بعد مقتل أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في الكوفة، توجهت الجماهير إلى مبايعة الإمام الحسن عليه السلام، ما عدا الشام فهي منذ عهد الإمام علي عليه السلام تحت حكم معاوية لم يبايع لا هو ولا أتباعه أهل الشام.
فظل الصراع مستمرا من عهد الإمام علي عليه السلام حتى عهد الإمام الحسن عليه السلام. فكان لابد من الإمام الحسن عليه السلام أن يواجه معاوية، خاصة أن الجيش الذي أعده الإمام علي عليه السلام لمحاربة معاوية أصبح تحت قيادة الإمام الحسن عليه السلام.
لكن الظروف لم تتهيأ للإمام الحسن عليه السلام كما ينبغي لها. فمعاوية استعمل الأساليب الملتوية بالمكر والخبث، حيث دس عملاءه وسط جيش الإمام الحسن عليه السلام وزرعوا الفتنة في اختيار القائد للجيش، كما أنه أغرى من أغرى بالمال بالتخلي عن الإمام الحسن عليه السلام وأرهب من أرهب في ذلك.
فأصبح وضع الجيش غير مستقر وحدث ما حدث في المعسكر من فتنة حتى اعتدي على الإمام الحسن عليه السلام بخنجر في ذلك المعسكر. فأصبح الوضع الداخلي في الكوفة والجيش مضطربا وضعيفا ومنقسما. هذا من جانب ومن جانب آخر كان هناك الخوارج والزبيريون أيضا لم يكونوا مع الإمام الحسن عليه السلام.
في ظل هذه الظروف الصعبة في انقسام المجتمع الإسلامي وخيانة بعض قادة جيش الإمام عليه السلام وأهل الكوفة. أصبح وضع الإمام عليه السلام خطيرا جدا.
وفي حينها قام معاوية بالتحرك العسكري لمواجهة الإمام عليه السلام. فهل كان الإمام الحسن عليه السلام بإمكانه دخول حرب عسكرية ضد معاوية؟
إن قراءة الواقع والظروف في ذلك الحين، لم تكن تسمح للإمام عليه السلام بالمواجهة، لأن قبول الإمام الحرب والمواجهة العسكرية ضد معاوية، يعني القضاء على الإمام الحسن عليه السلام وأهل بيته وأتباعه. وهذا يعني القضاء على الدين ومنهج أهل البيت عليهم السلام.
وهذا يتنافى مع وظيفة ودور الأئمة عليهم السلام فدورهم ووظيفتهم بمعنى أن تكليفهم الإلهي هو تبليغ الدين وإيصاله إلى الناس مدى الحياة والمحافظة عليه، فليس الهدف الحرب والمواجهة، وإنما الهدف من كل الأئمة عليهم السلام هو هذا الهدف: بقاء الدين واستمراره ما بقيت الحياة مستمرة.
لذلك تنوع دور كل إمام من الأئمة عليهم السلام بحسب ظروف واقعه ومعطياته السياسية في سبيل تحقيق هذا الهدف. فالإمام الحسن عليه السلام لم يكن خيار الحرب في صالح ذلك الهدف والدور المنوط به كإمام يسعى إلى الهدف الأسمى.
وعليه كان لابد من الإمام الحسن عليه السلام بحسب ظروفه غير المستقرة أن يقبل الحوار والصلح مع معاوية.
لهذا كان الصلح بينهما، وليس هذا فحسب بل هنا تبرز قدرة القائد السياسي الملم بواقعه وظروفه وأن يتحرك بحسب تلك الظروف، فالإمام عليه السلام تحرك لما كان الجيش قويا والجماهير معه وكان مستعدا للحرب والمواجهة، ولكن لما تفرقت الجماهير عنه وتضعضع الجيش تغير تكتيك الإمام عليه السلام إلى الصلح.
وتجلت عظمة الإمام عليه السلام بعد ذلك في قدرته على التفاوض مع معاوية، بل من خلال بنود الصلح حصر معاوية في زاوية بأن لا يعين خليفة من بعده وأن يكون الإمام الحسن عليه السلام هو الخليفة أو يكون الإمام الحسين عليه السلام هو الخليفة إذا لم يكن الإمام الحسن عليه السلام موجودا.
لهذا نستلهم من صلح الحسن عليه السلام أن الظروف والواقع هو اللاعب الأساس في تحرك القيادة السياسية، وليكن الصلح في ظل ما سمحت له الظروف ولا يعني ذلك خذلانا وتراجعا، لأن التفاوض والقدرة على الحوار مع الخصم في تحقيق مكاسب مستقبلا هو الأهم في ظل تلك التحركات. فالإمام بصلحه أولا حفظ الدين كما أنه كشف معاوية وبني أمية. ومهد بصلحه شرعية خروج الإمام الحسين عليه السلام ضد يزيد.
فهذا هو الصلح الذي برز من تفاوض حكيم وقادر على خلخلة الخصم، فإذا انتصر معاوية عسكريا على الإمام الحسن عليه السلام فهو لم ينتصر سياسيا عليه. بل كان الإمام الحسن عليه السلام هو الأذكى في هذا الصلح، لذلك معاوية لما أدرك ذلك ألغى معاهدة الصلح، ولم يلتزم ببنودها. ولو كانت المعاهدة لمصلحته ما ألغى المعاهدة ولكان التزم بالبنود. لكنه أدرك أنه هزم سياسيا وأن الصلح انتصار للإمام عليه السلام فظهرت نوازع خبثه بإلغاء المعاهدة وعدم التزامه.
فالصلح إذن أظهر قدرة الإمام عليه السلام في التحرك العسكري والسياسي. فالقائد لا يتحرك عسكريا في ظل ظروف صعبة تؤدي إلى نهايته وفشله. وأن التحرك السياسي يكون من خلال القدرة على التفاوض واستشراف النتائج ولو بعد حين. فلنتعلم من الإمام الحسن عليه السلام متى نصالح وكيف نصالح ؟!!!