هجران الكتاب بقلم هادي محمد علي

غير معروفارتبطت الدعوة الإلهيّة التي بعث النبيّ محمد (ص) بها لنشر دين الإسلام في هذه الأمّة، والتي أراد الله لها أن تكون شاهدةً على جميع الأمم عندما ميّزها بخاتمة الرسالات، بالعلم والمعرفة والثقافة، إذ كان من أبرز أهدافها إخراج الناس من الجهل الذي تربّع وعشعش في عقولهم وتجذّر في نفوسهم، إلى النور والمعرفة والعلم المنبثق من الثقافة التوحيديّة. وهو ما بيّنه قوله تعالى:
«هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» [الجمعة/ 2]

إضافةً إلى الروايات والأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبيّ وأهل بيته «عليهم السلام»، التي تولي العلم أهميّة قصوى، بل حتى وجوب طلبه.

رغم أنّ الإسلام، منذ انبعاثه، كان رديف الفكر والعلم والمعرفة والثقافة – بدلالة المفاهيم القرآنيّة والنبويّة المستفيضة في هذا الشأن – فإنّنا نلحظ، وللأسف ظاهرةً سيئةً وخطيرة، بل هي مرضٌ عضال قد ألمّ بأجيال الأمّة، ألا وهي ظاهرة “هجران الكتاب”، الذي يشكّل المصدر الأوّل والأساس لاستقاء العلم والمعرفة وبناء الفكر والثقافة.

ومن المؤسف والمؤلم في آن أن نرى الشباب لا يعيرون أيّ اهتمام للكتاب والمطالعة، إذ صار شغلهم الشاغل البحث عن آخر نتاجات دور السينما في بلدان الغرب، وقضاء الأوقات الثمينة في برامج التواصل الاجتماعيّ الحديثة التي – في غالبها – لا تقدّم فائدة تُذكر، ولا قيمةً تستحق في مقابلها صرف الأوقات، بل من المسلّم أنّ ضررها يناهز منفعتها إن لم يطغَ عليها.

في معرض حديثنا حول الكتاب والمطالعة، نورد مقتطفًا من كلامٍ للإمام السيّد علي الخامنئيّ “دام ظله” الذي طالما ركّز في كتبه وخطاباته – منذ سبعينيّات القرن الماضي وإلى اليوم – على هذه المسألة.

يقول الإمام الخامنئيّ:
“الإسلام حامل لواء المطالعة كلّما تذكّرت الكتاب ووضعه في مجتمعنا، يعتمر قلبي بالأسى والأسف. وسببُ ذلك أنّه ينبغي في بلدنا – من أيّ زاوية نظرتم – أن ينتشر الكتاب ويتطوّر ويحضر بمعدّل عشرة أضعاف أكثر ممّا هو كائن (…)، حيث أنّ الإسلام يولي أهميّة كبرى للكتاب والقراءة والكتابة. إنّ كلّ منصفٍ إذا ما تأمّل في أحاديث نبيّ الإسلام الكريم (ص) والأئمة (ع) والمسلمين الأوائل، وفكّر في أيّ زمان دعا هؤلاء إلى الكتاب والقراءة، سوف تنجلي عن ذهنه كلّ الخرافات وسوف يعلم أنّ أعداء الإسلام لم يكن لديهم سوى هذا الطريق وهو إشاعة الأساطير بشأن حرق الكتب والمكتبات على الألسن، لأنّ الإسلام حامل لواء المطالعة (…). إنّ الكتاب هو نافذةٌ على العالم الواسع للعلم والمعرفة والكتاب الجيّد هو أحد أفضل وسائل الكمال البشري، فالشخص الّذي ليس لديه ارتباط بهذا العالم الجميل والمحيي – عالم الكتاب – هو بلا شكّ محرومٌ من أهمّ النتاجات الإنسانية وأيضًا من أكثر المعارف الإلهيّة والبشريّة. إنّها لخسارة عظيمة للأمّة التّي لا شأن لأبنائها بالكتاب، وإنّه لتوفيقٌ عظيمٌ للإنسان أن يأنس مع الكتاب وأن يكون في حالة استفادة دائمة منه فيتعلّم أشياء جديدة”.

إذن، حريٌّ بشبابنا -الذين هم عُمدة المستقبل- أن يكوّنوا مع الكتاب علاقة حميميّةً لا تنفكّ، وأن يُخصّصوا جزءًا ثابتًا من وقتهم اليوميّ للمطالعة في الكتب المتنوّعة، للنهل من بحور المعرفة،  فلا يسمحوا لأنفسهم أن يمرّ عليهم يومٌ دون أن يُغذّوا عقولهم بزاد الفكر والمعرفة، كما يُغذّوا أجسامهم بالأكل والشراب، لأنّ القراءة تُنمّي العقل وتُفتِّح الآفاق وتبني ثقافة الفرد، وبالتالي ترفع من مستوى وعي الأمة وإدراكها وتنتشلها من قاع الجهل والتخلّف، إلى قمّة الحضارة الإنسانيّة كما أراد لنا الإسلام أن نكون، خصوصًا إذا ما عرفنا أنّ القوى والتيّارات المعادية للإسلام كانت لها اليد الطولى في تجهيل الأمّة ومنعها من اكتساب المعرفة.

تعليق واحد

  1. أحسنت عافاك الله

شارك برأيك: