وقفت على الأطلال استجوب القبر
فأدهشني أني رأيت به حِبْرَا
فقلت معاذ الله أن يك خالدًا
مع الدهر تمثال قديم يرى الدهر
فاعقل رجلي حافز الخوف ساعة
فهشّ أنيس القبر من فزعي سُخْرا
وقال ألا اقدم يابنّي فإنّني
أريدك أن تستوجب الفخر والشكر
أريدك أن تبقى وتبقى مآثري
لتقرأها الأجيال ناصعة بِكرا
فأقدمتُ بأسم الله استعجل الخُطا
لأستطلع الأيام هل غلبت حُرّا
مُخاط لِي الذكرى خيالاً مُجسَّداً
واطلعني من رسمه التل والبحر
وقال بُني أنظر فهذي مآثري
عليها سوا في الريح قد صنعت ِسترا
ودونك نَقَّب إنّ في ليلّ جثَّة
أنت أن تدوس العار في حينها قهرا
وقد سجّل التاريخ عنها مواقفا
حميدة أخبار مُجلَّلة قدرا
وكانت على ظهر القوارب شعلة
يخاف بنو الأعداء من لمسها ذُعرا
تروح وتغدو في الخليج بصيدها
فلا أحد ينوي بجانبها شدّا
وما حنثوا عهداً ولا ذلّ جارهم
ولكن إذا سِيمُو فنارهمو أضرى
لهم في بلوغ المجد لذَّة شارب
وعند حياض الموت شانئهم أزرى
عماليق لا تطمع بهم سِنَةُ الكرى
لا يرتجي من نيلهم قزم ظفرا
أذلَّاء عند الحِبّ صعر خدودهم
ولكن على الأعداء سيوفهمو تضرى
ولماّ تجلّى النور في غسق الدجى
وأظهر وجه اللّات في غشَّها جهرا
ولاحت على الدنيا بوارق شرعة
لها الله حام من بغاثٍ رمتْ غدرا
تجلّى بنور الصبح صوت محمد
ليعلن للدنيا العدالة والفخر
ويُسقط عُزّى الشركِ من فوقه كعبة
تعالت عليها أزمنًا وطغتِ كبرا
ويغسل بالطهر الإلهي مسجدًا
تجمّع فيه البغي للبيع والمشرى
بِبكه نادى أحمد الطهر مُعلنًا
إلى الله توحيداً وللهبل الدَحرَ
ألا ياعبادَ الله قُودوا زِمامها
نفوساً نأت عن ربّها وامتطت شرّا
ألا إنّ نار الله في الحشر سُجِّرت
لتحرق كفّاراً أباحواالغوى جهرا
ألا إن للجنّات ريحاً ورآحة
ثوابًا لمن زكّى وأجرًا لمن بَرَّ
أتوه بأرسان القيادة خُضّعا
أسود بظهر الخيل تقتلع الصخر
وقاموا يُثيرون العجاج ليظهروا
لأحمد أنّ العُرب لا تخرم الثأر
وجالت على اصطخر خيل تميمهم
لِتُعلن أنّ الظلم لا يرتجي نصرا
وكانت سيول الدمّ تحفر دربها
لتغرس في التاريخ ثورتَها الكبرى
وظلّت صروف الدهر تلعب دورها
لتنزل بالعربان ضربتها الأخرى
ولكن أنف العزّ لازال صامدًا
ليصفع وجه الظلم إن عاد فاستغرى
أولئك آبائي فمن لي بمثلهم
إذا حدّث التاريخ واستعرض الذكرى