أحدث المواضيع

المحاولات الأوليَّة لكتابة تاريخ قرية النويدرات ومجالات دراسته

الأستاذ يوسف مدن
الأستاذ يوسف مدن

إعداد الأستاذ يوسف مدن

تعتبر النويدرات، وهي قرية بحرانية عامرة مجالاً ثقافياً لم يأخذ تاريخها حظه، ونصيبه من الدراسة العلمية، فهي مثل كثير من قرى البحرين بحاجـة لدراسات تفصيلية ومستفيضة تكشف عن جوانب من تاريخها في مجالاته المتعددة، ويطوي عنوان هذا البحث القصير إشاراته إلى محاولات بعض الباحثين، من أهل قرية النويدرات وغيرهم لكتابة جوانب من تاريخ هذه القرية، والمجالات التي يمكن اقتراحها لدراسة هذا التاريخ، وتقدم هذه الورقة تصوراً أوليَّاً، وحصراً اجتهادياً يتناول بعض هذه المحاولات، والمجالات العلمية لدراسة تاريخ قرية النويدرات، وهي كما نعتقد بمثابة حركة رصد فكري للكتابات على مختلف أشكالها عن تاريخ قرية النويدرات في فترة محددة تتجاوز قرناً من الزمان ما بين أعوام (١٩٠٤ – ٢٠١٦م)، وبالتحديد حوالي (١١٠) عام.

أولاً: مجالات دراسة تاريخ النويدرات:

ما نراه أنَّ أغلب تواريخ قرى البحرين وبلداتها لم تأخذ حظها من البحث والدراسة، وما يزال نصيبها من الدراسات في كتابة تاريخها أملاً يراود أحلام الباحثين وآمال أهالي هذه القرى، فكما ذكرنا فتاريخ النويدرات – كما نعتقد – هو حتى اللحظة الحاضرة (مجال خصب وحيوي)، وأنه بالرغم من بعض المحاولات لم يكتب كما ينبغي، وعلى نحو يتناسب وحقيقة الأهمية التاريخية التي تحتلها قرية كالنويْـدِرات، وبذلك فإنَّ ثمة مجالات متعددة وخصبة لدراسة تاريخ هذه القرية.

ولحسن الحظ فقد بدأت حركة الدراسة في بعض هذه المجالات، وإنْ كانت على غير توازن، فاتجاه الدراسة للشخصيات على سبيل المثال بدأ يتغلب على اهتمام الباحثين ودراساتهم لموضوعات المجالات الأخرى كما سنذكرها على موجز، ويمكننا الآن تحديد بعض مجالات الدراسة في تاريخ قرية النويدرات، وذكر موضوعات وقضايا منها، وهي كما يأتي:

١. دراسة تاريخها العام: كما في الدراسة المأمولة التي تحاول لجنة كتابة تاريخ القرية إنجازها، وتناول ظواهر عامة، وجوانب من حياة الأهالي وتاريخ بلدتهم النويدرات.

٢. ومجال آخر هو الدراسة الزمنية المحددة لجوانب وظواهر من تاريخ النويدرات في (فترات ومراحل زمنية)، أي تدرس ظواهر معينة من تاريخ النويدرات وفقاً لتوزيع زمني كدراسة نظام الزواج بين الأهالي، أو واقع المخطوطات في القرية، وحركة نسخ الكتب والرسائل فيها خلال سنوات القرن الرابع عشر.

٣. ومجال دراسة التاريخ الثقافي للقرية (النويدرات): كدراسة المخطوطات وتأثيراتها في القرية، وكذلك ما يتعلق بالنشاط الثقافي مثل واقع الكتاتيب وتاريخها، والنظام التعليمي المرتبط بها، والمؤسسات الثقافية القائمة في المجتمع النويدري، وكذلك الإصدارات الثقـافية كحركة التأليف والتصنيف، وإعداد الكتب والكتيبات، وكتابة الوثائق الخطية آنذاك واستخداماتها اليوم في الدراسات المعاصرة، وأيضاً نسخ الكتب والرسائل وقصائد الشعر، ووثائق المعاملات اليومية، والخطابة الحسينية، ومظاهر متعددة من الحياة الثقافية بأبعادها الدينية والروحية والاجتماعية، وغير ذلك.

٤. دراسة الظواهر الاجتماعية العامة في قرية النويدرات: مثل نظام الزواج وعاداته، والعادات الاجتماعية في الولادة والختان، والفطام، وتقاليد المهن والحرف والصناعات اليدوية الشعبية، ومظاعن أهالي النويدرات، والأعْيَـاد الدينية والشعبية، والحياة العائلية في قرية النويدرات، والعلاقات الاجتماعية، وملابس الناس وزيهم الشعبي، والعلاقات الثقافية بين أهالي النويدرات وعلماء بربورة، وغير ذلك من الظواهر السائدة في المجتمع النويدري القائم حينذاك قبل حاضِـرنا.

٥. مجال دراسة الشخصيات وسيرتهم الذاتية: ونلحظ في هذا المجال بوادر اتجاه جديد لدراسة الشخصيات من أهالي النويدرات، وسيَرَتهم الذاتية، وبخاصة السيرة الذاتية لأشخاص قد توفاهم الله سبحانه وتعالى، وتمايزوا بمواقف وأنشطة، وأعمال، وأبرزوا بقدراتهم الذاتية إنجازات، وأنشطة مهمة، وأدوار وطنية وثقافية وغير ذلك، وقد نشط هذا الاتجاه بين بعض الباحثين من أهالي القرية، ونشرت حتَّـى الآن بعض دراساتهم، وما تزال دراسات أخرى عن عدد آخر من الشخصيات غير منشورة، وتنتظر حظها من الطباعة.

ويمكن تقسيمها كما يأتي:
أ. الدراسات المطبوعة، ومنها دراسة الدكتور عبد علي محمد حسن عن سماحة وفضيلة الشيخ منصور الستري وعطائه الفكري ودوره الاجتماعي، ودراسة ثانية عن سيرة الدكتور مكي محمد سرحان، ودراسة ثانية عن السيرة الذاتية لأخيه منصور سرحان، ودراسة عن شعراء النويدرات وخطاطيها وعددهم (٢١) شاعراً وخطاطاً، وتاريخها (٢٠١٦م) للأستاذ أحمد بن عبد الله سرحان، ودراسة عن سيرة المرحومة السيدة والملاية الفاضلة الحاجة زينب بنت الحاج عبد الحسين آل سعيد (ت ٢٠١٤م)، وكتيب عن السيرة الشخصية للمرحوم الحاج عبد الله بن عيسى بن محمد البربوري، من إعداد ابنه الأكبر (محمد أبو قاسم)، غير مؤرخة، والأقرب أنها بتاريخ (٢٠١٢م).

ب. ودراسات غير منشورة، وأغلبها دراسات للأستاذ يوسف مدن وآخرين، فقد أعد فصلاً عن خطاطي وناسخي الكتب والرسائل في النويدرات، ويقدر عددهم حوالي (١٣) ناسخاً من أهالي النويدرات، وكذلك دراسته المهمة (ابن معراج والمهمة الصعبة) المنشورة إلكترونية، وما كتبه مؤخراً عن السيرة الذاتية للمرحوم الحاج علي بن محمد بن علي بن محمد بن كاظم النويدري البحراني رحمة الله عليه، وكتبه تقديراً لأعمال هذا الرجل ودوره الاجتماعي والروحي.

ثانياً: المحاولات أولية لكتابة تاريخ النويدرات:

ثمة كتابات قصيرة عن قرية النويدرات أسوة بالإشارات المجملة عن قرى البحرين وبلداتها، وهي في اعتقادنا أشبه بإشارات عابرة اقتضتها بعض الدراسات التاريخية كما في بعض المصادر التاريخية كـ ” دليل الخليج للمؤرخ والجغرافي البريطاني لوريمر، وعقد اللآل للشيخ التاجر، وحاضر البحرين لمصنفه العلامة الشيخ إبراهيم المبارك التوبلاني البحراني، والنويدري في دراسته عن مناطق البحرين، وهو بمثابة معجم جغرافي – تاريخي، ثم لاحظنا الآن، ولا سيِّما في (فترة العقدين المنصرمين من منتصف التسعينات حتى الآن) بوادر نمو حركة ثقافة تاريخية واعدة، وهو اتجاه جديد جزئي، وتتابعي مستمر للكتابة التاريخية في تاريخ قرية النويدرات من أهلها وغيرهم، والبحث في جوانب متفرقة من هذا التاريخ، وتاريخ (القرى الخمس) المجاورة لها وغيرها، وهي كتابات كما لحظناها مهمَّة، وإنْ كانت في نظرنا غير متوازنة في حجم صفحاتها، ولا في نوع الموضوعات والإثارات العلمية التي عالجتها.

ومع هذه البوادر المأمولة فمِنَ المؤكد حتى لحظة كتابة هذا البحث لم نجد دراسة متكاملة مكتوبة، وبدرجة أكثر تفصيلاً وتوسعاً سوى ما أصدرته مدرسة النويدرات الابتدائية للبنات في دراستها التاريخية عن قريتي (النويدرات والمعامير) عام ٩٥ – ١٩٩٦م، أي عام (١٤٢٥هـ)، ومن المؤسف وسوء الحظ أن هذه الدراسة اليتيمة بعيدة عن أسماعهم، وتناولهم، ومجهولة لدى كثير من الناس، وهي مطمورة عن النشر والتوزيع والتداول الثقافي باستثناء قلة من الباحثين يعلمون بها، ويستخدمون مادتها الثقافية، وينتفعون من موضوعاتها الثقافية والتاريخية، وإلى جانب هذه الدراسة هناك بعض التصديقات والكتيبات التي تذكر عوائل النويدرات.

وباستثناء إشارات متفرقة – هنا وهناك – في عدد من المصادر الأجنبية المترجمة وغيرها، وفي مصادر بحرانية فإن تاريخ قرية النويدرات، وتاريخ القرى الخمس المجاورة لها لم يكتب بعد، وهي (أي هذه القرى بأسمائها) لم تذكر إلاَّ بإشارات مجملة، غير مفصلة، وليست موسعة، فكثير من قضايا تاريخها وموضوعاته متروكة، وغائبة عن التدوين والتداول والتوثيق والنشر.

فأحوال الزواج وعاداته وتقاليده، وعلاقات القرابة، والأسر والعوائل، والختان والولادة، وعادات الفطام، والملابس وخياطتها، والواقع التاريخي للحرف والمهن السائدة، والصناعات الشعبية التقليدية كالمديد والسلال، وكل ما اتصل بالنخلة ومشتقاتها من فتْـل الحبال وتمييله، وسعف وخوص النخيل، وصناعة السلال والحصر وجمع الحطب، ومظاعن أهالي النويدرات، وظروف التعليم الديني، وكتاتيبه المألوفة الملحقة به، وكذلك لم تدرس الأمثال الشعبية، والألعاب الشعبية، والأغاني التي تستخدم في لعب الأطفال وأناشيد ملاطفتهم، والتطبيب الشعبي وغير ذلك من ظواهر الحياة الاجتماعية والثقافية في قرية النويدرات بالأمس وحاضراً لم تنل نصيبها من الدراسة التاريخية.

وبالتأكيد لا نعني من ذلك أنَّه لا يوجد على الإطْـلاق محاولات متفاوتة في دراسة تاريخ لقرية النويدرات، فهناك في المجال الثقافي وثائق خطية مكتوبة، وبعض المخطوطات التي نسخها الأهالي بخاصة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وكذلك وجود أوراق مبعثرة يعود تاريخ أغلبها لسنوات متفرقة من القرن الرابع عشر الهجري وما بعده، فهناك على سبيل المثال دراسة تاريخية اجتماعية يتيمة عن واقع الزواج وتقاليده في قرية النويدرات، وكاتبة الدراسة هي الكاتبة الفاضلة (سوسن إسماعيل عبد الله إسماعيل)، وقد نشرتها في مجلة ثقافية بحرانية (انظر مجلة الثقافة الشعبية، العدد).

وبالرغْـم من وجود بعض المحاولات القليلة فما تزال مخطوطات القرية ورسائل أهاليها لم تأخذ حظها من الدراسة المأمولة، فأغلب الباحثين من أهالي القرية لم يهتموا بهذا التراث، ويتجهوا حتى اللحظة الحاضرة إلى دراستها باستثناء بعض الكتابات القليلة غير المنشورة.

ومن ذلك ما يأتي:
١. الدراسة التاريخية المُهِمَّة لـ “مدرسة النويدرات الابتدائية للبنات”، التي أصدرتها في عامهـا الدراسي (٩٥ – ١٩٩٦م) بعنوان (حنين الحاضر إلى عبق الماضي).

٢. دراسات يوسف مدن عن الكتاتيب، وملامح الظاهرة الثقافية في المجتمع النويدري، ودراسته التفصيلية الموسعة كذلك عن (ظاهرة وحركة نسخ المخطوطات في النويدرات)، وبعض مقالاته المنشورة في مواقع إلكترونية وبخاصة بوَّابة النويدرات.

٣. وما جمعه أحد الباحثين من أبناء النويدرات باسم (خادم تراب المؤمنين) عن جوانب من تاريخ قريته النويدرات في مقالات وكتاب جامع لم ينشره بعد.

٤. ما كتبته كذلك لجنة (دراسة وكتابة تاريخ النويدرات في كتابها) في كتاب مستقل.

٥.  ودراسة الأستاذة سوسن إسماعيل عبد الله إسماعيل عن تقاليد ظاهرة الزواج في النويدرات وعاداته الروحية والاجتماعية.

٦. وكتيبات متفرقة عن عوائل النويدرات بجهود بعض أهاليها.

٧. ودراسة الخطاط الأستاذ أحمد بن عبد الله سرحان عن (الشعراء والخطاطين في النويدرات).

٨. وجميع هذه الدراسات غير منشورة باستثناء بحث ودراسة الأستاذ أحمد بن عبد الله سرحَـان، فهي مطبوعة وصادرة في عام (٢٠١٦م – ١٤٣٨هـ).

شارك برأيك: