نحن والإمام الحجة بقلم الأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين
الأستاذ عبد الوهاب حسين

سوف أتناول أربع مسائل، برجاء الفائدة منها، وأسأل الله الرحمن الرحيم القبول، وهي:

المسألة (1)
وجود الحجة ضرورة وجودية ودينية

يعتبر وجود الحجة لله تعالى على الخلق – وهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام – ضرورة وجودية ودينية، فقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت” (الكافي. ج1. ص 179).

فالحجة هو التجلي الأعظم لله ذي الجلال والإكرام، وهو واسطة الفيض الإلهي على الخلق جميعا، وسوف اقتصر الحديث في هذه الليلة المباركة حول أهل البيت عليهم السلام لأنه المقدار المطلوب من موضع الحاجة.

عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أول شيء خلق الله ما هو؟ فقال: “نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير” (الميزان. ج1. ص121).

وفي الحديث القدسي: “وعزتي وجلالي، إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري، إلا لأجلكم ومحبتكم” (حديث الكساء. ملحق مفاتيح الجنان).

فهم أكبر مظاهر الرحمة الإلهية على الخلق، بهم ينزل الله عز وجل الغيث من السماء، وتُنشر الرحمة على العباد، وتُخرج بركات الأرض، وتُمسك السماء أن تقع على الأرض، ويُصرف العذاب عن الخلق، قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (الأنفال: 33).

وقول الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض” (ينابيع المودة. ج1. ص19).

وهم الدعاة إلى الله عز وجل، والهداة إلى دينه القويم، وصراطه المستقيم، فلولاهم لم يعرف الحق من الباطل، ولم يعرف الصواب، ولم يعبد الله جل جلاله في الأرض، ويظهر الفساد في البر والبحر، ويهلك الناس أجمعين، قول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41).

وقول الإمام الرضا عليه السلام في حديث طويل، جاء فيه: “فلو لم يجعل فيها قيما حافظا لما جاء به الرسول الأول لفسدوا على نحو ما بيناه (أي بينه الإمام فيما سبق من الحديث) وغُيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين” (علل الشرائع. ص254).

إلا أنه من المؤسف حقا: أن يعيش المسلمون الغفلة عنه، ولا يقدروا نعمة الولاية حق قدرها.

الوظائف التي يقوم بها الحجة عليه السلام:
والحجة لله تعالى في الأرض يقوم بالوظائف العامة التالية:

  • التبليغ بالدين الحنيف، والدعوة إليه، وهداية الخلق إلى الحق تبارك وتعالى.
  • حماية الدين الحنيف من التحريف والتبديل والتغيير.
  • تكوين الجماعة المؤمنة، والسعي لتطبيق الدين الحنيف كمنهج حياة في كافة الشؤون: الفردية والمجتمعية.
  • القيام على خدمة العباد، وحماية مصالحهم، وصيانة حقوقهم في الحياة.

ومن يتأمل في هذه الوظائف يجد أنها ضرورية، وغيبة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف لا تعني تعطيل هذه الوظائف، فهو على اتصال بالمجتمعات، وهو يقوم بهذه الوظائف بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، فهو يحضر المجالس والمحافل والمواسم، مثل: الحج والعمرة وزيارة مراقد آبائه الطاهرين عليهم السلام، ويمكنه أن يجالس الفقهاء والدعاة والسياسيين وأصحاب الحوائج، ويرشدهم إلى ما هو الحق والصواب والأصلح – كل فيما يعنيه – بدون أن يعرفوا شخصه، وقد يعين عمالا للقيام ببعض الوظائف نيابة عنه بدون أن يُعرفوا، وقد ورد في بعض الأخبار: “أنه إذا ظهر قال الناس إنا قد رأيناه قبل هذا” فهو كما في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري “كالشمس إذا سترها السحاب”.

  • فوجود الشمس ضروري للحياة على وجه الأرض، ولها فوائد جمة لا غنى عنها لجميع الكائنات الحية، ولها آثار طبيعية تترتب على وجودها في المجموعة الشمسية، والسحاب وإن كان من شأنه أن يحجب الشمس، إلا أنه لا يمنع الفوائد والآثار المترتبة على وجودها.
  • وأن للشمس فوائد وآثار تترتب على إشراقها على الأرض بدون سحاب، وهذه الفوائد والآثار المترتبة على إشراقها على الأرض بدون سحاب هي التي تتأثر بالسحاب.

والخلاصة: أن الفائدة والآثار التامة والكاملة المطلوبة للشمس تتحقق بإشراقها على الأرض بدون سحاب، إلا أن السحاب – الذي وجود لغاية حكيمة في بيئة الأرض وهو المطر – وإن حجب إشراق الشمس عن الأرض بعض الوقت، إلا أنه لا يمنع الفوائد والآثار الطبيعية الأساسية المطلوبة والمترتبة على وجودها في المجموعة الشمسية.

وهكذا الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف له فوائد وآثار تترتب على وجوده كإمام وحجة لله عز وجل على خلقه، والغيبة لا تمنع من ترتب هذه الفوائد والآثار، وله فوائد وآثار تترتب على ظهوره وممارسته لدور الإمامة وهو مشرق ومعروف بشخصه بين الناس، وهذه الفوائد والآثار هي التي تتأثر بالغيبة.

فظهوره بشخصه بين الناس وإشراقه عليهم بنور الإمامة أتم وأكمل، وغيبته تترك بعض الفراغ الذي يجب أن يملأ بالشكل الصحيح المناسب، فوجوده في حال غيبته وقيامه بوظائفه الأساسية المترتبة على وجوده كإمام وهو في حال الغيبة، لا يغني عن وجود أشخاص يعرفون بأشخاصهم بين الناس للقيام بالوظائف الشرعية القيادية، وبدون ذلك لا تستقيم الأمور، ولا تصلح الأوضاع، ولهذا نصب الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف من يقوم بهذه الوظائف الضرورية في عصر الغيبة الكبرى، وهم الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم قوله عليه السلام: “وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم” (إكمال الدين وإتمام النعمة. ص440. التوقيع: 4).

وكما تجب طاعة الحجة، تجب طاعة الفقهاء، قول الإمام الصادق عليه السلام: “وينظران من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا ردّ، والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله” (الحائري. المرجعية والقيادة. ص144).

  • فالحجة عليه السلام هو الإمام بالأصالة.
  • والفقهاء رضوان الله تعالى عليهم هم أئمة بالتبعية.

المسألة (2)
لماذا غاب الإمام الحجة؟

في الأصل يجب أن يكون الحجة ظاهرا معروفا بين الناس، وغيبته وعدم معرفته بين الناس استثناء له مبرراته العقلية والشرعية.

والسؤال: لماذا غاب الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟

الجواب:
لقد تمت الحجة لله عز وجل على الناس بالقرآن الكريم وبدعوة الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء: 165).

وأصبح من الواجب على كل مسلم معرفة الإمام وطاعته ونصرته، قول الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من مات بغير إمام، مات ميتة جاهلية” (كنز العمال. ج1. ص103. الحديث: 464).

إلا أن جملة المسلمين خالفوا الله عز وجل، وخالفوا الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقدروا نعمة الولاية حق قدرها، وخذلوا الأئمة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام ولم يقوموا بواجباتهم نحوهم، حتى قضى – وا أسفاه – أحد عشر إمام من أهل البيت عليهم السلام بين مقتول ومسموم، وقتل ذووهم ومن والاهم، وشردوا، وأسروا، وحبسوا، وصلبوا، ولو بقي الإمام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ظاهرا معروفا بين الناس، لقتل كما قتل من سبقه من الأئمة الأطهار عليهم السلام، فاضطر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء للاختفاء خوف القتل – وهذا موافق للحكمة قطعا – قول الله تعالى على لسان موسى ابن عمران عليه السلام: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} (الشعراء: 21).

فالذي يتحمل مسؤولية اختفاء الإمام عليه السلام والحرمان من ألطاف ظهوره المبارك، هو عصيان الأمة للأئمة من أهل البيت عليهم السلام وخذلانها لهم، وتقاعسها المرير عن نصرتهم، والذي ينهي هذه الغيبة هو عودة الأمة إلى رشدها، وإستعدادها الفكري والروحي والأخلاقي والسلوكي لتقبل دعوته وطاعته والسير على منهج إمامته عجل الله تعالى فرجه الشريف وتحمل المسؤولية الكاملة في نصرته على كافة الأعداء.

وهنا تنبغي الإشارة إلى مستويين من الاستعداد والتأهل:

  • المستوى الشخصي: وفيه يجب على كل فرد مسلم أن يرتبط بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف كإمام مفروض الطاعة من الله سبحانه وتعالى، وأن يقدر نعمة الولاية حق قدرها، وأن يحفظها بحق وحقيقة، وأن يتأهل علميا وروحيا وسلوكيا ليكون من الصالحين ومن المرضيين عند الله عز وجل وعند صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ومن أتباعه والسائرين على نهجه ومن أنصاره على الحق في السر والعلانية.
  • المستوى المجتمعي: لا يكفي لظهور الإمام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يتهيأ الأفراد، وإنما يجب أن تتهيأ الجماعات، لأن حاجات الظهور والنصرة لا تلبيها إمكانيات الأفراد مهما كثروا، وإنما تحتاج إلى إمكانيات ضخمة لا تلبيها إلا الدول، مثل: الجمهورية الإسلامية في إيران، والجماعات الكبيرة المنظمة، مثل: جماعة حزب الله في لبنان.وقد أكد القرآن الكريم بأن حمل الرسالات، وإحداث التغييرات الكبيرة في الأمم والمجتمعات، لا يكون إلا من خلال عمل جماعي منظم، وذلك من خلال استخدام لفظ القوم، قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11).

    وقول الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38).

    وقول الله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} (الأنعام: 89).

    ونحوها من الآيات الشريفة، فالمطلوب من المؤمنين في جميع بلدان العالم، ليس أن يكونوا مؤمنين صالحين فحسب، وإنما أن يتحملوا المسؤولية في إيجاد الجماعات الرسالية المنظمة والفاعلة التي تتحلى بالمواصفات المطلوبة لأنصار الإمام الحجة القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من الوعي والصدق والالتزام والقدرة على النصرة، وليس مجرد النشاط السياسي أو الدعوي في جماعات إسلامية، وتتحمل هذه الجماعات الرسالية المسؤولية الجماعية المنظمة للإعداد الشامل: (الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعسكري) للظهور المبارك، وتكون قادرة فعليا على نصرته والمساهمة في تحقيق أهدافه في الحياة، قول الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ” لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ” (عقد الدرر. ص187).

    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي – أي السلطان” (نفس المصدر. ص192).


المسألة (3)
الفرج الشخصي والفرج العام

ينبغي لنا التمييز بين الفرج الشخصي والفرج العام:

  • الفرج الشخصي يخص كل واحد منا على حدة، وهو اختياري يمتلك الأفراد ناصيته.
  • والفرج العام الذي يحتاج إلى شروط دولية عامة ووقته بيد الله عز وجل.

فالحديث يكثر بيننا حول الفرج العام، ولكن الحديث عن الفرج الشخصي لا يكاد يوجد بيننا، وهو فرج اختياري بيد كل واحد منا أن يحصل عليه على حدة، فكل واحد منا يستطيع أن يحقق ارتباطا وثيقا بالإمام الحجة القائم المهدي عليه السلام ويحظى بعنايته ورعايته ولقائه، وذلك في حال ارتبط به ارتباطا فكريا وروحيا وسلوكيا صادقا، وسار على منهجه، وأصلح نفسه، ووفر الشروط المطلوبة لديه لذلك، فالارتباط بالدنيا الفانية والغفلة عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف وعدم تقدير نعمة ولايته حق قدرها، والتصرف تصرف من لا يؤمن بوجوده، هو الذي يحجبنا عنه، وإذا تحقق الارتباط الصادق به، وتقدير نعمة الولاية حق قدرها، وإصلاح النفس، فإن اللقاء به متاح، وقد وردت أخبار كثيرة عن أناس شاهدوا الإمام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وتشرفوا بخدمته، وقضى لهم حوائجهم، وأرشدهم إلى الحق والصواب والصلاح فيما يعنيهم من المسائل العلمية والسياسية ونحوها، وهي أخبار من الكثرة إلى درجة يستحيل الكذب فيها جميعا، وقد قال الميرزا ألنوري عن السيد ابن طاووس قدس سرهما الشريف: “أن باب لقاء الإمام الغائب عليه السلام كان مفتوحا له” (مدرسة الشيخ بهجت. ج1. ص241).

إلا أن الكثير منا غافلون حقيقة وفعليا عن منابع الفيض والرحمة، ومنابع النور والحكمة، ولم يقدروا نعمة الولاية حق قدرها ولم يشكروها، وهم يتصرفوا تصرف من لا يؤمن بوجود الإمام الحجة القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فلا يذكروه، وليس لهم ذلك الارتباط الفكري والروحي والوجداني والسلوكي المطلوب معه، ولا يسيروا عمليا على نهج إمامته في الحياة.

وأهم الأعمال التي ينبغي على المؤمنين القيام بها في عصر الغيبة الكبرى، هي:

  • الحرص على تحصيل الإسلام الواقعي المحمدي الأصيل، والاستقامة السلوكية الشاملة على الدين الحنيف، والحد الأدنى في الاستقامة: عمل الواجبات، وترك المحرمات، والعمل بالاحتياط إذا تعسر التكليف، قول الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (هود: 112).والتمسك بمنهج إمامة أهل البيت عليهم السلام جميعا وبدون تمييز بينهم، وأن يكون المعيار الوحيد فيما يفعل المؤمن وفيما يترك هو رضا الله سبحانه وتعالى ورضا صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وهو العمل الصالح والنافع للعباد، وليس إتباع الأشخاص والأحزاب ونحوهما، والصبر على الابتلاءات والمصائب، والتضرع إلى الله عز وجل، قول الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} (الأنعام: 43).

    والتوسل بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف في طلب الفرج وقضاء الحاجات ونحوها، والإكثار من أدعية الفرج.

  • الدعوة إلى الله عز وجل، والسعي لهداية الناس إلى الصراط المستقيم، قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).وتشكيل الجماعات المؤمنين الرسالية المنظمة والفاعلة، يقول العارف الكبير الشيخ بهجت: “هل يمكن أن يكون الإنسان باذلا جهده في هداية الناس بمقدار استطاعته، مثل الإمام عليه السلام ثم لا يكون في دائرة عنايته ونظره عليه السلام وهو عين الله الناظرة” (في مدرسة الشيخ بهجت. ج1. ص231).
  • القيام بخدمة الناس والسعي الصادق في قضاء حوائجهم، قول الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس، واصطناع المعروف إلى كل بر وفاجر” (جواد شبر. الأخلاق. ص98).وهذه من أفضل الأعمال التي من شأنها أن تدخل السرور إلى قلب صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وكان للأئمة من أهل البيت عليهم السلام عمالا للقيام بخدمة الناس والسعي في قضاء حوائجهم، وسيرة الإمام الحجة المهدي القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا ليست مستثناة، فهي في هذا كسيرة آبائه الطاهرين عليهم السلام ومن شأن هذه الأعمال أن تكون سببا لتحصيل ألطاف الله عز وجل وفيوضاته المباركة على الإنسان، وقد أثبت ذلك العارف الكبير ابن عربي في كتابه “الفتوحات المكية” في بحثه عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

والحديث عن هذه الأعمال يجعلنا أمام نتيجتين:

  • النتيجة (1): أن من يقوم بهذه الأعمال يكون محل عناية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ورعايته ودعائه، قال الإمام الباقر عليه السلام: “لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها” (الكافي. ج1. ص195: الحديث: 4).وهو المستفاد من القول السابق لآية الله العظمى الشيخ بهجت قدس سره الشريف.
  • النتيجة (2): أن من يتخلى عن هذه الأعمال يمكن أن يكون من الذين يخالفون الإمام الحجة القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ويخذلونه بعد ظهوره، كما خالف أكثر الناس الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وخذلوهم، وفضلوا عليهم غيرهم، فقد فضلوا معاوية بن أبي سفيان ونصروه على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وفضلوا يزيد بن معاوية ونصروه على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام لقد فشلوا في الامتحان مع الأئمة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام وفضلوا عليهم غيرهم بغير وجه حق، فكانوا بحق أعداء أنفسهم. وأعلموا أن من بين الذين يخالفون الإمام الحجة القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فقهاء وأناس كان ظاهرهم التقوى والصلاح قبل الظهور المبارك، نسأل الله عز وجل لنا ولجميع المؤمنين الثبات على الحق، وأن لا يفتننا في الدين كما فتن الذين من قبلنا.

والخلاصة: يجب علينا الارتباط الفكري والروحي والقلبي بالإمام الحجة المهدي القائم عليه السلام والإكثار من ذكره الشريف، والإحساس بوضعه في غيبته، والدعاء له بالفرج بنية خالصة لله سبحانه وتعالى، والفرح لفرحه، والحزن لحزنه، وطاعته، والتمسك المطلق بالحق والعدل، وعدم الركون إلى الظلم والظالمين، والسير على نهج إمامته المحمدي الأصيل، وعدم مخالفته في صغيرة أو كبيرة، والعمل من أجل التوطئة لظهوره المبارك، لنكون محل عنايته ورعايته، وقد نحظى بلقائه وخدمته، ويعتبر السير على نهجه أهم في الميزان من مجرد اللقاء به، والعناية والرعاية أشمل من اللقاء به، ولا تتوقف عليه، فهو يعلم بأفكارنا ومشاعرنا وأوضاعنا، ويمكن أن تتحقق الرعاية والعناية منه لنا بدون اللقاء، واللقاء والخدمة شرف عظيم يتمناه كل مؤمن.


المسألة (4)
ماذا تعني الغيبة بالنسبة لنا وبالنسبة للإمام الحجة

الغيبة تعني بالنسبة إلينا، أنها: “أكبر مصيبة لنا في الدين” كما جاء في زيارة الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “أصبنا بك يا حبيب قلوبنا فما أعظم المصيبة بك حيث انقطع عنا الوحي، وحيث فقدناك، فإنا لله وإنا له راجعون”.

فقد كان فقد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أكبر مصيبة في الدين بالنسبة للمسلمين قاطبة، فبفقده كان اختلاف المسلمين وتفرقهم إلى مذاهب وفرق وأحزاب، وكانت شهادة الزهراء عليها السلام وكانت ما اصطلح عليه بحروب الردة، والحروب التي خاضها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مثل: الجمل، وصفين والنهروان، وشهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم شهادة الإمامين: الحسن والحسين عليهما السلام وتكفير المسلمين بعضهم بعضا، وقتل الأبرياء بالجملة باسم الدين على أيدي غلمان من المسلمين في دور العبادة (المساجد والمآتم والكنائس التي يذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى) والأسواق والطرق العامة، ونحوها. وكذلك فإن غيبة الإمام الحجة المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء أعظم مصيبة في الدين بالنسبة إلى شيعته ومواليه:

  • البعض يشير في هذه المصيبة إلى الجهد العلمي الكبير الذي يبذله الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم في استنباط الأحكام الشرعية، ثم انتهائهم بعد الجهد العلمي الكبير إلى القول بالاحتياط وعدم حسمهم الحكم الشرعي في بعض المسائل.
  • والبعض يشير إلى الاختلاف في إثبات الأهلة والأعياد والمناسبات الدينية، ونحوها.
  • ولكني أرى بأن قول مرجع ديني يصف فيه مرجع ديني آخر أنه ضال مضل، هو في جميع الأحوال، وعلى أي وجه كان الحق، أكبر مصيبة لنا في الدين في زمن الغيبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأما بالنسبة للإمام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: فإن الغيبة تمثل له بلاء شديدا، فهو متصل بالمجتمعات، ومطلع على ما يدور فيها، وهو يقف على كل حدث كبير أو صغير فيها، ويعلم علم مشاهدة بالمؤامرات والمكائد والدسائس والمحن التي تُصب على الناس، ويتألم لها لما أودع الله تبارك وتعالى في قلبه من الرأفة والرحمة والحنان على الناس، فهو أرواحنا لتراب مقدمه الفداء في حزن شديد، ويحز في نفسه أن لا يقدر على رد الظلم والحيف الواقع على الأبرياء من الناس، وهو يطلب من المؤمنين الدعاء له بتعجيل الفرج: “أكثروا الدعاء لتعجيل فرجي”.

ويجب أن نعلم: بأننا ما لم نبذل جهودنا الصادقة وبنية خالصة لله سبحانه وتعالى في إصلاح أنفسنا، وإصلاح مجتمعاتنا، ومواجهة كافة أشكال الظلم والجور والفساد والتخلف في المجتمعات، والعمل على الإعداد الفعلي للظهور المبارك، والقيام بواجباتنا الخاصة والعامة بنحو صحيح، فإننا نساهم فعلا في زيادة محنة الإمام وبلائه، ولنا نصيبنا من المسؤولية عن ذلك – نعوذ بالله تعالى من ذلك – ويجب علينا الحذر الشديد بأن لا نكون من الذين يدعون بتعجل الفرج للحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بألسنتهم، ولكنهم يؤخرون الفرج ويؤذون الإمام الحجة المهدي عليه السلام بأفعالهم.


وفي الختام
أذكر المؤمنين ببعض الأدعية المطلوب الدعاء بها في عصر الغيبة

الدعاء (1): “اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، الله عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني”.

الدعاء (2): “يا الله يا رحمن رحيم، يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك”.

أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر إليكم عن كل خطأ أو تقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

شارك برأيك: