أحدث المواضيع

الذبيحُ تخيُّلاً للشاعر سلمان عبد الحسين

الأستاذ سلمان عبد الحسين
الأستاذ سلمان عبد الحسين

ارحم فؤاديَ مِنْ جحيمِ العاشرِ
إنِّي وقعتُ على جراحِ الباقرِ

..

فلكربلاءَ خريطةٌ مرسومةٌ
في عينهِ الوطفاءَ دمعةَ زافرِ

..

الطفلُ فيه يقولُ شِبتُ بكربلا
فيها المشاعرُ من كهولةِ قاصرِ

..

أنا صرخة الماضي .. وفي الماضي أنا
أنهيتُ حبكةَ قصِّتي بمحاجري

..

ورأيت علمِي في مخطِّ محابري
قد جاء إرهاصاً لدوس الحافرِ

..

والصدرُ قد بقرَ العلوم ببحرها
إذ رُضَّ صدرُ حسينها بتخاطرِ

..

والجسمُ ملقى في التراب ثلاثة
من غربة صنعتْهُ درب معابرِ

..

وأنا الذي لم أُلقِ أقلامي لكي
أمحو لغربةِ ذي الثلاث العافرِ

..

وأقول: أجهل أمَّةٍ تلك التي
قتلتْ حسيناً بعد زعْمِ الناصرِ

..

فالعلم أولى أنْ يزيل غضاضة
القلبِ الجهولِ بصحوةٍ لضمائرِ

..

إنِّي أعيش بكربلاء وكلُّ ما
بقرتْ يدي ثقبٌ لضوء عاثرِ

..

فالدَّمُّ شمَّعَ للثقوبِ .. فلم يدعْ
للضوءِ بعد الطفِّ حظَّ مناورِ

..

ولقدْ بقرتُ الشمع حنَّطَ بالدما
ضوءَ الحسين عن النفاذِ الباهرِ

..

لمَّا رأيتُ حنوط دمٍّ .. مُشبهاً
عمد الخيامِ بعيدَ حرقِ الساترِ

..

قد كان يسند زينباً لمَّا غدا
عِدْلَ الكساءِ الفاطميِّ الطاهرِ

..

ما من كساءٍ يستر الأجساد إذ
تعرى .. بتدثيرٍ لوحي مناحِر

..

ما من كساءٍ يجمعُ الخيماتِ إنْ
حرقتْ لتشتيتٍ .. لبيتٍ عامرِ

..

لم يبق غيرَ عمودها المحروق يا
عمداً لزينب كالدخانِ الطائرِ

..

وهناكَ أعمدةٌ هوت فوق الثرى
ما بعدها صلبتْ لطولٍ خائرِ

..

عمد إلى العباسِ يفضخُ رأسه
عمدُ العدا .. ودمُ الكفيلِ كحائرِ

..

حارت متى تأتيهِ لاستنهاضِهِ؟!
بل كيف تقربُ منه قربَ مبادرِ؟!

..

وهو الذي أشلاه دون حراكها
قد سيَّجتْ جسما بدون الباترِ

..

حتى لقد مُنِعَتْ وصولاً عنده
والمنعُ منع ناعم لمحاذِرِ

..

والمنعُ منعُ العذر .. لم يطلبْهُ
قولاً .. إنما الأشلاءُ عذُر العاذرِ

..

يمناهُ من مقطوعة قالتْ فما
يُمنُ الكفالة تمَّ بعد تناثري

..

يسراهُ قالتْ ما تيسَّرَ أمرها
لكفالة طلبت يسارَ مسايرِ

..

عيناهُ قالتْ كيف أبصر دربها
لكفالة .. والسهم أطفأ باصري

..

والرأس صاح .. ألا محاملُ زينبٍ
من فوق رأسي .. درءُ كل مخاطرِ

..

واليوم رأسي إذ يسيل دماغه
غرقٌ لمركبها بعهدة آسرِ

..

فالرأس مركبها .. وحين هوى على
رأسي العمود .. رأيتُ محملَ زاجرِ

..

وعمودهم كشراع مركبي الذي
هو أجنبيٌّ مذ هوى من غادرِ

..

هو مسقط دوما سفين كفالتي
ومقرصنُ الحورا بكفلٍ آخرٍ

..

من ها هنا ..
فالباقرُ الطفل المعبَّأُ
عاشها طَفاًّ بخزن مشاعرِ

..

ومن المشاعرِ لوحةٌ فنِّيةٌ
رسمتْ برودتها جحيمَ مناظرِ

..

هي عقلُ بركان تنفَّس وعيُه
حرقَ الخيامِ .. فكانَ فوهة خادرِ

..

بدل الدخان وقد تمازج بالدما
بقرَ العلوم بعبِّ بحرٍ ثائرِ

..

بدل العمود كمُسنِدٍ لخيامها
وهي الرماد بعيد حرقٍ جائرِ

..

نادى فقامات العلوم تخرَّجتْ
منِّي .. وتسندُ كربلا بتفاكرِ

..

وتقول: إنَّ رماد حرق خيامها
قد صار من كنز العلوم الذاخرِ

..

أنا باقر الطفِّ التي أُشربتها
دمعاً .. لأمخرها بعلمٍ زاخرِ

..

فالطفُّ من نُسَخِ الدِّما مستنسخٌ
لعلومنا .. صنعاً لكلُّ مفاخرِ

..

ومدادها فيض الدما .. ما دونها
فالبحرُ ينفذ مثل جزر حاسرِ

..

ولقد قبضتُ على ترابك كربلا
فقبضْتُ ترباً مزجَ دمٍّ عاطرِ

..

فجرتْ على كفّي العلومُ .. وإنها
نهرُ الفراتُ قُبيلَ منعٍ فاجرِ

..

وجرتْ على كفِّي العلوم .. لأنها
من قبضة الدِّمِ قبض نهرٍ غامرِ

..

يتخللُّ النهرُ العظيم أصابعي
والأصبعُ المبتور دفقُ حناجرِ

..

الكلُّ يهتف قد أخذتُ العلم عن
ذاك المسمَّى باقراً بتواتِرِ

..

وأنا أقول أخذت عن جدِّي الحسين
علوم مفجوعٍ بعقل حاضرِ

..

بفجيعتي نهر الدموعِ تساقياً
وبفكرتي سنار صيدٍ وافرِ

..

وعلى حضور الأمس يوميَ حاضرٌ
وغدي إلى المهديِّ رحلُ مسافرِ

..

قد كانَ جهزَّني الحسين بدمعة
ودم .. مدادٌ للوجود الضامرِ

..

وبفكرتي جهَّزتُ سرجَ محمَّد
المهديّ .. كي يمضي بوسط عساكرِ

..

هي خيل يا منصور في نصري أَمتْ
وفقار حيدرَ للوريثِ البادرِ

..

فإذا ذكرتم كربلا وذبيحها
فالسمُّ لمْ يقطع إليهِ أواصري

..

قولوا فذا الجنديُّ كان بكربلا
ومؤخرٌ عن قتلها بخناصرِ

..

من بعد خنصر جدِّهِ فله الأب
السجَّاد .. خنصرهُ الدعاءُ لذاكرِ

..

ولقد أتى بين الخناصرِ ثالثاً
بقراً لعلمٍ .. لا طعون خناجرِ

..

ولقد قضى بالسمِّ وهو قتيلها
بالسيف والتأخير صنع مُكابرِ

..

كبرتْ عليه بأنْ يراهُ مجدَّلاً
الطفلُ فيه .. وليسَ صغرُ الصاغرِ

..

ورأى بحمل الطفلِ كتفُ خيالِهِ
أعباء مذبحة .. خيالُ مغامِرِ

..

فالطفل باقرُ كان يحمل هودجاً
يدعى الطفوف بدون شدِّ الآزِرِ

..

والطفل باقرُ كان يجرع طفَّهُ
سماَّ قبيل السمِّ جرعة شاكِرِ
..

ولقد تخمَّرَ قتلة .. وأوانها
بعد الأوان .. بألف سيف باترِ

..

أفلا يكون هو القتيل .. أوانُهُ
ظهرَّيةٌ .. بقميص ذبحٍ دابرِ؟!

..

أو لا يكون كمثل يوسفَ مدبرٌ
بالقدِّ .. يقبلُ بعد جرحٍ غائرِ؟!

..

هو بين أكبرها وبين رضيعه
متموضعٌ عندَ الحسين كسامِرِ

..

جدٌّ إليه هو الحسينُ بكربلا
إنْ قال ضُمَّ إليَّ ضمَّة زائرِ

..

وكذا محمَّدُ كان جدَّ السبطِ إذ
رغبَ الحسين إليهِ ضمَّ مقابرِ

..

فإذا هتاف الجدِّ أنت ذبيحها
أرض الطفوف .. ولي خطاب الآمرِ
..

فإذا توسَّدَ باقر
ما بين أبناء الحسينِ
لأجلِ قتلِ تكاثرِ

..

فالأمرُ من جدٍّ رأيتكُ باقراً
وإلى تمام الذبح جاءَ كقادِرِ

شارك برأيك: