إنّ التأدّب بالأخلاقيات الإنسانية في علاقتنا بالإنسان، أيّ إنسان، هيّ واجب تفرضهُ الذائقة الفطرية، والقيم العقلانية، وذلك لما تحملهُ من إيجابيات تحفظ للمجتمع استقراره وأمنهْ الإجتماعي. وتشتدّ هذه الآداب قدسية مع الأقارب وأهلِ المودّة ومن ارتبط بنا، لأنّهم الجزء المكمّل والمؤنس والمساعِد والمعين لنا، ومع اختلالها والتّسافل فيها فإنّ الخاسرَ بلا مزايدة هم الطّرفان، والخسارةُ هنا تعني "تفكّك المنظومة" التي هم قاطنونَ تحتَ مظلّتها، ومِنْ ثمّ تتبدّد النّتائج المرجوة، أشرفها ذهاب الألفة الإنسانية ! وأوضعها المصلحة المادّية.
وبحرُ الأخلاقيات واللاّ أخلاقيات لجُيٌ، لن أستطيع أن أركبَ شاطئه فضلاً عن عرضه، ولكنّي سأُمْسِكُ بإحدى أشدّها ضرراً على الإنسانِ صاحبِ المبدأ، هيّ "المزاح".
فالمُمازحةُ المحبَّبَة هي الدّعابة المهذّبةُ، غير المتطفّلةِ، في ظلِّها خفيفة ليست بفَضَّةٍ ولا ثقيلة، تُبهِجُ أصحابها برضا، وترفعُ شأنهم قدرا، تُجذّرُ المحبّة وتنوّع مشارب الألفة، وتضيّقُ منافِسَ الغربة، لاتتعدّى الخصوصياتْ، يدرسُ فاعلها طبائعَ الأقرانِ، ومناسبة الزمانِ والمكان، فيبادر بحجمها، وليستْ هيّ لونٌ يُتداول في كلّ الأوقاتِ، لألاّ يعرف أحدهمْ بها فتلتصقُ فيه.
وليسَ المزاحُ بأن تَسلبَ الأضواءَ، وترتقيّ الظّهور والذّقون على حسابِ غيركْ، فتسقطُ الحشمةَ عن اللفظةِ في اللّسان، والفعلِ في المقامِ، فيرحلُ الإحترام ويحلّ معهُ الإنتقام، فإن قيلَ أنّ المُمَازَحَ يتَحمّل التّحقير والتّهميشَ ! قلنا وقار مستمعيكمْ وكرامةِ ناظريكم لاتتحمّل، وإنْ قيلَ اثنان انفردا وتهابطا مزاحاً، قلنا كفّوا لنا ألسنتكم الغيبة واللّمز، فإن قيلَ قد كففنا ألسنتنا، واشتَدّ هرجهم ومرجهمْ، قلنا إن لم تستحوا فافعلوا ماشئتم!، فهو دليلُ خفّة العقْلِ، وانحدار الذّات، وطفوح العُقَدِ، واندثار الوعي.
وإنّ الضّحية ماكانتْ لتكونَ ضحية لولا ثغرتين، أولها انحشارها في وسطٍ يُذِلُّ عقلهُ ويُحِطّ نفسهْ، وثانيها قلّة الحزمِ وشدّة الضّعفِ الذي تمتلكهُ الضّحية، وعلى ذلك وجبَ المسارعة في العلاج، وبتر شوكة الفتنة قبْل جرحها القلوب.
فالمزاحُ إذاً لغة يحترمها الإنسان، ويُعْظِمها، ويباشرها، فهيّ تسمو بالمحبّة، وتُسقِطُ الكلفة، بشرطِ أنْ لاتكون لغةً مبتذلة.