كَلِفٌ أنا بهوى الحسين ولم أرَ
مثلَ الحسينِ دماً له كَلِف الورى
والناسُ ما كَلِفُوا .. ألا رَغِبُوا .. لذا
وجدوا التكلُّفَ وهو منبسطٌ جرى
فتقولُ: إنَّ دماً جرى مُتشبِّهاً
بدم الطفوف .. بعفوِ نهر أُنهِرا
وتقول .. إنَّ دماً جرى .. والخطوُ مِنْ
بعدُ المسافةِ – لا يرى كُلَفاً – سرى
فهو الحسين .. هو الكليف تعشُّقاً
لكن ببسطِ رغائبٍ .. ما أَجبَرا
من ليس يَكْلَفُ للحسينِ برغبةٍ
كَلِفُ الكلام على الهوى لن يُؤجَرا
ومن ارتضاه من الهويني مشهدا
إن قال أعشقُ .. في الورى لن يُذكرا
العشقُ حدُّ الموتِ من مُهَجٍ غلتْ
يا منفقاً غيرَ الردى لن تعذرا
فوراء إنفاق بغير مماتتنا
دون الحسين نكوصُ بذلٍ قُدِّرا
سنظلُّ في الترجيح بين ثباتِنا
ونُكُوصِنا .. والعشقُ فينا حُيِّرا
حتى نهاجر للحسين برحلة
فيها ختام السعي .. نوردُ كوثرا
فانزعْ حسينَكَ مثلَ سهمٍ ناشبٍ
وجعاً من الجرح الذي ما خُثِّرا
اكلفه .. حتى يستريح .. فأنت من
تمشيه .. هو إليك جسمٌ عفِّرا
اكلفه من كُلفِ اليقين وشاية
بالشكِّ فيكَ .. بأنْ تَشُكَّ فتُبصِرَا
الشكُّ أنك ناصر .. ويقين ذا
نجعٌ كذاك النجعِ زيَّنَ منحرا
الشكُّ أنَّك في خطاهُ .. يقين ذا
في الأربعين غدوت فيه مُسيّرا
الشكُّ أنَّكَ من هُداهُ مُخمَّرٌ
ويقينه الإيمانُ زادك مُسكِرا
الشكُّ أنّكَ عاقلٌ .. مُتيقِّنٌ
أنَّ الجنونَ إليه يُوصِلُ للذرا
يا عابسَ الطلاَّتِ لستَ بعابسٍ
وتركتَ درعكَ .. ما عرفت القهقرى
من دون درعك أنت منكشف .. ولم
تتركْ سلاحَ البغيِ يخترق العرى
بل كان يرسم فيك أجمل لوحة
إذ جسمكِ الموسوم حيّز للثرى
وسيوفهم رسمتك منعفرا بقذف
الجسم .. أعيتها تراك المدبرا
كلف الحسين بكم .. بأهون بذلِهِ
إلاّ يرى جَسداً يمانِعُ مِشفرا
أو أن يُرى عقلٌ يمانعُ وعيُه
عشقَ الجنون .. بأنْ يُحبَّ تَخيُّرا
إنَّ الهوى القهريُّ .. يقحم دائما
للمستحيل .. ودائماً .. لن يقهرا
يعصى بدنيا الممكنات على الذي
قد كان إمكاناً .. وجاءَ مُجَيَّرا
ويقولُ: يا أهلَ المُحالِ تألَّبُوا
بجناحِ عنقاءٍ تُبِيحُ الأدهرا
والأربعين من المحال مسيرة
هو ذو الجناح على ضريحٍ طُيِّرا
والشوق يضرب في العراق زلازلا
والسعي في الميقات يطلبُ ريخترا
من ذا يقيس بأي عزم تَذرعُ
الأقدامُ أطوالَ الطريقِ تجذُّرا؟!
أو أنَّ مائدة المضائف قدُّها
من طول ذيّاك الطريق تجمهرا؟!
أو أنَّ زاد الزائرين من الغنى
طَلَبَ الجوادَ بأن يكون الأفقرا
كُلَفٌ بحجمِ الانبساط سرائراً
لمّا تكلفَّها المحبُّ مُبَشَّرا
وكأنَّ مائدة السماء تنزَّلتْ
في الأربعين ووحيُ ربِّك أمطرا
أنَّ الحسينُ هو الكليف به الفدى
وكليفُ بيتٍ من نداه تطهَّرا
متدثرٌ كالجدِّ بعد حرائه
وحياً بجسمٍ عافرٍ فوق الثرى
متزمِّلٌ بالزائرين تكلَّفُوه .. زيارة
وسيخرجون إلى القِرَى
سبحان من أسرى بكل حجيجنا
نحو الطفوف إذ البراق تبخَّرا
من خبطة الأقدام أقواس الرؤى
مغبّرة كشفت ضريحك أقصرا
قاب الحسين البعد حيث بقربه
الأجساد تلحم شوقها كي تُصهرا