قراءة في كتاب من مكة إلى لاس فيغاس، أطروحات نقدية في العمارة والقداسة بقلم مصطفى حسن عبد الله

مصطفى حسن عبد الله
مصطفى حسن عبد الله

مكة المكرمة في مشهدها العمراني .. بين ما كانت وما هي الآن وما يجب أن تكون، يقف الكاتب المصري الجسور علي عبد الرؤوف وقفة استنكار وشجب لكل هذه المباني العملاقة المحيطة بالمسجد الحرام.

ألفتني الكتاب إلى أمر هام وهو أن الكعبة المشرفة هي بالأصل تكوين معماري، فلهذا يجب أن نولي اهتمامًا كبيرًا بالشأن العمراني لمكة المكرمة وبالذات حول الكعبة.

الكعبة وتظهر خلفها أبراج البيت بارتفاع شاهق
الكعبة وتظهر خلفها أبراج البيت بارتفاع شاهق

 

الكعبة وتظهر خلفها أبراج البيت بارتفاع شاهق
الكعبة وتظهر خلفها أبراج البيت بارتفاع شاهق

ألفتنا الكاتب إلى أبراج البيت وهي الأبراج الشاهقة الملتصقة بالكعبة ويتوسطها برج الساعة العملاق وهو خامس أطول مبنى في العالم بطول ٦٠٠ متر، هذا المبنى يشاهد من الحرم كنصب عملاق، عندما نقارنه بالكعبة نجدها صغيرة جدًا بارتفاع ١٤ متر، فعلاً عندما نرى مشهد الكعبة بالطائفين فقط نراها شيئا مهيبا يحيط بالجميع ويعلو عليهم، إن بساطة المشهد وطرازه القديم له اثره فعلا، حاول أن تقارن بين صورة للكعبة وحدها وصورة للكعبة وتلك المباني تطلع من كل ناحية لتحاصرها.

تلك هي نظرة الكاتب علي عبد الرؤوف الذي لا يكتفي بذلك فحسب، بل يخرج بنا إلى خارج المسجد الحرام ليفتح موضوع حساس جدًا حيث الآثار المكية من بيت السيدة خديجة ومكان مولد الرسول إلى الأحياء الأثرية والشوارع والبيوت والقلاع وغيرها التي تم محو أثرها وبناء بنية تحتية جديدة وأحياء عصرية تقوم عليها فنادق عالمية مثل فيرمونت وانتركونتننتال، وهنا يظهر التساؤل إذا كانت كثيرٌ من الفتاوى تحرم على غير المسلم دخول مكة فهل من المعقول أن تستملك شركات الفنادق الغربية هذه الحصص من الأراضي والعقارات حول الحرم، الكاتب لم يستخدم لغة دبلوماسية في موضوع حرج كهذا الموضوع، فقد وضع ما يعتبرها أخطاء على الطاولة، وقد يعتبر البعض أن الكتاب يحتوي على إساءة للمملكة لأننا لم نعتد على النقد، استحضر الكاتب مدينة لاس فيغاس وقدم بحثا معماريًا نقديًا على طريقة روبرت فنتوري وعلى طريقة النقد المعماري والفني النظري الذي يسرح في التأويل والتأمل وكل هذا جيد جدًا، ولكنه أشبه بحديث ترفي على شعوبنا العربية.

الكعبة سابقا وتظهر خلفها قلعة أجياد التي هدمت و بني مكانها ابراج البيت
الكعبة سابقا وتظهر خلفها قلعة أجياد التي هدمت و بني مكانها ابراج البيت

كان الكاتب يحلم بمدينة مكة أن تكون كالماضي ولكن بقدرةٍ استيعابيةٍ على متطلبات الحاضر، يريد أن تكون الجبال والأحياء والبيوت القديمة كما هي وفي نفس الوقت أن يكون هناك متسع لمساكن مليونية تساوي بين الفقير والغني.

كان ينقص الكتاب فصلان مهمان الأول يتحدث فيها عن البديل الإقتصادي، فكيف يمكن أن نوفر مساكن قريبة ومريحة لملايين الحجاج والمعتمرين إن لم يتم إزالة هذه الأزقة القديمة وعمل بنية تحتية جديدة كليا؟!

إن أسعار هذه الغرف الفندقية يعتمد على العرض والطلب، فلو قل العرض فإن الطلب لا يزال موجودًا وسوف ترتفع الأسعار لا محالة، لذلك تبدو الفنادق ذات الطوابق العالية مبررة بشرط ابتعادها قليلاً عن الحرم وعدم ارتفاعها إلى علو برج الساعة الشاهق، وقد تبدو المساواة بين الفقير والغني فكرة أساسية في الحج والعمرة وطبيعة المسجد الحرام، ولكن كلنا نعرف إننا ما إن نخرج من الحرم فنحن لسنا متساوين، وليت شعري من الملام في ذلك يا ترى، المهم أنه نظام قائم وبالتالي فسترتفع البنايات الفارهة وبعيدًا هناك سترتفع البنايات الرخيصة لمحدودي الدخل.

الكعبة سابقا مع محيطها من البنايات التي تمثل التراث المكي
الكعبة سابقا مع محيطها من البنايات التي تمثل التراث المكي

والفصل الثاني الذي كان على الكاتب أن يكتبه هو كيف ننقذ ما يمكن إنقاذه وما هو تصوره المستقبلي لمكة المكرمة، في نظري أن الآثار المهمة يمكن بناءها مجددًا وفي مكانها، وهناك الكثير مما لا يمكن بناءه، يفترض علينا جميعا إحياءه ثقافيًا والتنويه به في المتاحف والشوارع وكل مكان، بل وحتى بناؤه في أماكن شتى وعلى أحجام مختلفة، فقلعة أجياد يمكن أن يُحتفل بها كذكرى وممكن أن تبنى مجددًا بعيدًا عن مكانها الاصلي، ويمكن جمع المؤرخين المكيين وعمل أبحاث حول بيوت مكة القديمة، وعمل مصغرات سياحية لها بعيدًا عن منطقة الحرم، نطمح أن يتم إنشاء مدينة تراثية لمكة القديمة وكذلك للمدينة المنورة.

في نظري أن لا يأس ولا قنوط، وإن كل شيء يمكن أن يتم إصلاحه، فقط نحتاج إلى أن نستمع إلى النصح وأن نملك شجاعة الإعتذار إذا أخطئنا وأن نصحح ما يمكن تصحيحه.

بحث قيم يحتوي على معلومات مفيدة جدا، أنصح بقراءته.

شارك برأيك: