، هو أن هذا الخطاط أصبح بما يمتلك من قدرات إبداعية خلاقة يطوّع الكمبيوتر لإرادته، فهو الذي يأتي بفكرة تصميمه الفني، وهو الذي ينفّذها على شاشة الجهاز، مستبدلاً بذلك الحبر والورق، ولولا هذه القدرات الإبداعية والحصيلة الفنية التي يمتلكها هذا الخطاط لانتصرت عليه تقنيات الكمبيوتر، ولا نهزم أمام هذا الأخطبوط وإلى الأبد، والآمال الآن معقودة على شباب الوطن المثابر والمجتهد في تعلّم وإجادة والحفاظ على هذا الفن العريق.

لك خمسة إصدارات خاصة بالخط، هل هناك من مشاريع كتب أخرى؟

– لدي كتاب «الشعراء والخطاطون في النويدرات»، صدر العام 2017، وتشرفت بإعداد كتاب تحت عنوان «الدكتور مكي محمد سرحان حياة حافلة بالعطاء» العام 2008. ولدي طموح بإعداد كتابين أوثّق في الأول شجرة نسب عائلتي، وفي الثاني أُجمِل فيه خلاصة تجربتي في الخط.

لماذا لم يلاحظ لك الجمهور مشاركات في معارض الخط العربي؟

– كانت لي مشاركات سابقة، وكانت بدايتها في معرض الأندية الذي تقيمه المؤسسة العامة للشباب والرياضة، وذلك في العام 1989، تلتها مشاركتي في المعارض التشكيلية برعاية نادي النويدرات الرياضي والثقافي مرة كل عامين، منذ 1991، تخللها معرض شخصي أقامه لي النادي العام 1992. لكني عزفت عن المشاركة لاحقاً في معارض الخط، بسبب مشاغلي في الكتابة عن تاريخ الخط العربي المجيد واهتمامي بهذا المجال الذي أضعه في سلّم أولوياتي واهتماماتي.

الوسط | العدد 5339 – الخميس 20 أبريل 2017م الموافق 23 رجب 1438هـ

المؤلف متحدثاً إلى «الوسط» عن رحلة ثلاثين عاماً
المؤلف متحدثاً إلى «الوسط» عن رحلة ثلاثين عاماً
لوحة الوطن... «دلمون أنت في روحي وذاكرتي»
لوحة الوطن… «دلمون أنت في روحي وذاكرتي»

شارك برأيك: