إن طبيعة الزمن والعالم والحضارات طبيعة متحركة غير مستقرة، ومتطورة غير جامدة، وبالتالي فإن مايصلح اليوم من أدوات لتلبية ضروريات الحياة، قد يصلح غداً، وقد لا يصلح وهو الأقرب، ليس لأنه لم يعد قادراً على تأدية وظيفته، بلْ لأن هناك أدوات جديدة تحقق تلك الوظيفة بصورة أفضل من سابقتها.
وهذه الطبيعة المتحركة ليست للماديات فقط! إنما هي للفكر والعلوم الاجتماعية والانسانية أيضا. هذا التغير (التلقائي أو المدروس) لايعني التنكر لأصالة الأشياء والمبادئ، بل يعني الاستفادة منها بما يخدم هذه الأصالة.
ومما قيل: (ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم)، وفيه تدعونا لنجعل لنا (ميزانا وفياً) ينظم علاقتنا مع أبنائنا تنظيماً مميزاً وواضحاً، ولكن كيف يمكننا فهم هذا الميزان؟
إنّ الآباءَ ومنذ الإشراقة الميمونة لمنقذ البشرية مطالبون دائما بالتمسك بالأصالة الدينية والمجتمعية والثقافية والأخلاقية التي تربيا عليها، وتغذيتها لأبنائهم بصورة تكسبهم الاطمئنان، كما عليهم المتابعة المستمرة لما استُحدث على كل الأصعدة والاستفادة منها في ترسيخ هذه الأصالة وتقديمها بشكل يتناسب والعصر، فيمتلكان بذلك محصلة عالية من العلم والثقافة والخبرة الحياتية، يقتنع بها الأبناء بأنها أفضل مما يملكون، ما يؤهلهما لكي يصبحا قدوة حسنة وقوية في نظر الأبناء.
إن الطبيعة المتحركة للحياة والأفراد تفرض علينا التزامات ومسؤوليات دقيقة، إذ يجب على الأبوين بأن يكونا دائمي المتابعة لما ينتجه العلم والعلماء من علوم ومعارف إنسانية أو نظريات أو مخترعات علمية، وأن تكون لهما متابعة منتظمة لذلك، من أجل أن تكون هناك حماية للأبناء من شرارها أو ودعم وانسجام واستفادة من خيراتها.