رحلة صلاح بقلم أحمد مكي خاتم

unknown(4)جعفر فنان موهوب أنعم الله عليه بهذه الموهبة من نعومة اظافره، عاش بين عائلة متواضعة ومثقفة، وهو فنان يحب الترحال ويحب المعرفة ويحاول بطبع الفنانين أن يجد صورة ينقلها برقة ذراعه إلى بياض ورقته ويمليها بالوانه النابضة بكل معاني الحياة وينشد على أعين الناظرين اجمل مقطوعات الموسيقى بقيثارته التي تترنح نغماتها بهدوء على بياض ورقته الصماء ليحولها الى كوكب مليء بكل معاني الجمال.

يذهب جعفر إلى رحلة يتجه فيها الى أحد الدول المجاورة باحثاً عن مبتغاه، يحوم جعفر بين أرجاء المدن باحثاً بين فحش الثراء عن واقع يضيفه إلى رصيد إبداعاته، وأخيراً بين كومة الأغنياء يجد مايبحث عنه.

رجلٌ جالس في أرجاء شوارع المدينة العريضة بدا له أنه في العقد الرابع من عمره وبعض الشيب في شعره الأسود واضعاً يديه على ذقنه العريض كما بدا له أن الحياة مزقت قلبه من مجرياتها وعكرت صفو حياته بمدها وجزرها، يفتح جعفر دفتره ويمسك بورق (الفبريانو) وبقية معدات رسمه ليبدء كتابة نص جديد في روايته المسطرة بألوانه المتمكنة على غرور ورقته البيضاء، لكن فضول الإسان يدفعه إما للمعرفة أو الخذلان.

يتردد جعفر في سؤال الرجل عن حزنه وأخيراً بين تسابق افكاره يسيطر الفضول على هذا الفنان فذهب الى هذا الرجل بخطوات مترددة.

جعفر: سلام على عباد الله الصالحين.

يلتفت الرجل بعين تتجمع فيها قطرات ندم لتسقط دمعة محرومة من المشي بين الخدان، صعق جعفر وتندم على فضوله الذي علقه بين الوقوف او الذهاب والنسيان، جلس إلى جانب الرجل على كرسيٍ خشبٍ أحمر ووضع ذراعه على كتف الرجل.

جعفر: مابك تبكي افقدت أماً أو أباً؟! أرحل عنك أخوان، أم رحل توئم روحك أم صديق لك خان؟
يسكت الرجل قليلاً ثم يتنفس الصعداء ويقول بصوت مكسور: لا هذا ولا ذاك.
جعفر: إذاً فقدت مالاً؟ أم كنت أنت الديان؟ أو ضاع حقك عند أحد من العدوان؟
يرد الرجل: لا، لا هذا ولا ذاك.
جعفر بصوت خشن: لقد حيرتني بين النهران فلا انت شارب وأنا لازلت ظمأن.
يرد الرجل: أنا لربي كنت غفلان، ولأمي وأبي كنت مهملاً، ولأخواني كنت غيران، ولأصدقائي كنت خوان، أما لزوجتي فقد كنت دائماً غضبان، أما لمالي كنت ولازلت ربحان، وبهذا نسيت آخرتي وحتى في دنياي أصبحت خسران، فلا من سائل عني في دنياي وفي آخرتي فقط يوم حسبان، وكيف لاتريد مني أن أبكي الٓان؟

وبصوت البرائة الذي يكسر كل قيود آلام الدنيا يرد جعفر: “إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سميته باب التوبة” اذاً هل رب السماوات يطرد من جاء لبابه طالبا؟ هيهات أن يخيب طالبيه، لاتفوت فرصة تصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان وقبل ان تُأخذ روحك من دون استأذان، وقبل جهنم والنيران، لو ما خان الحر جيش إبن سعد لكان يلعنه كل لعان ولكن أبى الإ في رياض جنة الرحمن.

ينظر الرجل بعين دافئة إلى جعفر ويقول: ولكن خجل الإعتذار يؤلمني الآن.
يرد جعفر: الإعتذار دليل رقي الإنسان وليس دليل ضعف على كل جبان.
يلتفت الرجل مرة أخرى: غفلتني همومي عن إسمك ورد سلامك فهلا قلته لي الآن.
يرد جعفر وهو مبتسم: إسمي جعفر وأنا فنان ولقد رحلت لوحتي بسببك الآن فهلا بكيت لي رجاءً لأشمر عن ساعدي وأمسك القلم و الألوان.

يضحك الرجل ابتسامة جهل لما قالة جعفر. ويفكر بحزن لما فعله له هذا الانسان.

إعلم عزيزي أن باب التوبة مفتوح وباب التسويف للتوبة مفتوح خياران إحداهما سالك والإخر سيأخذك للنيران فلا تأجل توبتك إلى شبابك ولا من شبابك إلى رشدك ولا من رشدك إلى شيخوختك فالله يسحب روحك حيث شاء ليس كما أنت تشاء.

 

4 تعليقات

  1. حفظك الرحمن لوالديك يا أحمد ووفقك في دنياك لآخرتك .
    تعبير راقي ورائع وكلمات نابضة بالمعاني القوية.

  2. قصة جميلة .. ننتظر المزيد

  3. قصة جميلة ورائعة

  4. نسال الله ان يوفق الجميع لما فيه الخير والصﻻح بارك الله فيكم

شارك برأيك: