شهر رمضان المبارك بأيامه الجميلة ولياليه الفضيلة هو أكثر الشهور تميزاً على مستوى قرية النويدرات، لما لهذا الشهر من مكانةٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ عظيمةٍ في نفوس أهالي القرية كباراً وصغاراً، حيث يجري الإستعداد لاستقبال الشهر الفضيل قبل قدومه عبر تحضير الوجبات والمأكولات الشعبية كالهريس وخبز الرقاق وغيرها من الأطعمة التي تلقى رواجاً كبيراً في هذه الأيام.
ومع اقتراب أذان المغرب في شهر رمضان، تبدأ حركةٌ مُعتادةٌ في أوساط كل حي، فيخرج الأطفال أو الأمهات وربما الرجال أيضاً، حاملين مائدةً تحوي مجموعةً من الأطباق، وطارقين أبواب جيرانهم، مقدمين لهم تلك المائدة المتواضعة من المأكولات الشعبية، لترسم صورةً بهيةً من الحب والألفة بين الجيران في شهر التواصل والتكافل.
هذه الظاهرة الحميدة بدأت شيئاً فشيئاً بالإختفاء، بعد أن كانت نشطةً في الماضي. مجموعةٌ من أهالي قرية النويدرات تحدثوا عن ظاهرة تبادل المأكولات بين المنازل، معبرين عما يجول في خاطرهم، بالقول:
الحاج محمد علي الشيخ يوسف تحدث عن تلك الظاهرة قائلاً:
“كان للصيام في الزمن القديم طعمٌ مختلف، وحلاوته في أيامه ولياليه التي تجعلنا نتحسر عليها في هذا الزمن، فقد كنا نصوم منذ صغرنا بحيث نذهب إلى المدرسة ونحن صائمين، ومن حلاوة هذا الشهر أيضاً إن في الفترة المسائية منه كانت الأمهات مشغولة بإعداد مائدة الإفطار، وعند تجهيزها كانت توكل إلينا مهمة توزيع ما يتم تحضيره على الجيران، وفي العادة يكون الهريس والقيمات هو الأكثر تداولاً”.
فيما عادت الأخت أم حسن بالزمن لثلاثين سنةٍ مضت لتتذكر تفاصيل هذه الأمر فتقول:
“أذكر إن ظاهرة تبادل الطعام بين الجيران كانت موجودة في السبعينات وحتى قبلها، كنا نوزع الأكلات البسيطة مثل الساغو والهريس والقيمات والبلاليط، وكان التوزيع في صحون تسمى بـ(الكاب) وقتها، وعند إعادة تلك الصحون لأصحابها نُرجعها بالطعام الذي لدينا وهكذا يستمر الأمر، وكانت أيضاً الغبقات تقام كل ليلة في بيت لذلك كنا لا نحتاج إلى إعداد السحور كثيراً، أيضاً في شهر شعبان كنا نوزع خبز الرقاق للبركة، استمر هذا الأمر طويلاً إلى عام 2010م عندها قل التوزيع بشكل ملحوظ في بعض الأحياء بالرغم استمراره في أحياء أخرى”.
ومن جانبه تحدث ابن القرية الحاج سجاد بوغنوم عن تلك الأجواء الجميلة قائلاً:
“أتذكر إننا كنا نبدأ من قبل أذان المغرب في توزيع الأطباق على الجيران، وهذا الأمر يجعلنا نحس بأجواء شهر رمضان، خصوصاً مع أطباق الهريس والقيمات والكباب التي يكثر عملها في هذا الشهر”.
بينما تحدث الحاج عبدالجليل مال الله عن الأطباق التي توزع عادةً بقوله:
“توزيع الأطعمة كان شيئاً أساسياً عند كل بيت، والطبق الذي كان يوزع بكثرة في تلك الأيام كان الهريس، وهناك أيضاً الساغول والطابج الذي يسمى الآن بالقيمات، والتوزيع لا يقتصر على الجيران فقط فأحياناً نذهب إلى فرقان أخرى”.
في حين أعتبر الحاج عباس مطر إن هذه الظاهرة هي كصلة الرحم فيقول:
“في شهر الله ترى الناس يُكثرون من زيارات الأقارب والجيران، وبما أننا في قريةٍ صغيرة تبقى قلوب الناس متوالفة مع بعضها البعض، فترى الأطباق تتجول في القرية من بابٍ لباب لتصل سلامًا من تلك الجارة لجارتِها الأخرى، فتعطي هذه الحركة انطباعاً جميلاً وروحانياً لشهرِ رمضان، إضافةً لذلك فإن هذه الأطباق تُعتبر صِلةً للرحم وإكراماً للجار”.
الأخ أبو محمد تأسف على تلاشي هذه العادة الاجتماعية الطيبة بقوله:
“من الظواهر التي حرمنا أنفسنا من جمال رؤيتها أو حرمتنا سيرورة المجتمع من بهجة الشعور بها، هي تبادل المأكولات الرمضانية بين أهل الحي الواحد لتصبح هذه الظاهرة من الذاكرة، وقد يمر الزمان بنا لنحدث أبنائنا عن كيف كنا نستقبل ونرسل صحون المأكولات إلى بيوت الجيران، ونحدثهم كيف كنا نفرح ونتسابق لفتح الباب عندما تأتي الصحون الرمضانية، وللاسف قد نحدثهم عن الكثير من الأمور الاجتماعية التي نفتقدها ونفتقد أجواء المحبة والبساطة وصفاء القلب فيها”.
أما الحاج جعفر البربوري فيرى إن هذه الظاهرة الإيجابية ما زالت متواجدة ونشطة بين الجيران فيقول:
“شخصياً أعتقد بأن عادة تبادل الجيران للمأكولات في شهر رمضان المبارك لا زالت موجودة وللحمد لله، وبالذات في القرى، من ممكن أن تقل في المناطق الجديدة حول القرى أو المدن وذلك بسبب عدم تواصل الجيران في تلك المناطق، أما في القرى لا زالت موجودة وأصبح الجيران يتفننون ويبدعون في تقديم ما لذا وطاب بينهم، وندعو الله أن لا تنقطع هذه العادة الإيجاببة التي تعطي دليل على الحب والتواصل بين الجيران”.
وفي الختام تحدث الحاج عبد الله رمضان عن هذه الظاهرة بشكلٍ عام قائلاً:
“في الماضي كان تبادل الأطعمة والمأكولات يمثل الترابط والمحبة بين الجيران، والمحبة ليست بالأكل أو الأطباق، المحبة من خلال العطاء بينهم ولو بالقليل، أما الآن فقد أختفى هذا الأمر، لكن ما زال تبادل المأكولات موجوداً في بعض الفرقان، عندنا مثلاً فريق ورا المدرسة يومياً هناك تواصل وتبادل بين الجيران. والأطباق التي نوزعها سابقاً كانت القيمات والخنفروش والكيك والهريس والعصيدة والساغول وغيرها، والعجيب أن الصحون التي نوزعها على الجيران كانت ترجع بدون أي اختلاط فلكل بيت علامة تميز صحونهم، أما الآن فالتوزيع إن حدث يكون بارسلات فقط”.