أحدث المواضيع

مقالات تربوية (١): ثقافة التحمّل بقلم الأستاذ عبد الإله قمبر

الأستاذ عبد الإله قمبر
الأستاذ عبد الإله قمبر

الزمن وعقارب الساعة التي تهندس النظام في ساحته، زمن لايعرف التوقف، ولا يؤمن بالمجاملات، فللفقير مثل حظ الغني، وللخادم مثل ما للملك – في الوقت –  على السواء، زمن يوزع جناحيه عدلا وإنصافاً، إلا أن بعض البشر كعادتها تكره الصدق والإنصاف، فتسرق أقوات الفقراء وأوقاتها.

ولأن دقات قلوبنا تعيش وسط الثواني والدقائق، فإن كل كتائب (ابتساماتنا ودموعنا) منضوية تحت لواء (ضابط الوقت)، فلا فعل لنا خارج محيطه، ولا فعل له خارج ذواتنا، فينتج أن يتوالى مسلسل المفاجآت، اللين منها والعنيف، بأحجام مختلفة ونوعيات متباينة، وحسب (مناخات) متغايرة. فلربما صادف يوم أن ذهبت لإنهاء معاملة حكومية، وفي جعبتك وقت انتهاء كنتَ قدرته قبل، وأن بعده ارتباطا آخر يجمعك مع أحدهم، فتبددت غيوم تقديراتك عندما صدمك مشهد الاختناق المروري القاتل، فقاطرة السيارات طويلة، والحركة تكاد أن تكون معدومة، فلاهيبة للخطوط السريعة مع الازدحامات، إذ تساوت جميعها، فما كان إلا  أن زاد وقت انتظارك في المسار، فبدأ قلبك يميل إلى نقطة الغليان، وأخذت عيناك تتمدد من حرارة (القهر)،  وتماوج جبينك تماوج البحر الجان، حتى تصل إلى التبخر  والتبدد والانتهاء، فكنت أقرب إلى  ارتكاب الحماقات.

أو لعلك كنت عائداً إلى منزلك من عمل شاق منهك، في ظهيرة قائظة تتلاعب فيها سياط الحرارة على ظهور من تراه، وعصافير بطنك تغرد سيمفونية حزينة من شدة الجوع، وكعادتك غيرت ملابسك، وغسلت يديك تنتظر الطعام، خمس دقائق..! عشر دقائق..! ربع ساعة …! عصافيرك –  لقلة صبرها – ماتت وتعفنت، وصار نتنها يضج بمساحة لسانك وبصوت فيه الشدة والغلظة تصرخ: ألم يجهز الغداء بعد!؟

في ميزان الرابح والخاسر، لو وضعنا مقدار غضبك وقهرك وتجاوزك حدود اللياقة واللباقة في كفة، ومحاسن صبرك ورضاك وتسليمك في كفة أخرى، فإن جيش الغضب طبعاً هم المنتصرون في هذا الصراع، وعندما ينتصر جيش العدو  فإن ماتفقده وتخسره على أرضك من احتراق خلاياك، وفساد شبكات أعصابك، وتغير معالم وجهك، وانسداد شرايين قلبك، وخلل هنا أو هناك،  لهو أشد وأصعب وأخطر، مما لو تحملت وصبرت  وضممت لقاموس أخلاقك ثقافة الانتظار، وثقافة التصبر – فيما يحسن عقلاً التصبر عنده -،  وثقافة البحث عن الاعذار، التي تزيدك علماً وتمحي جهلاً، وتستحضر داخلك الحديث الشريف: الجزع عند المصيبة مصيبة أخرى.

شارك برأيك: