لأن الإنسان مخلوق يتميز بإمكانية (التطور والارتقاء)، ذلك لما أودعه الله فيه من عقل وقلب واعٍ فريد، يُصبح حينها (انتقاد الذات) ضرورة عقلية، تأخذ بيدهِ لكمال النّفسِ، ونماء العقل، ونقاء الوجْدِ.
فـ (انتقاد الذات) هو إحساسٌ بالتقصير لطيفٌ يقاضي النّفسَ إزاء سلوكياتها الصّادرة، وهو تلك المساءلة والمحاسبة الطبيعية التي تستقيمُ بها حياتُكْ، والتي توازِنُ بين ما أحسنَتْهُ النّفسُ وبينَ ما أساءته، فتَقبِضُ على إحسانها قبضَ راغبٍ لقربه ومعاودته، و تهرِب من إساءتها هروبَ خائفٍ من إلفها ولقياها، لتَبْحث بعدها عن معالجةِ العِلَل التي اعترتها، والخَلَلِ الذي احتواها.
وعلينا عندئذ أنْ نفرّق بين مصطلحين، بين (نقد الذات) و (جلد الذات)، فالثاني يعني تأنيب الذاتِ و (تفشيلها) وقهرها فقط، تماما كما لو كنتَ تجلدها بسوطٍ عنيف غليظ وهي ملقية مكبّلة، مما يعني إضعافها وإذلالها وإسقاطها وإنْحالها وتثبيطها عنْ دورها الموكلِ إليها، وهو أن تكونَ إنساناً (ملاكاً) يمارسُ وظيفته في خدمة نفسه ومجتمعه. أما الأولُ (نقدُ الذّات) فيعني الرّدعُ والتّوبيخُ العادِلُ عقاباً على الإساءة وبغية الإصلاحْ، والحمد والثناء والمديح كتقدير للإحسان.
ومن الغريبِ أن لايقبل الإنسان لنفسهِ أن يظلَّ في مرحلة دراسية أو درجة وظيفية معينة لزمنية ما، ويقبل عليها أن تُهمِل أخلاقها، وسلوكها، وواجباتها تجاه نفسها والآخرين مدى الحياة!! فأنْ لا تخشعَ في صلاتكَ، ولا تلطّف أخلاقكَ، ولا تشذّبَ أفكاركَ، ولاتزور أقرباءكَ، ولا تراقب حركاتكَ، ولا ترتّبَ مكتبكَ وفراشك، وغيرها، يعنيِ أنّكَ قبلتَ نفسكَ هكذا ورضيتَ بها إعجابًا وافتخاراً، ويحقّ لكَ – بلسان حال رضاك – أن تكونَ نبياً أو ولياً!!
فتَغافُلُ (نقد الذات) يعني حقيقة واحدة فقط، وهي أن يبقى الإنسانُ على ما اكتسبهُ من (سلوكيات وأخلاقيات حسنة) – سواء بإرادته المترهّلة أو من خلال طبيعة النفس المتأثرة أثناء المخالطة – أو ما اكتسبه من (سلوكيات وأخلاقيات سيئة)، حتى يرحلَ من هذه الدنيا، إذ يتقين – الإنسان – عند سكرات الموت أنه لم يستفد من فرصة الحياة التي وهبتْ لهُ شيئاً !!