فقيه الماءِ للشاعر عبد الحسين سلمان

الأستاذ سلمان عبد الحسين
الأستاذ سلمان عبد الحسين

فقيهٌ أيا عبَّاسُ .. فُقِّهْتَ في الحربِ
بـ يا لك من خدٍّ تحسَّسَ للتُّربِ

فصعَّرَ حدَّ السيف .. في الحدِّ خدُّه
إذا قابلَ الأعداء صُعِّرَ من عُجْبِ

وفي الخدِّ سيفٌ يفرشُ الترب إن هوى
غدا مستراحَ الأرضِ مِنْ مُصطلى الضربِ

أيا خدَّ عبَّاس المُترَّبِ قد حوى
لفقه فنون الحرب جَمْعاً معَ الحُبِّ

به كبرياءٌ العين والعينُ أهرقتْ
بسهم .. كأنَّ النهر قد غاض بالنشبِ

ينادي فلا ماء بعيني لقد سقى
ولا قربتي تسقي .. وقد أُسقطتْ جنبي

فما نفع ماء للعيون إذا همى
وما كان للعطشى يساغُ إلى الشُّرْبِ؟!

وما نفعُ من يأتي بقربة سعده
ليطفئ أطفال الظما ساعة الجدبِ؟َ!

فها هي من مثقوبة السهم عندها
صفات ابتلاع النهر من فتحة الثقبِ

وها أنا كفِّي يرفعُ الماءَ بارداً
وما لبرود الماء شيءٌ من الجذبِ

ولا هو أجرى قشعريرة من سرى
بجسمي .. وأعصابي على جلد العضبِ

فمنذ رأيت الماء أشبه صورتي
وأصبح ساقٍ .. قمتُ للسيفِ بالوثبِ

وأدركتُ أقدارَ التنافر بيننا
أنا ذلك الساقي .. وذلك ذو غصبِ

أنا النهر .. والنهرُ المصمَّدُ بئرهم
فقد كان أعمى عن حسينيَ في الصيْبِ

أنا النهر .. والنهر المصمَّدُ بئرهم
وفي قربتي دلوٌ تمنَّعَ عن ذئبٍ

فبئر كهذا النهر يشخبُ دمَّنا
لذئبٍ .. ويستعصي على السقي والسكبِ

غدا الجبَّ يخفي بالمغاليق يوسفاً
ويسقطُ هذا النهرُ بالردَّم للجبِّ

**

أنا من فقيهٍ .. كُنتَ فُقِّهْتُ ماءَكمْ
وقد كانَ ذا ختل .. وحيناً فذا خَلبِ

ولكنْ معي حيثُ البصيرة مجهري
فذا الماء حين الفحصِ قد طاش باللبِ

يعيش برودا زائفا فوق راحتي
ويغضبُ مني حين أرميه بالكبِّ

وفي داخلي نار اشتعال على الألى
لقد عطشوا .. والقلبُ محرقة الربِّ

ولكنَّنِي والماءُ بالزيف باردٌ
أقول: أنا ثلج المعاناة لا أُنبي

حسين أمامي .. صورة لفقاهة
تعلِّمُ رائيها على العطشِ العذبِ

سكينة في عيني فقيهة ندبُها
وقد فقَّهتْ أن الظما طفلةً يُربي

تقولُ: لقد عُلِّمتُ فقه شكايتي
لعمِّي .. عجوزاً لا تملُّ من الندبِ

فما شأن طفل الندب يندب ماءه
ويدري به يسقي إلى القفر والعشبِ

وذي شفة الأطفال تمحلُ بالظما
وتنجبُ صحراءً تئنُّ من الخصبِ

فمن سيجيبُ الطفل عن شكِّ مائه
تَيمُّمُ تُربٍ كالطفوف معَ الخضبِ؟!

أليس هو العباسَ مذ طاح دونهم
عطيشاً .. وماءُ النهرِ فُقِّه بالحجبِ؟!

**

أعبَّاس فقه العين فيك مصوِّبٌ
وسهمٌ أصاب العين يلقفُ بالهدبِ

لتبقى لك العين التي حين أُهرقت
سقت .. وبنشب السهم آلت إلى النُّصبِ

فحدِّث فقيهاً طاح في الترب مكملاً
فمن أدوات الفقه كفَّان للجلبِ

أمستجلباً كل السيوف ثقيفة
وكلِّ رماح الأرض مركوزة الغبِّ

أهل سلبوا قُرباك من قطعِ كفكم
فصرتْ فقيها عرضة السلب والنهبِ؟!

أجاب: أنا من قطعَ كفَّاي أهرقوا
إلى ماء وجهي .. قربتي الرفع للعتبِ

وما بعد ذا .. مُستَعْتَبٌ دون عاتب
بجثَّة مغدور يتوق إلى الغلبِ

إذا كان فقهي قائما صلبُ قامتي
فكفَّاي في ركزِ اللوا قوَّة الصلبِ

فها أنا ذا مِنْ دون كفَّينِ طائح
على الترب .. لا أقوى على قومة تُسبِي

قوامي مخسوف الجمال .. فما سبى
عيوناً .. رأى زجرا إلى زينب يسبي

خوارٌ بجسمي لا أرى لي حيلةً
وفي فقه دوري .. إنَّني واضحُ العطبِ

فرأسي فضيخٌ خلت شقَّ عمودِهِ
كزلزال شقَّ الأرض .. ذلك من خطبي

وعيني التي قد أطفأتها سهامهم
تقولُ إلى الأطفال: ما الريُّ من دأبي

ولا تسألْ الكفين من بعد قطعها
اتئادا لأرض الطفِّ في لحظة الذبِّ

تُذَبُّ كفوفي بعد قطع لها .. لكي
رياحهم السوداء تبدأ بالهبِّ

فتحرق في الطفِّ الخيام .. دخانها
إذا اسوَدَّ .. نادى زاجراً نسوة الركبِ

فعباس لمَّا غاب عن فقه سيفه
وحمل اللوا .. صوِّتنَ وابدأنَ بالنحبِ

وعبّاسُ هذا سيداتي وسادتي
بصيرةُ مجبولٍ على البأسِ والكربِ

سيسقط منه الفقه في نعي نفسِهِ
ينادي حسيناً والنداء من القلبِ

عليك سلام الله .. والقول يا أخي
لقد أسقطت مولاي من نفسٍ صعبِ

فهذا أخ المولى حسين .. لهاثه
بوقت الندا .. أجلاه عن فقهِهِ الذربِ

وأخلاهُ من ثوب الحياءِ .. لعاشقٍ
صريعٍ مدَّمى .. والدما أجمل الثوبِ

ولكنَّهُ يخشى النزول وإنْ هوى
عن السرجِ .. من فقه بملبسه الجشبِ

لحضنٍ حسين .. والعواطف محملٌ
إلى موعدِ الخيماتِ والوعد كالذنبِ

فزينب رهن الانتظارِ لكافل
وكافلها المفضوخ ذا صانع الرعبِ

سكينة والماء الذي كان موعداً
فأقفلتُ عن لقيا .. وفي مصرعي نخبي

وأطفال في ذيل الفقاهة علِّقوا
وفقهي من أعلاقهم واضح الشطبِ

وآخر ما اجترَّت عليَّ بصيرتي
بأنِّي محمولٌ على كتفِ منكبِّ

وأنِّي كسرٌ ظهر مولاي كيف لي
أُرى راكبَ الظهر الكسير إلى نحبي

عفيرٌ أنا .. خوفاً عليكَ معفراً
ودرأً لهذا الحال قد جدتُ بالوهبِ

فلن تحمل العباس .. دعه على الثرى
فقيهاً .. بصيرا .. أنتَ عاطفة الصُّحبِ

فعبَّاس في التعفير نفسك سيّدي
وعذراً على قولي أخي عن ندا لبِّي

ونفسُك هذي .. حيدر نفس أحمد
وعباس نفسٌ للحسين بلا كِذْبِ

فمن باهلوا في الإثر كشَّفْتُ مصرعي
ومصرعك الزاكي ليغني عن الكتبِ

ويغني عن الآيات في دين أحمد
مصارعنا الآياتُ يفصحنَ من قُربِ

فقيه لهذا الماءِ .. أقصي عواطفي
وأدعو بأرض الطفِّ من مصرعي دُبِّي

شارك برأيك: