مأتم الكاظم ومأتم آل إسماعيل بالنويدرات

مجلة المواقف البحرينية – العدد ٩١٥

تعتبر النويدرات أحد القرى التابعة لمنطقة سترة أوالقريبة منها بحكم موقعها الجغرافي، وتزخر القرية شأنها شأن القرى الأخرى بالعديد من دور العبادة من المساجد والمآتم والتي يعود تاريخ بعضها الي عشرات السنين.

وفي سلسلة تحقيقات المآتم التي تناولت عدة قرى بمنطقة سترة نقف في هذا التحقيق مع أهم مآتم قرية النويدرات، ونلتقى مع الحاج علي محمد كاظم ولي مأتم (الكاظم)، والذي قضى زهرة شبابه في العمل بشركة نفط البحرين (بابكو) وأصبح الآن يمارس العمل الحر.

وكان سؤالنا الأول له يدور حول سبب تسمية قرية النويدرات بهذا الإسم فقال: يحكي الآباء والأجداد أن مواطنين بحرينيين من سكنة قرية عسكر أحدهما يدعي عامر والأخر نادر قد إنتقلا من قريتهما عسكر منذ ما يزيد علي ثلاثمائة عام وتوجه أحدهم وهو عامر إلى القرية التي أطلق عليها اسمه وهي قرية (المعامير) ونسبة إلى اسمه عامر، أما الثاني فقد توجة إلى المنطقة القريبة من قرية بربورة ونسبت المنطقة إلى اسمه حيث كان يطلق البعض آنذاك علي نادر اسم نويدر فسميت القرية (بنويدرات) نسبة الي اسم هذا الرجل المهاجر من قرية عسكر إلى هنا.

حدثنا عن الأحوال العامة للقرية منذ أيام زمان وحتى الآن؟
يقول الحاج علي محمد كاظم: 
كانت قريتنا في الماضي عباة عن منطقة زراعية لأشجار النخيل وكانت مزارعها وبيوتها تسقى من مياء عذبة تأتي من قرية بربورة الواقعة غربيها حيث ينساب الماء العذب من مصادر العيون والجواجب (كواكب) القرية من البحر لوجود مجاري مائية عذبة يطلق عليها (الشريعة) تخترق القرية ولم تختف هذه الظاهر الا عام 1970م تقريبا، فكان الأهالي يشربون ويستعملون هذه المياه للاستعمالات المنزلية وري المزارع، وكما كان البحر كثيرا مايطغى على اليابسه ويغمرها بالمياه ونظرًا إلى أن بيوت الأهالي حين ذاك كانت من السعف وجذوع النخيل وغصونها فانهم قد عانوا وكابدوا الأمرين من فيضان البحر وغضبه وكانوا يتعلقون فوق الكبرات والعرش هروبا من المياه التي كانت تغمر أراضي القرية ومنازلها ومزارعها.

ويواصل الحاج علي محمد كاظم حديثة قائلا:أما أنشطة الأهالي الإقتصادية آنذاك فقد ارتبطت بالبحرحيث صيد السمك واللؤلؤ وكذلك زراعة النخيل وصناعة الحصر والمديد والزبلان والمخازف، ولما أنشئت شركة نفط البحرين التحق العديد من الرجال والشباب للعمل بها مما اثر سلبا علي الأنشطة الاقتصادية التقليدية. أما الآن وبعد أن طرأ النمو والتحضر علي القرية والتحق الأبناء والبنات بالمدراس النظامية واندثر التعليم التقليدي لدى المعلم والمعلمة فقد التحق العديد من الأهالي بالأعمال الحكومية وشركات ومؤسسات القطاع الخاص.

ويقول الحاج علي محمد كاظم: إن عدد سكان القرية يبلغ حوالي خمسة عشرة ألف نسمة يتوزعون على مايزيد علي ثلاثة آلاف بيت أما أهم مشكلات القرية فهي عدم وجود مدارس حكومية داخل القرية عدا مدرستين ابتدائيتين للبنات فقط، أما طلاب المراحل الاعدادية والثانوية والابتدائية للبنين منهم موزعون علي المدارس الواقعة في سترة وواديان ومدراس مدينة عيسى والرفاع. المشكلة الثانية التي تعاني منها القرية هي عدم وجود قرص عمل لأبنائها حيث أن عددا كبيرا من أبناء القرية عاطلون عن العمل.

ويضيف محدثنا الحاج علي محمد كاظم قائلا: لقد كانت نويدرات وكذلك بربورة كقرى البحرين الأخرى منبع العلماء الدين ورجال المسلمين الأفاضل واكتسبت شهرتها في هذا المجال وأهاليها معروفين بالعلم وحب العلماء.

أسال الحاج علي محمد كاظم عن أشهر مساجد ومآتم قريته فيجيب قائلا: تحتوي القرية علي العديد من دور العبادة أكثرها قديم، منها مسجد الشيخ علي ومسجد الشيخ أبو سكران ومسجد الشيخ ومسجد الشيخ أحمد الواقع في سوق القرية ومسجد الشيخ إبراهيم ومسجد الشيخ خلف، أما عن المآتم فهناك مآتم قديمة منها مأتم أولاد إسماعيل الذي يطلق علي الماتم العود ومآتم بن خاتم ويتولاه علي بن الحاج إبراهيم وكان قبله يتولاه الحاج محمد خاتم، ومأتم فريق صلبوخ والإسم الرسمي الحالي هوه مأتم الكاظم وأتولاه أنا منذ وفاة والدي يرحمه الله، ومأتم أولاد عيسى البربوري وهذه العائلة هاجرت من قرية بربورة المندثرة إلى هنا منذ عشرات السنين، والمأتم الأخير من المآتم القديمة مأتم الوسطي، وهذا الماتم قد انشقت عنه عدة مآتم قامت على أكتاف شباب القرية وهي مآتم حديثة النشأة والتي منها مأتم أولاد معراج ومأتم حسن بن علي ومأتم الجمعية ومأتم أولاد مدن ومأتم أولاد مرهون ومأم أولاد زيد وهو مأتم بن جمعة الذي انشق عنه الجميع، هذه المساجد والمآتم تتوزع في أحياء القرية مثل الغربي والشمالي والوسطي والجنوبي والشرقي وأكثر سكان هذه الأحياء كانوا في السابق يقطنون قرية بربورة.

هل ممكن التحدث عن قصة انشاء مأتمكم المعروف بمأتم الكاظم بصفته من المآتم القديمة في القرية؟
يتحدث الحاج علي محمد كاظم قائلا: 
حسب ما سمعته عن أبي أن جده يرحمه الله كانت له عوائد يقيمها في البيت والعائد عبارة عن اقامة مجالس حسينية في مجالس البيوت أو في المزارع والمساجد قبل تأسيس المأتم كمؤسسات حسينية مستقلة البناء، وهذه العوائد ترجع الي عام ١٨٨٤م على اثر ذلك قام الجد كاظم بعد وفاة أبيه وذلك عام ١٩٠٣م بتأسيس مأتم أو بالأحرى إقامة مجالس حسينية في محله الذى يصنع فيه المديد والذي تبلغ مساحته ٢٠ ذراعا في سبعة اذرع وفي هذا المحل كان جدي يعلم الصبيان القرآن الكريم والصلوات الخمس في سائر الأيام بالإضافة إلى صناعة المديد، وخلال أيام المياقيت (التحاريم) يقيمون فيه المجالس الحسينية، وكان البناء من طين والمسح من جص واستعمل في بنائه الحصى البحري، أما السقف فكان من جندل ومناكير وأما الرابط (البيم) أو ما يعرف باللنتر فكان من الجذوع.

وفي عام ١٩٤٧م في أعقاب الحرب العالمية الثانية كاد المأتم أن ينهار فما كان من الوالد يرحمه الله الحاج محمد بن علي بن محمد بن كاظم إلا أن قام فورًا بتجديد بنائة وتوسيعة مساحته، كما غير هندسته حيث بلغ ٢١×٢١ قدما مربعا ولكن مواد البناء بقيت على حالها حيث استعمل الطين والجص والحصى البحري والجندل والمناكير.

ونظرا لعدم وصول الكهرباء إلى القرية كانت تنار بيوت القرية ودور عبادتها خلال هذه الفترة باللمبات وهي عبارة عن علبة يوضع بها جازولين (كاز) وفتيلة يثبت بتحد أو يستخدمون (الفنر) وهو جهاز إضاءة تقليدي وجهاز اخر يطلق عليه (تريكات).

وفي عام ١٩٦٢م أدخلت الكهرباء إلى القرية واشترط علينا إذا أردنا ادخالها للمآتم أن نغير وضعيتة للسقف حيث كان علي هيئة أقمار للإضاءة فألغينا الأقمار من السقف وأدخلنا عليه السلتكس وطليناه وأدخلنا مزيدا من النوافذ حيث تعرض لصيانة وترميمات شاملة.

وقد توفي والدي يرحمه الله في ١٧ ديسمبر ١٩٦٢م وعندما توليت مسئولية المأتم كاملة بعد وفاة الوالد أخضعت الماتم إلى صيانة أخرى ورفعت مستوى جدرانه وسقفة وذلك خلال عام ١٩٦٣م وفي عام ١٩٨١م قمت بشراء أسهم الورثة من أعمامي وعماتي حتى تتحدد حدود المأتم ويصبح مستقل البناء بدون منازع ثم شرعت في البناء الحديث الحالي بعد الاتكال علي الله وعلي النفس وبمساعدة أهل الخير من أبناء القرية وقد استمر البناء بعد نهاية شهر صفر من عام ١٩٨١م حتى ١٩٨٣ وقامت عملية البناء علي الفزعة (التعاون) بأيدي أهل الديرة، والأن اصبحت مساحة الماتم ٣٣.٥×٢٥.٥ قدما مربعا من حيث المساحة وكلف ٣١ ألف وخمسمائة دينار وبلغت التبرات النقدية من أبناء الديرة وأهل الخير عشرة آلاف دينار وقد تمت عملية البناء في فترة غلاء فاحش لمواد البناء ولاسيما الإسمنت والخشب والرمل والحديد.

وحول أشهر خطباء المنبر الحسيني الذين خطبوا في المأتم يقول الحاج علي محمد كاظم: أشهرهم منذ أيام جدي وحتى الآن ملا علي ابن يوسف وهو من أولاد الشيخ يوسف الذي كان متزوجا من خالتي وقد استمر في الخطابة الحسينية حتى وفاتة عام ١٩٣٨م بعد أن استمر لمدة ٣٥ عاما متوصلة، حيث قرأ خلال عهد جدي علي بن محمد بن كاظم وكذلك عهد أبي يرحمهما الله، بعده قرأ ملا إبراهيم بن حسن وهو من قرية الدراز وملا إبراهيم الملقب بالمسموم ومنهم ملا حبيب بن يوسف أخ علي بن يوسف وهما من نفس النطقة وذلك لمدة ٨ – ٩ سنوات، وفي الأربعينيات قرأ لدينا ملا إبراهيم بن أحمد إسماعيل أي خلال الحرب العالمية الثانية، ثم عدنا إلى ملا حبيب بن يوسف لمدة ٣ – ٤ سنوات ثم ملا علي بن عبد النبي وهو من كرزكان وملا إبراهيم بن خليل الدرازي الملقب بالسماك وملا حسن بن إبراهيم العصفور والذي قرأ في عهد والدي وعهدي، وقلبه قرأ الشيخ منصور الستري بعد ملا إبراهيم وملا حبيب لمدة ثلاث سنوات وفي فترة الشيخ منصور الستري قرأ ملا محمد علي بن عبد الله بن الشيخ وآخر اسمه ملا حسن بن إبراهيم العصفور لمدة ثلاثة عشرة عامًا وقد توفي الوالد يرحمة الله وهو يقرأ لدنيا ثم قرأ لدنيا الحاج مهدي الشهابي وعلوي الشيخ عباس بن أحمد الريس ثم علوي بن سيد علي الشهركاني ثم جمعة الحاوي بعده ثم ملا علوي الشيخ عباس ثم الشيخ جمعة الحاوي ثم الشيخ عباس مرة أخرى وبعده علوي ثم الشيخ أحمد مال الله لمدة سنتين وفي عهدي قرأ الشيخ حسن القيسي لمدة سنتين وسيد سعيد بن شرف الدرازي والشيخ عبد الحسين الريس ثم الشيخ محمد جواد بن رضا الشهابي.

وحول أوقات القراءة ومواكب العزاء يقول محدثنا: القراءة هنا منذ القدم بالتناوب خلال الفترة الصباحية حيث يبدأ مأتم الشيخ منصور الستري ثم مأتمنا ثم مأتم علي بن الحاج إبراهيم ثم مأتم الشيخ ثم مأتمنا ثم مأتم أولاد حسن بن علي وقد تتضارب أحيانا أوقات القراءة، أما في الليل فكنا في السابق نبدأ في التاسعة مساء أما الآن فنبدأ في الثامنة والنصف وللقرية مأتم عزاء واحد فقط يقوم على أكتاف الشباب الآن ينطلق من مأتم الجمعية خلال ليلة السابع وحتى العاشر، أما الآن فقد يبدأ الموكب من ليلة السادس من المحرم وحتى الحادي عشر منه عصرًا وصباح العــاشر أو العصر أو الليل، ويحتوي المأتم على حملة الأعلام والرايات وضاربي الصدر والصنقل ويسير في طرقات القرية، وقد يساهم شباب القرية في مواكب عزاء أخرى مثل مأتم بن خميس بالسنابس ومأتم السكران بالمحرق.
والمأتم يقدم لمعزيه وضيوفه الماء البارد والشاي والشربت والغليون وأحيانا اذا كانت هناك نذور يقدم الخبز والحلوى والفواكه والبلاليط مع وجبة غداء أوعشاء.

ومن الجدير بالذكر ان مهندس المأتم هو شخص عادي بسيط من قرية المعامير اسمه جمعه بن محمد آل طيف.

مأتم ال إسماعيل (المأتم العود)

نلتقي الآن مع الأستاذ علي بن جاسم بن اسماعيل متولي مأتم أولاد إسماعيل المعروف بمأتم (العود) حيث يقول: أسس هذا المأتم جدي منذ مايزيد على ١٠٠ عام وكانت مساحة المأتم في البدء صغيرة عبارة عن حجرة طولها ٣٠×٢٠ قدمًا وكانت هذه الحجرة بها عدة نوافذ تشبه الأبواب، وذلك لتوفير الاضاءة أما أبوابه فكانت تقع جهة الشرق اضافة إلى نافذتين واحدة جهة الجنوب والأخرى جهة الشمال وبالمأتم مكان خاص لإشعال الفحم ووضع المنقلة يطلق عليه (سويداني) عبارة عن صندوق مربع منقوش لطبخ القهوة وبه منفاخ مسئول عنه الحاج رضى بن إسماعيل.

وكانت مواد بناء المأتم من الطين والجص للمساح وجذوع النخيل والجنــدل والمناكير، وبالمأتم روزنة توضع فيها البغال الفخارية الشرب الماء تقع خلف المنبر، وقد حول الوالد يرحمه الله أبواب المأتم من الشرق إلى الجنوب، أما بشأن أرض المأتم فهي ملك للأجداد أوقوفوها للماتم.

وعندما كان فضيلة الشيخ منصور الستري أيده الله يقرأ في المأتم رأى وجوب هدم المأتم وبناءه من جديد فقام الوالد بهدم مبنى المأتم عام ١٩٥٤م ووسع مساحته حيث أصبح ٣٦×٣٦ قدما مربعا مع عمل ليوان وكانت مواد البناء من حصى وجص واسمنت وقد بناه الحاج محمد الملاح وهو من المالكية وأدخل له نوافذ من خشب بلغ عددها أكثر من أربعين نافذة كما عمل له ثلاثة أبواب وحافظ على عمل ليوان له وأدخلت الكهرباء في المأتم عام ١٩٦٦م حيث قام بالتسليك الحاج أحمد الحلواجي.

وكان أول ماتم في الديرة يلجا إلى استعمال الميكروفون (مكبرة الصوت) مما جذب العديد من المستمعين وكانت المكبرة أمريكية الصنع، وقد تعرض المأتم للتجديد عدة مرات وكان اخر مرة عام ١٩٨٧م على يد العائلة وبمساعدة أهل الخير خاصة مؤسسة ناصر بن عبـد محمد الذي تعهد بتوفير الطابوق، ومؤسسة مفروشات بوكنان التي ساهمت بالتبرع أيضا وكذلك أهل الخير، والمأتم الآن به مرافق عديدة منها غرفة للخطيب ومطبخ وحمامات، أما مساحته فتبلغ الحالية ٦٠ × ٤٠ قدما مربعا بكلفة ٧٥ ألف دينار.

ولقد تعرض المأتم للتجديد منذ تأسيسه على يد المرحوم علي بن أحمد بن اسماعيل ثم ابنه الحاج جاسم بن علي ثم أنا علي بن جاسم بن علي بن اسماعيل.

وحول أشهر خطباء المأتم وما يقدمه لضيوفه فى مجال الضيافة.. يقول الأستاذ علي بن جاسم بن اسماعيل: ملا أحمد بن رمل وملا أحمد زين أبو الشيخ حسن والحاج علي بن الحاج محمد السمـدي وملا منصور العكري والد محمد علي العكري وحاليا فضيلة الشيخ منصور بن الشيخ محمد بن سلمان الستري الذي استمر في الخطابة منذ اثنتين وأربعين عاما، والقراءة تكون خلال الصباح والليل ويقدم المأتم الشاي والقهوة والمرطبات وتوزع على بيوت الديرة وجبات من الأرز واللحم أو الروبيان المجفف، وخلال المياقيت تكون القراءة ليلاً وموكب العزاء موحد باسم الـديرة، ينطلق حاليا من مأتم الجمعية وكان في السابق كل عام أو أكثر ينطلق من احدى مآتم القرية.

شارك برأيك: