أحدث المواضيع

الحركة الحضارية للمرأة بين عصري الغيبة والظهور بقلم الأستاذ يوسف مدن

الأستاذ يوسف مدن
الأستاذ يوسف مدن

مدخل لدراسة دور المرأة في مجتمع الظهور

حينما كنت أبحث في بعض المصادر الإسلامية التي يفترض أن تضم بين دفتيها عدداً من النصوص والروايات والأحاديث الإسلامية المتعلقة بالوقائع والحوادث التي تنبؤنا بوقوعها في المستقبل الإنساني لفت انتباهي رصد بعض هذه النصوص لجوانب متعددة من الحركة الحضارية الكبيرة للمرأة المسلمة وما تقوم به من مواقف جهادية متوقعة، وما تؤديه من أدوار متنوعة هامة ومؤثرة وفعَّالة في حركة المجتمع البشري خاصة في أواخر عصر الغيبة وبدء عصر الظهور، وما يحدث لها من تغيرات اجتماعية وثقافية وحقوقية وسيكولوجيَّة في هذه الفترة.

وبالرغم من قلة النصوص الإسلامية التي عثرنا عليها في هذا الموضوع حتى لحظة كتابة هذا البحث، فقد طوت في محتواها الداخلي موضوعاً مثيراً وحيوياً اختزن جاذبية مؤثرة في ذهن القارئ وتفكيره.

ولهذا استولى على اهتمامي بسبب قوته الجاذبة، وقررت رغم صعوبات البحث المتوقعة أن أكتب فيه عسى أنْ نتمكن من صياغة مدخل أو مقدمة أوليَّة تكون نواة لهذا الموضوع، لأنَّ من المتوقع – بعد نشره – أنْ يتمكَّن باحثون آخرون مهتمون به من توسعته وإنضاجه بقدر أفضل وعلى نحو يتناسب وأهميته وخطورته وجاذبيته في النفوس وقيمته في التغيير الاجتماعي، وقد يُرد عليه وينسفه بحث آخر، فالمعرفة تراكمية يضيف فيها العقل الإنساني اللاحق من العلم على السابق.

وحاولت بحثه في حدود ما توفر لي من نصوص روائية إسلامية منقولة، وتمكنت في بادئ الأمر من صياغة مدخل محدود جداً لا يتجاوز صفحات خمس تمثل في نظرنا النواة الأولى للموضوع، بيد أنَّنا واجهنا في تكوين هذا المدخل صعوبات ناجمة أحياناً من قلة النصوص الإسلامية وندرتها، ومن ضعفها أو تناقضها أحياناً أخرى، وقد تأتي بعض الصعوبات من عدم سلامة مضمونها الفكري.

وترتب عن هذا كله نقص واضح في المعلومات التي أردنا الوصول لها، وهو نقص لا يسمح للكاتب أنْ يرسم نظرة متكاملة عن موضوع بحثه.

كما قد يكون الباحث وعجز قدرته على التفسير وبناء نسق معرفي منظم وموحد من هذه الروايات أحد أسباب صعوبة تكوين رؤية معرفية منسقة ومتكاملة عن الموضوع الذي نبحثه، حيث لم نتغلب بعد على قلة النصوص، ولم نستطع التأكد من سلامة ما تضمنه من معلومات وآراء، فهذه المهمة العلمية تحتاج لجهود علماء ” الجرح والتعديل “.

فاخترنا من هذه النصوص والروايات ما نشعر بسلامة محتواها المعرفي وصحة أفكارها، وتناسقها معاً في تكوين رؤية معرفية عن أدوار المرأة المؤمنة في عصري الغيبة والظهور.

ومع ذلك أسرعت – في حدود الاستطاعة – لنسج حديث ما يزال في نظرنا موضوعاً مهمَّا يتناول بعض الأدوار الحضارية التي تقوم بها المرأة التي أنبأتنا بها بعض النصوص الإسلامية في هذا المجال سواء في عصر الغيبة أو عصر الظهور المبارك.

وحاولنا بتوازن عرض ما تجمّع إليْنَا من هذه النصوص المتعلقة بالمرأة في انحرافاتها ومجالات تفوقها عسى أن نتمكن من تكوين وجهة نظر معرفية متماسكة إلى حد ما، وجمع بعض المعلومات الأولية التي تمهّد الطريق لبحث الموضوع لاحقاً على نحو موسع فيما بعد إذا ما تمكننا من جمع عدد أكبر من النصوص الإسلامية التي لها علاقة بمستقبل المرأة وأدوارها.

وبالرغم من أهمية الدور الحضاري للمرأة وتقدير المشرع الإسلامي لإمكانياتها في نهضة الأمة وفي برامج التغيير الشامل للإنسانية، إلاَّ أنَّ الباحثين المسلمين المؤمنين بانتظار المهدي عليه السلام لم يطرقوا هذا الموضوع في بحوث مستقلة، ولم يبحثوا بشكل تفصيلي وموسع ما ورد في شأن المرأة بوجه عام والمسلمة خاصة من روايات، ولم يبذلوا جهداً مناسباً لتحليل هذه الروايات والنصوص وتنظيم مضمونها الفكري في نسق معرفي موضوعي مترابط.

بيد أنهم أشاروا بإيجاز إلى هذه الروايات والمرور بها سريعاً، وتركوا تحليل مضمونها لأنهم كانوا مشغولين بقضايا أوسع وأكثر أهميَّة.

وكان هذا الإغفال غير المتعمد بالتأكيد أحد أهم صعوبات البحث أيضاً، وأحد أسباب وعوامل ودوافع بحث هذا الموضوع ومناقشته في ضوء معلومات أولية قليلة تجعل المحاولة الأولى صعبة، لكن هذه المحاولة هي بكل ثقة بداية مطلوبة لصياغة وجهة إسلامية وأخلاقيَّة جادة لتوضيح الأدوار والمسئوليات والمهام الحضارية التي تقوم بها المرأة في عصري الغيبة والظهور، وللتعرف على ما تتركه حركة الإمام المهدي وثورته الكبرى في مجتمع الظهور من نتائج إيجابية على الأوضاع الإنسانيَّة للمرأة.

تقول الرواية:

– “وتؤتون الحكمة في زمانه – أي في عصر الإمام المهدي – حتى أنّ المرأة تقضي في بيتها بكتاب الله وسنّة نبيّه[١]”.

وتذهب رواية أخرى إلى القول بأنَّ مجتمع الظهور يهيئ للمرأة فرص حقيقية لتعديل الاتجاهات العقلية والنفسية للناس من خلال تفوق المرأة في عمل لم تعتده، تقول الرواية التالية:

– “تحكم المرأة في بيتها على أساس كتاب الله وسنّة رسول الله[٢]”.

كما أنّ مسوّغات البحث وضروراته الحيادية تقتضي الإشارة إلى بعض الإصلاحات والأدوار الاجتماعية التقدمية التي تقوم بها المرأة في فترتي التمهيد والتوطئة، وعصر الظهور، حيث تبذل المرأة جهداً ونشاطاً إبداعياً ومنتجاً يمكِّنها من إبراز وجودها وإثبات ذاتها حتى لو كانت في مجالات وأنشطة غير دينية محضة، لكنَّها لا تخالف أحكام الدين، بل تعززها وتحقق للأمة قدراً مقبولاً من التقدم الاجتماعي الذي يرضاه الله تعالى.

وكما توحي النصوص الإسلامية المتعلقة بحوادث المستقبل فإنَّ نشاطها الذي ينال ثقة الدولة والمجتمع يثبت قدرة وفعالية الحركة الحضارية الجديدة في عصر الظهور، ويبرز مدى استعداد المجتمع لاستثمار طاقات المرأة وإمكاناتها في عمليات الإعداد والبناء وإعادة الإعمار، والتنمية في مختلف جوانبها، والمساهمة الجادة في الصياغة الجديدة للمجتمع الإنساني العالمي.

كما أنّ الإمكانيَّات والقدرات المتعددة للمرأة المؤمنة الجديدة هي بكل تأكيد إحدى مدخلات النهضة الإنسانية الكبرى التي يقودها الإمام المهدي عليه السلام في فترة ظهوره المبارك، وهي إحدى دعائم حركته التغييرية الشاملة سواء في مساهمتها بالإطاحة بأنظمة الظلم الفاسدة بوسائل سلمية كتربية كوادر المنتظرين، أو رفع الروح المعنوية للمجاهدين، أو دفع الشبهات عن حركته التي يثيرها المستكبرون وأعوانهم من خلال وسائل الإعلام والاتصَّال، و مشاركتها من جهة أخرى في عمليات البناء والإعمار الجديد للمجتمع الإنساني بعد تحقيق النصر التاريخي للمستضعفين.

ومن الصعب على الباحث والقارئ معاً تجاوز هذا الدور الحضاري الفاعل للمرأة المنتظرة المؤمنة في فترتي التوطئة والظهور، لذلك حاولنا جمع بعض النصوص الإسلامية المبعثرة – هنا وهناك – في مصادر إسلامية مختلفة، وصياغتها في سياق فكري متصل لنؤسس منها ما أمكننا ذلك وجهة نظر موحدة قد تكون قابلة للجدل بين مقتنع بجدوى هذه الأدوار وفعاليتها الإيجابيَّة وبين مناهض لها.

وكما قلنا فإنّ الحديث عن أدوار “المرأة” في مجتمع الظهور هو جزء من حركة الإمام المهدي بأسرها، ومرتبط بديناميتها، وبما سيقع في المستقبل من وقائع وحوادث، فالمستقبل – بالنسبة لنا ولمن يأتي بعدنا – هو البعد الإنساني النبيل لهذه الحركة التاريخية الحضارية التقدميَّة الكبرى.

ولا يمكن في ضوء هذه المسلّمة الإيمانية والتاريخية التي لا مناص منها عزل مستقبل المرأة المؤمنة المنتظرة خاصة ما تقوم فيه من أدوار حضارية فاعلة متألقة، ومنطلقة عن هذا البعد الإنساني النبيل، لأنَّ فعل المرأة سلبياً كان أو إيجابياً هو في النهاية أحد مظاهر السنَّة التاريخية وتطبيقاتها الصادقة.

فالمرأة المؤمنة في عصر الإمام المهدي عليه السلام – كأي فرد في مجتمعها آنذاك – أشبه بكائن متمرد على كل شيء مضاد للحق والعدالة، وهي بتمردها الإيجابي تساهم مع شقائقها الرجال في صنع دورة حضارية جديدة للإنسانية، وتسخر قدراتها لتؤسس من جديد المجتمع الفاضل، وبذلك تضع بصمتها الواضحة في بناء النسيج العام لمجتمعها في عصر الظهور.

وأخيراً لا يسعى هذا البحث إلى عقد مقارنة مفصَّلة بين أدوار المرأة في عصرين، وإنَّما يستهدف التأكيد على وجود هذه الأدوار أولاً، ثمَّ التفتيش عن عناصر وخيوط مشتركة تربط بين هذه الأدوار واستكمال حلقاتها المنتظمة، وصياغتها في نسق معرفي، فتاريخ المرأة – كتاريخ الرجل – هو في حقيقته عملية نمو تدريجي متراكم لأفعالها التاريخية، أو هو سلسلة متتابعة من الأدوار سلبية كانت أو إيجابية.

وقد تقتضي طبيعة البحث أحياناً صياغة مقابلة يتم فيها بعض المقارنة العابرة، غير المركزة بين حال المرأة وأوضاعها في عصر ما قبل الظهور وما بعده، وذلك لتوضيح فكرة معينة تطلبها البحث أو جاءت في سياق السرد العام لمحتواه الفكري.

مفاهيم أوليَّة:

استخدم هذا البحث مصطلحات ومفاهيم بعضها غير مألوف، ولهذا يحتاج بعض القرَّاء قليلي الخبرة بالموضوع التعرف عليها، ولهذا نجد أنفسنا مضطرين لإيضاحها على نحو مختصر كمفهوم الانتظار، وعصر الظهور، والحكمة، والحركة الحضارية بالرغم من وضوحها لدى قرَّاء آخرين.

أ – الانتظار[٣]:

يعيش المؤمنون بعد غيبة الإمام المهدي واحتجابه عن الأنظار فترتي انتظار له كانت إحداهما صغرى استغرقت سبعين عاماً إلاَّ أشهراً خمسة والأخرى كبرى ما تزال الجماعات المؤمنة تنظرها تعيشها كتجربة حيَّة.

وقد طُلِبَ من الفرد المؤمن المُنْتَظِر خلال هذه الفترة ممارسة كل مسئولياته وأنشطته وواجباته العبادية والانضباط الكامل بأحكام الإسلام وتشريعاته حتى في الظروف الصعبة، مع توقع فرج الله [٤] تعالى بظهور الإمام المهدي عليه السلام في المستقبل أملاً بحياة أفضل في الغد بناءً على وعد إلهي، وأملاً بولادة مجتمع جديد تسوده العدالة والأمن، ويخلو من كدر الظالمين وقساوتهم المألوفة على الضعفاء والمستضعفين.

حيث جاء في بعض النصوص القول: “منْ سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق [٥]”.

وفي نص آخر سئل الإمام الباقر عن قوله تعالى: “اصبروا، وصابروا، ورابطوا، فقال: اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوكم ورابطوا إمامكم [٦]”.

وفي رواية مماثلة يقول الإمام الصادق: “إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد بيديه.

ثمَّ قال: هكذا بيده، فأيُّكم يمسك شوك القتاد بيده؟.

ثمَّ قال: إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتِّق الله عبد وليتمسَّك بدينه[٧] “.

فالانتظار إذن ممارسة عقلية وتجربة وجدانية وقيمية وحركية صادقة للإسلام وأنظمته المتكاملة خلال غيبة الإمام المهدي واحتجابه مع إيمان كامل بأحكام الدين وعقيدة ظهوره المبارك متى شاء الله ذلك.

ب – للظهور[٨]:

كما يقول أحد الباحثين معنيان مقترنان معاً بالنسبة إلى المهدي عليه السلام طبقاً للفهم الإمامي، ويصدق أحدهما طبقاً للفهم الآخر، وله معنى ثالث لا يصدق إلاَّ في زمن متأخر نسبياً.

المعنى الأول:
أنْ يراد من الظهور البروز والانكشاف بعد الاحتجاب والاستتار، وهذا ما يحصل فعلاً بالنسبة إلى الإمام عليه السلام عند تعرُّف النَّاس عليه بعد غيبته واستتاره، وهو خاص بالفهم الإمامي الذي يرى حصول الغيبة.

المعنى الثاني: أنْ يراد بالظهور إعلان الثورة في منطق العصر الحاضر أو القيام بالسيف في منطق العصر القديم، وهو صادق بالنسبة إلى المهدي عليه السلام على كلا الفهمين الإمامي وغيره، لوضوح كونه عليه السلام الثائر الأكبر ضد الظلم والطغيان والتخلف على وجه الأرض.

المعنى الثالث: أنْ يراد بالظهور الانتصار والسيطرة، يقال ظهر عليه إذا انتصر ضده وسيطر عليه، وهذا المعنى يصدق عند استتباب الأمر للمهدي عليه السلام على العالم كلِّه.

ج – الحركة الحضارية:

نقصد بهذا المصطلح “مجموعة الأفعال المنظمة للنشاط الاجتماعي والمعرفي الصادر عن عقل المرأة وتفكيرها وحركتها في الحياة خلال فترة غيبة الإمام المهدي عليه السلام”، وهي أيضاً سلسلة متتابعة من المواقف والأدوار الفاعلة المستنيرة بهدي العقل الإنساني النقي، والمسترشدة بقيم الدين وأنظمته، والمنسجمة مع المعايير الصحيحة للنظام الاجتماعي العام والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى تجاوز حالة الجهل والتخلف الاجتماعي وتعديل في مستوى الحياة الاجتماعية، وإنتاج حالة من الرقي والتقدم في حياة الإنسان.

د – الإشباع:

يعرَّف هذا المصطلح السيكولوجي المتداول في أدبيَّات علم النفس الحديث بأنه “إعطاء الفرد أو الكائن الحي بوجه عام كمية مناسبة من المعزز لسد النقص لديه في أي حاجة من حاجاته”.

فإذا أحس الفرد أو أي كائن حي آخر بنقص من حاجته إلى الماء مثلاً أو الطعام أو الجنس أو التملك أو الحب وتقدير الذات أو الاستقلال فإنَّ الفرد لا يحصل على إشباع سوي إلاّ بإعطائه كمية مناسبة ومعقولة من المعزز، أي تزويده بكمية مما يحتاجه أو بقدر مطلوب من الماء أو الطعام أو الحنان يستعيد توازنه الداخلي المفقود، وبالتالي تتحقق له حالة من الاتزان والرضا والارتياح والشعور باللذة [٩].

هـ – الحكمة[١٠]:

لا يكفي تحصيل العلم وتكوين المعرفة لأنَّ ذلك لا يؤدي دائماً إلى حلول موفقة للمشاكل، لهذا يحتاج الإنسان إلى وضع هذه المعارف والعلوم الصحيحة في إطار منطقي وأخلاقي سليم.

فليس كل ما يتعلمه الإنسان هو من المعرفة الصحيحة أولاً، وثانياً ليس كل معرفة سليمة توظف من قبل الناس في إطار منطقي سليم، وفي إطار قيمي وروحي تحتاجه الإنسانية في محنتها وأزمتها.

فقد تستخدم المعرفة العلمية السليمة في مجال لا تحقق أهداف مفيدة ونافعة للنَّاس كأنْ لو وضعت هذه القوة في أيدي فئة متعصبة ومتطرفة أو محبة للتسلط والغلبة والسيطرة الغاشمة كما يحدث في هذا العصر على أيد المستكبرين خاصة بعد فرض نظام “القطب” الواحد على العالم، واتجاه هؤلاء المستكبرين لاستغلال حادث الحادي عشر سنة ٢٠٠١م، وسيطرة هوس العدوان على العرب والمسلمين تحت مسمى “الحرب على الإرهاب”، وتدهور نظام القيم الأخلاقيَّة، وتراجع حقوق الإنسان حتى في العالم المتقدم، واتجاه الدولة العظمى في العالم إلى احتلال شعوب بأسرها تحت دعوى التحرير والسلام ومحاربة الإرهاب.

ويرى بعض المفكرين أنَّ جوانب النفع الإيجابية في دراسات العلم لم تستخدم في خدمة الإنسانية وحضارتها وتحقيق السعادة والرفاهية لها، بل في دمارها وإشاعة الفوضى بما يخترعه الإنسان من وسائل الحرب والدمار، وهذا يعني أنَّ العلم لم يستطع أنْ يشبع الجوانب الروحية في الإنسان، ولم يستطع توجيه طاقته نحو المثل العليا التي ينشدها كهدف سام يحقق له سعادته في الحياة وتطلعه للكمال العقلي.

ومن هنا سعى المشرع الإسلامي في آيات قرآنية متعددة كسورة (لقمان – ١٢) وسورة (البقرة – ٢٦٩) وسورة (يوسف – ٢) وسورة (الجمعة – ٢) إلى عدم استعمال “القوة العلمية” في الدمار والخراب والفوضى، وتطويع كل معرفة وتسخير رشيد لكل إمكانيات الإنسان العلمية لخير الإنسانية وتقدمها.

فالحكمة بوجه عام تتمثل في تحقيق ملاءمة بين المعرفة العلمية السليمة وخير الإنسانية ومنفعتها، والحركة الحضارية المتقدم ذكرها ترجمة صادقة لمفهوم الحكمة التي يشدد المشرع الإسلامي على شيوع تأثيرها في حياة الناس.

لقد أردنا من إعداد هذا البحث وصياغة بنائه المعرفي تحقيق بعض الأهداف التي يمكن أن ترنو لها قلوب المنتظرين،عسى أنْ تزيد هذه الأهداف في القارئ الكريم شعوراً بأهمية الموضوع وتنشئ في داخله قدراً أكبر من العناية به.

ومن هذه الأهداف ما يأتي:

  1. استثمار المخزون المعرفي والروحي والإيماني والتربوي للروايات والنصوص، وذلك بغرض استثارة همّة النساء وعزيمتهنَّ، وإيقاظ إرادة القوّة وتوجيه الحماس والنشاط لديهن توجيهاً مستنيراً.
  2. وفي الوقت نفسه نحاول إحداث تغيير جوهري في النظرة السلبية أو الاتجاه المضاد لدى بعض المؤمنين ومنهم باحثون ودعاة من موقف المرأة، واستبدالها بأفكار صحيحة معززة لأي اتجاه إيجابي منها من خلال عرض الروايات التي تحمل طابعاً معرفياً يبشِّر بمستقبل زاهر للمرأة.
  3. أنْ يدرك البعض من أفراد المجتمع المسلم مستوى وحجم الفاعلية الحضارية المتوقعة للمرأة في تغيير المجتمع الإنساني، ويقدّروا أثر أدوارها الكبيرة، ويجعلوا من هذه الأدوار قوة للمرأة، ونموذجاً حسناً مؤثراً على عامة النساء في الاتجاه العبادي الصحيح، حيث تمثل هذه الأدوار والمواقف نسيج حركتها وفاعليتها الحضارية خلال أواخر فترة الغيبة وعصر الظهور.
  4. إبراز الحالة الإنسانية التقدمية التي تتبوأها المرأة المؤمنة في عصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام في ضوء ما تبلغه من كمال أو رشد عقلي، وفي ضوء المهام والمسئوليات والتكاليف والأدوار التي تسند لها، وفي ضوء نجاحها في تحقيق إنجازاتها الكبرى.
  5. تقديم صورة عامة مجملة لبعض التغيُّرات الاجتماعية والسيكولوجية والثقافية والحقوقية التي تحدث في حياة المرأة بعد حركة الظهور، وهي في المنطق العلمي نتائج ومعطيات مترتبة عن هذه الحركة.
  6. غرس القيمة الإنسانيَّة للمرأة في التكوين النفسي والعقلي للرجال من أفراد جماعة “المنتظرين” وتنمية اتجاهات موضوعية لديهم معززة لأدوار المرأة ومواقفها المتألقة في نهضة المجتمع المسلم خاصة في عصر الغيبة.

* * * * *

مصادر مادة البحث:

اعتمدنا في تكوين المادة المعرفية لهذا البحث وصياغتها الأولية على مصدرين أساسيين اثنين هما:

أولاً: خطاب النبوءة الإسلامية:

وهو خطاب يتكون من مجموعة الروايات والنصوص الإسلامية المنقولة التي أشارت للأدوار المتوقعة للمرأة سواء كانت سلبية أو إيجابية، إذ تستبطن هذه الروايات الأساس المعرفي لواقع المرأة في عصري الغيبة والظهور، وما يجري عليها من مظالم وما تقوم به من أدوار لها وعليها.

وقد جمعنا في متن هذا البحث عدداً من هذه النصوص والروايات الإسلاميَّة، غالبيتها يخص حاضر المرأة في آخر الزمان من عصر الغيبة ومستقبلها في دولة الإمام المهدي، حيث تبين هذه النصوص متاعبها ومشكلاتها الأخلاقية وفعالياتها الاجتماعية وأدوارها ومجالات عملها الحضارية الأساسية مباشرة وبطريقة مجملة، والبعض الآخر من هذه النصوص يتصل بهذا المستقبل وتأثيراته على الأدوار المتميزة للمرأة.

وهذا يعني أن بعض النصوص تتناول مستوى التطور العام للإنسانية في عهد حكومة عالمية يرأسها الإمام، وتتناول نصوص أخرى تأثير هذه الحالة على المرأة في آخر الزمان.. أي قبل الظهور وبعده، ومن محتوى هذه النصوص ومفرداتها اللفظية تم استخلاص المبنى العام للأفكار العامة والفرعية لهذا البحث.

وهو كما ذكرنا – هنا وهناك – مجرد محاولة لصياغة تصور عن الحالة العامة لأوضاع المرأة وموقعها الجديد بعد مظلومية تاريخية طويلة ومريرة عاشتها مع أوضاع مزرية مأساوية بمسميات مختلفة كتحرير المرأة حيناً أو الدفاع[١١] عن عفافها حيناً آخر.

ثانياً: الواقع الإنساني:

يصعب صياغة بحث عن مشكلة أو قضية ما من مصدر روائي أو نقلي فقط، وإهمال ما يجري من شواهد ووقائع وأحداث في الواقع الإنساني سواء في فترة قصيرة محددة أو على امتداد تاريخ طويل لأنَّ هناك علاقة جدلية متبادلة في تأثيرها بين النص الإسلامي والواقع.

فالنص التنبؤي الإسلامي يلفت أنظارنا إلى وقائع وحوادث مستقبلية متوقعة، والوقائع نفسها بتحققها الفعلي تفسر مفردات النص وتركيبته اللغوية والمعرفية، وهكذا يحدد النص طبيعة الحادثة المستقبلية والواقع يستجيب لرؤية النص وتفسيره في إطار سلسلة من النشاط الإنساني الذي تتكون منه الحادثة أو الواقعة.

فإذا تحدث النص عن شواهد ووقائع عن انحراف النسوة في عصر آخر الزمان مثلاً أو عن موضوع “تفوقِهِّن [١٢]” في عصر الظهور فإنَّ حديثه يتجلى في نشاط واقعي سواء اتسم بالسلبية كالحديث عن مشكلة الانحرافات النسوية أو الإيجابية كالحديث عن تفوق قدرات المرأة و نمو إمكانياتها في الحياة العامة للمجتمع الإنساني الجديد.

فانحراف النساء هو في حقيقته مشكلة إنسانية كبرى يتطابق فيها مضمون النص التنبؤي الإسلامي مع شواهد مستمدة من الواقع الإنساني، كما أنَّ تفوق المرأة في عصر الظهور هو الآخر موضوع مؤثر، ويجسد في الوقت نفسه التقاء النص في نبوءته الصادقة مع الواقع وتطابقهما في رسم الحالة الإنسانية التي تكون عليها المرأة فيما بعد الظهور، وما تؤديه من أدوار وفعاليات بنَّاءة.

وهكذا يحاول هذا البحث إيجاد صيغة ملاءمة بين حوادث الواقع ومحتوى النص التنبؤي الإسلامي، وتعبر عن علاقتهما التاريخية الممتدة في الزمان والمكان.. زمان الغيبة الكبرى وعصر الظهور معاً، وكل بقعة جغرافية من أرض الله الواسعة.

المرأة في خطاب الإمام المهدي:

قبل مناقشة الصورة المزرية لحالة المرأة نود توضيح عام لموقف الإمام المهدي من قضية المرأة، وهو موقف يبين مدى اهتمامه عليه السلام باحترام كرامة المرأة وتحذيره لها من التنازل عن مكانتها الإنسانية في زمن صعب لا يرحم أهله بعضهم.

لم يكن من عادة الإمام المهدي عليه السلام أن يتوجه بخطاب خاص بالرجال وحدهم وخطاب آخر يخص النساء وحدهنَّ، فلم يظهر هذا النوع من الخطاب في تراثه المعرفي أبداً، فقد امتاز خطابه الكريم في غالبيته بالعمومية لا خصوصية فيه لجنس دون آخر، لكنَّه عليه السلام كان دائماً يوجه في أغلب الأحيان كلماته لأتباعه وقواعده الشعبية من المسلمين يدعوهم للتقيِّد بالإسلام وتعاليمه وأنظمته وقيمه الروحية والعقائدية والأخلاقية والاجتماعية.

بيد أنَّه في بعض أدعيته يذكر في وحدة لفظية ومترابطة ومتصلة لا فكاك فيها لفظ “المؤمنين والمؤمنات” واستخدامهما في سياق تعبيري مشترك يتم تكراره للدلالة على إيمان الإمام المهدي بوحدتهما الإنسانية ووحدة همومهما المشتركة.

يقول الإمام المهدي عليه السلام في أحد أدعيته التي ذكر فيها لفظ “المؤمنين والمؤمنات” معاً:

“إلهي بحق من ناجاك، وبحق من دعاك في البر والبحر تفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغنى والثروة، وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحَّة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرم، وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين بمحمد وآله أجمعين [١٣]”.

ومع ذلك فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام قد استخدم في بعض الأدعية كدعاء ” الاهتمامات العامة[١٤] ” تصنيفاً عاماً للفئات الاجتماعية الهامة في تركيبة أي مجتمع إنساني، والمؤثرة بقوة في حركة المجتمع المسلم وبناء نسيجه العقائدي والروحي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي.

وقد صاغ الإمام المهدي وصاياه الإرشادية لهذه الفئات المتعددة التي تشكل في غيبته نسيج المجتمع المسلم كالعلماء والمتعلمين، والزهاد، والمستمعين، والمشايخ، والشباب، والأغنياء، والفقراء، والجند، والأمراء، والرعية أو الشعب بتعبيرنا المعاصر.

ولم يستثن من هذا التصنيف العام فئة النساء لأنَّهنَّ وفق رؤية الخطاب الإسلامي شق الإنسانية الذي يشترك مع الرجال في صياغة المجتمع وتكوينه، وقدَّم الإمام المهدي لهنَّ خطابه الإرشادي وموعظته الحسنة من أجل مصلحتها، ومنفعة المجتمع الإسلامي بأسره في عصر غيبته الكبرى وحمايته من أوضار الشر والتدهور العقائدي والأخلاقي والاجتماعي.

ويستفاد من وصاياه الواردة في دعاء ” الاهتمامات العامة ” بصورة عامة أنَّه عليه السلام قد اهتم بقضايا الإنسانية خاصة في المجتمع المسلم بالقضايا الكبرى التي سيعاني منها هذا المجتمع كالفقر والغنى والمرض والصحة والجفوة والغربة وتوتر العلاقات، ونوع العلاقات المرغوب سيادتها في هذا المجتمع، وما يعانيه أفراد هذا المجتمع رجالاً ونساءً من انحرافات سلوكية، وضرورة تعديل سلوك المسلمين والناس جميعاً في ضوء محددات إيمانية وقيمية مستمدة من منهج الله سبحانه وتعالى ونظامه التشريعي.

الصورة القاتمة للمرأة:

وقبل الدخول في موضوع بحثنا نحاول بإيجاز الإشارة المجملة لإشكالية واضحة في خطاب بعض الباحثين الذين تناولوا بالنقد الوضع الاجتماعي الفاسد لحياة الناس في هذه الفترة من عصر الغيبة الكبرى، فمن المؤسف أنّ بعض الباحثين ركَّز على رؤية الجانب السلبي من حياة النسوة العربيات والمسلمات.

وهذا حق بكل تأكيد، لكنّه ليس سوى جزء من صورة النساء في الخطاب التنبؤي الإسلامي الذي يرسم صورة متكاملة عن فعل المرأة في حركة التاريخ أسوة بالرجال [١٥].

فهذا الخطاب التنبؤي أشار فعلياً إلى واقع الانحراف في حياة بعض النسوة في خلال أواخر عصر الغيبة أسوة بإشارته إلى واقع الانحراف في حياة الرجال، إذ لم يميز هذا الخطاب بين الرجال والنساء سواء في تحديد حالات الانحراف وتشخيص وقائعه وأنماطه المرضية أو تحديد أدوارهما الإيجابية، وقد لفتت النصوص التنبؤية إلى هذه الحالات المتوقعة في عصر آخر الزمان.

ويمكن لهؤلاء الباحثين أن يكونوا منصفين لو وضعوا صورة النساء كاملة في خطابهم، وبيّنوا بأقلامهم أنماط السلوك السوي وغير السوي التي تصدر عن المرأة سواء في عصر الغيبة أو عصر الظهور، وأنْ يستعينوا بنصوص الخطاب التنبؤي الإسلامي الذي بشَّر بأدوار إنسانية فاعلة تؤديها المرأة المؤمنة – خاصة المنتظرة – في الحياة العامة للمجتمع الإنساني خلال عصر الظهور.

ويبدو أنَّ خطاب بعض الباحثين المسلمين المعاصرين متشائم – في ظاهره – من المرأة حاضرها ومستقبلها على حد سواء، فلم يروا في حياتها الواسعة القائمة سوى صورتها العارية المنحرفة التي تثير فتنة الجنس وشهوة الرجال، ولم ينظروا في تاريخها وحياتها المعاصرة إلاّ لعيوبها الأخلاقية.

ولهذا ركز بعض الباحثين خاصة خصومها كامل جهدهم في كشف ما تقوم به بعض النسوة المنحرفات من أعمال مخجلة قد استغلت فيها إنسانيتها وتعرضت فيها كرامتها للابتذال وخدش الحياء.

فهناك بعض الباحثين المتدينين الذين نحترمهم، ونقدِّر كفاءتهم وإخلاصهم، لكننا بكل تأكيد لا نشاطرهم موقفهم من المرأة، والتركيز على بعض الجوانب المظلمة من حياتها، وإهمال جوانب حياتها المضيئة التي أشارت لها نصوص النبوءة الإسلامية، فهذه الرؤية غير متوازنة في التعرف على سلوك المرأة وتشخيص دوافعه وفهم بواعثه قد صنعت شيئاً من التشاؤم.

إنَّ عالم المرأة أوسع من واقع الانحراف، فثمَّة جوانب مضيئة تأخذ مساحة كبيرة في حياتها، كما أنَّ انحراف المرأة ليس حتمية تاريخية لا تقبل التغيير، فتاريخ الإنسان رجلاً أو امرأة لم يخلو من الانحراف حيناً ومن الاستقامة حيناً آخر.

يقول أحد هؤلاء الباحثين:

“ألا أنّه حين توضع النساء على بساط البحث في موضوعنا هذا، تقرأ فاتحة الخلاص على المجتمع من أربعة أركانه، فأين هي المرأة التي تهتم بأكثر من البحث عن عابد لجمالها، أو متسكع أمام جسدها أو طامع بالعبث بمفاتنها، فتأنس إذا أطرى حسنها، وتنتشي إذا راودها عن كرامتها، وتنهار أمام معسول كلامه [١٦] “.

ويحضرني في هذا المقام عنوان محاضرة مثيرة معبرة عن النظرة المتشائمة من المرأة، والتي تركز على روح سلبية في تفهم دور المرأة أكثر من النظر إليها ككائن يتحمل مسئولياته الاجتماعية والشرعية والإنسانية وأداء الواجبات والوظائف والفعاليات الإيجابية التي تؤديها في هذا الزمان الصعب، فعنوان المحاضرة هو (دور المرأة في الفتنة) كان أحد السلفيين ينوي إلقاءها على مجموعة من النسوة، وقد تم الترويج لها إعلامياً.

وهذا العنوان كما نرى يوحي بأنَّ المرأة مجرد موضوع جنسي لا همَّ له في الحياة إلاَّ التخريب وإثارة الفتنة وإنْ كان “واقع الانحراف” الذي تعيشه بعض النسوة في زماننا يجعل عنوان المحاضرة حقيقة لا مفر من قبولها، ولكن بالرغم من التسليم بهذه الحقيقة وقيام المنحرفات بأدوار تخريبية وإثارة الفتنة كممارسة سلوك العري والتبذل وإبراز مظاهرها الجنسية في الحياة الاجتماعية إلاَّ أنَّه من الواجب الاعتراف في مقابل ذلك بطاقات المرأة وما تقوم به النساء الأسوياء من أدوار ووظائف إنسانية سليمة ترضي الله تعالى، وذلك لتحقيق التوازن في التعامل مع المرأة وفهم شخصيتها بنظرة متكاملة.

ونحن نتفهم أن يكون هؤلاء الباحثين متشائمين من انحراف أخلاقيات المرأة، وهم يرون الوقائع عياناً التي تؤكد نظرتهم السوداء، لأنَّ لكرامة المرأة عندهم حساسية أخلاقية، فالمسألة الأخلاقية هي جوهر إنسانية المرأة، لكن من حقنّا مع ذلك أن نكون متفائلين ونحن نشهد بوادر حركة نهضة نسائية تشكل رافداً من روافد الحركة الإيمانية وما تقوم به من أنشطة تصب في عملية التوطئة التاريخية لـ”مجتمع الظهور”، بل نرى أنَّ جهود المرأة تشكل جزءً من القوى المخلصة الفاعلة في بناء مجتمع الإنسانية في عصر ظهور الإمام المهدي المبارك.

لهذا يركز بعض المتشائمين على عرض نصوص النبوءة الإسلامية الكاشفة لسلبيات النساء وإظهار عيوبهن في عصر الغيبة ما قبل الظهور ومطابقتها مع وقائع الانحراف النسوي وشواهده المادية في آخر الزمان، وبيان مصداقيّة النصوص التنبؤية التي تقرأ حوادث المستقبل قبل أنْ تقع.

وليس من شك أنّ تلك الوقائع والنصوص منسجمة مع بعضها، بيد أنّ هناك قسماً آخراً من نصوص البشارة يحدّثنا عن حركة نسوية إيجابية مساهمة بفعالية في بناء مجتمع الإسلام الجديد المرتقب خلال فترة الظهور وقيام دولة الإمام المهدي بأمور الدين وشئون الدنيا معاً، لذلك من حقنا التفاؤل بمستقبل زاهر للمرأة المؤمنة المنتظرة، وطبع بصماته في الحياة الثقافية و الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينيّة للمجتمع الجديد القادم بإذن الله تعالى.

بل أنَّ هذه المساهمة الفعّالة للمرأة تنطلق في زمان سابق لعصر الظهور، وتكتسب خلال فترة الغيبة الكبرى – خاصة في آخر الزمان – قدرات جديدة تفيد في ترسيخ موقعها في عصر الظهور، ولولا وجود هذه القابلية الإيجابية الفاعلة عند المرأة المسلمة لما توجّه الخطاب الإرشادي للإمام المهدي بدعوة المرأة إلى العفة والحياء وضبط السلوك وتعديله على معايير النظرة العبادية[١٧].

صحيح أنّ مساحة التشاؤم لواقع اليوم أكبر أحياناً من مساحة التفاؤل، إلاّ التاريخ ميدان للفعل الإنساني المعطاء، وميدان للتغيير الاجتماعي – النفسي، وتعديل الاتجاهات النفسية والعقلية الإنسانية بما يتفق مع سنن الله التي تضبط السلوك الإنساني في حالتي التفاؤل والتشاؤم وفي حالات مختلفة.

فكما انحرف كثير من النسوة عن الحق والاستقامة وسببّ انحرافهن شؤماً غير سوي في النظرة والتفكير والتوقع، فكذلك يمكن إذا ما غيّرت الأمّة ما بنفسها أن تعود النسوة المنحرفات إلى الاستقامة والعفاف، وتثبن إلى رشدهن، فيتحول الشؤم تفاؤلاً قبل حركة الظهور وبعدها.

وقد سجلت المرأة المسلمة في إيران ولبنان والبحرين إلى حد ما وربَّما في بلدان مسلمة أخرى مثالاً على تألق أدوارها الإيجابيّة في تعديل وضع المجتمع وتغيير بعض قيمه وعاداته الخاطئة، والتحرك صوب الصورة المطلوبة للمجتمع المسلم أو الاقتراب منها على أقل تقدير.

ويبدو أنّ نصوص البشارة في الخطاب الإسلامي الذي اهتم بموضوع التنبؤ بواقع النسوة في عصر الظهور وما يقمن به من دور فعّال في الحركة الحضارية للمجتمع ينسجم مع قانون التبدل الاجتماعي – النفسي، لهذا نرى في هذه النصوص تفاؤلاً بمستقبل مزدهر للمرأة في مجتمع الدولة العالمية الجديدة، وتتطلب الأمانة العلمية في قراءة نصوص النبوءة تسجيل هذا الجانب من صورة المرأة، وما تطويه من أدوار هامة في عملية التغيير الاجتماعي خلال فترة الظهور المباركة.

فإذا أقررنا بواقع انحراف بعض النسوة في فترة آخر الزمان، فعلينا أيضاً – على أقل تقدير – إبراز الصورة الإيجابية العامة للمرأة خلال عصري الغيبة والظهور معاً، وقد رسمت نصوص الخطاب التنبؤي الإسلامي صورة الانحراف، وصورة الاستقامة ومظاهر الفعل الحضاري المتألق للمرأة، وذلك ليس من أجل إقرارنا بالحقيقة فحسب، وإنما لتعديل اتجاهات الناس في مسار سليم، واستعادة حالة من التوازن النفسي المفقود في كيان الشخصية المؤمنة لا سيّما في هذا الزمان الصعب، وتكوين مفهوم إيجابي عن الذات لدى المسلم خاصة في شخصية المرأة.

لذلك ينبغي أن تكون قراءتنا لفعل المرأة متكاملة، معبرة بواقعية متوازنة عن فعلها للمعاصي والطاعات معاً، وبالتالي نقدّر للمرأة دورها الحضاري وجهدها الكبير في بناء مجتمع “المستقبل الإنساني” المأمول القائم على العلم والدين والفضيلة والطهر الأخلاقي، وندعوها في الوقت نفسه إلى تعديل سلوكها بما ينسجم مع المعايير العبادية، ومع القيم الأخلاقية العليا التي تنبثق من الفطرة الإنسانية السوية.

وهكذا نعترف “بالشؤم” الذي يتركه انحراف بعض النساء، ونعترف بحالة الاستياء الناجمة عنه، لكننا نريد في الوقت نفسه أن نحوّل هذا الشؤم “تفاؤلاً”، ونشحن نفسية المرأة بهذا المفهوم عن الذات من خلال قيامها بمسئوليتها الشرعية وما تقوم به من أدوار إنسانية مرسومة لها في الخطاب التنبؤي الإسلامي، ونتيح لها أن تتحرك في الاتجاه الصحيح الذي يفجر قدراتها في خدمة الإنسانية.

إنّ فهمنا لفعل المرأة وقراءة دورها بصورة متكاملة يمثل ثقافة منفتحة على الجوانب الإنسانية في شخصية المرأة، وتدخل في تكوين عقليتنا وأسلوب تفكيرنا، ويساعد على تحديد رؤيتنا للمستقبل على نحو أفضل، وبشكل فاعل ومؤثر في حاضرنا ومستقبلنا.

وهذا يتطلب منّا التركيز بأمانة على كل الجوانب التي تعكس بأمانة فعل “المرأة” في آخر الزمان سواء كان إيجابياً في فترة الظهور أو سلبياً في فترة ما قبل الظهور، وفعل المرأة في الفترة السابقة الذكر ليس سلبياً دائماً، فالمرأة في هذه الفترة تملك القدرة على أداء أدوار حضارية تسهم في يناء حالة سيكولوجية وعقائدية توطئ لظهور الإمام المهدي.

وبالتالي تأخذ المرأة حقّها من الاحترام والتقدير لا بسبب آدميتها فحسب، وإنّما بسبب فعلها المقتدر سواء كان “فعلاً” يمهد لظهور الإمام المهدي أو فعلاً يسهم بفعالية في بناء “مجتمع الفضيلة” في عصر الظهور الذي ينهي عذابات الإنسانية وهمومها أو تمهد لتكوينه.

أسباب تكوين نظرة قاتمة عن المرأة:

يمكن بعد التركيز في الحالة الإنسانية المتدهورة التي تعيشها المرأة المسلمة في عصر غيبة الإمام المهدي عليه السلام إسناد أسباب تكوين نظرة متشائمة لدى بعض الباحثين – متدينين وغير متدينين – إلى مجموعة من الأسباب، ولكنَّنا في موضوع بحثنا نرى ثلاثة أسباب أساسية قد ينطوي كل واحد منها على أسباب فرعيَّة هي المسئولة عن تكوين نظرة قاتمة، وهي كما يلي:

  1. المشاهدة الحية للوضع المأساوي للنسوة في العالم – مسلمات أو غير مسلمات – وانحراف سلوكهن عن قيم الإسلام وضوابطه في الحياة العامة كما أشارت إلى عدد من الروايات السابقة إلى هذه المشكلة السلوكية الكبرى التي تقلق مضاجع المتدينين في المجتمع المسلم خلال عصر الغيبة الكبرى.
    وتؤدي هذه المشاهدة المستمرة للسلوك المنحرف العلني لدى عدد كبير من النساء إلى نظرة تشاؤمية من المرأة ونقلل من شأنها، وشعور البعض من هؤلاء الباحثين بصعوبة عودة المرأة عن أخطائها الأخلاقية، وعجزها عن إعادة ترتيب حياتها في ضوء محددات السلوك السوي الذي يقره المشرع الإسلامي.
  2. أنَّ بعض الدراسات التي اهتمت بوصف حال بعض النسوة قبل حركة الظهور لم تذكر شيئاً إيجابياً عن الجوانب المضيئة في حياة بعض النساء المنتظرات إلاَّ نادراً، فأدى هذا الإهمال إلى عدم التوازن في خطاب بعض الباحثين، وفي تكوين نظرة غير متسقة نحو المرأة المسلمة، إذ طغى موضوع الانحراف الأخلاقي على دورهن الإيجابي للأسف في خطاب غالبية الباحثين، فخسرنا بالتأكيد جهوداً معرفية مضيئة يمكن أنْ تسهم في نضج البحث في هذا الموضوع.
  3. يميل بعض الباحثين بسبب تجارب شخصية إلى اتخاذ موقف عدائي من المرأة المسلمة دون النظر إلى موقف النصوص نفسها ومنطقها العقلاني سواء في تحديد مشكلات السلوك النسوي أو معرفة جوانب التميز والتفوق لدى المرأة، فيسقط حالته النفسية على شخصية المرأة، فيتهم كل النساء كلَّهنَّ بالانحراف من وحي موقف نفسي خاص بذاتيته لا عن بحث موضوعي يناقش المسألة السلوكية بحلوها ومرَّها.
    قيل مثلاً أنَّ أحد المفكرين الكبار الذي ترك بكتاباته بصمات عميقة في الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة قد عُرِفَ عنه بكراهية المرأة ومقته لها وتشدده الصَّارم إزاءها بسبب تجربة حب فاشلة مريرة، فأفرغ في كتاباته المتعددة موقفه النفسي الشخصي وأسقط مشاعره الذاتية عليها، فاتهم المرأة بوجه عام بالأنانية، وخداع الآخرين، والتنكر لقيم العلاقة النبيلة السوية بين الجنسين، بينما لا تنطبق هذه الأوصاف – ومن منظوره الشخصي – سوى على المرأة التي ارتبطت معه في تجربة حب غير ناجحة، وبذلك اتَّسمت مواقفه من المرأة باسقاطات شخصية وعاطفيَّة تخلو من الموضوعية، والحيادية.

وهكذا قد يكون الموقف التشاؤمي من المرأة ناجماً أحياناً عن حالة استياء شخصية تمَّ تفريغها في عملية إسقاط نفسي.

امتهان كرامة المرأة قبل حركة الظهور:

يستفاد من الروايات الإسلامية أنَّ المرأة بوجه عام تتعرض قبل حركة الظهور المباركة لأشكال مختلفة من الإهانة الأخلاقية المريرة التي تنتكس بكرامتها إلى أدنى حد تعرفه في تاريخها، فقد عبَّرت هذه الروايات عن مشاهد متنوعة للحالة المتدهورة المروِّعة التي تعيشها النسوة خاصة في عالمنا الإسلامي كقتل النساء وبقر بطونهن [١٨] ظلماً، والطواف بهن من مجلس للآخر، أو تؤخذ المرأة نهاراً وجهاراً في وسط الطريق وتنتهك عفتها على نحو مذل لا يستطيع أحد أ،ْ يغيِّره، كما تمر المرأة بأشكال مهينة وبحالات من القهر النفسي التي تكتوي بها إنسانيتها.

ونحن نلحظ في حياتنا الحاضرة والمعاصرة شواهد وأدلة ووقائع حية معبرة عن الوضع السيئ الذي يمتهن كرامة ويبخس حقها في العيش الكريم، تارة باسم الدين وتارة باسم تحريرها من ضوابطه، وإذا كان معيباً على الرجال ممارسة حالة القهر والإذلال على المرأة، فإنه من المؤسف – كما تفيد روايات الخطاب التنبؤي الإسلامي العام – أنْ تكون المرأة نفسها سبباً فاعلاً في منشأ هذه الحالة المرضية في مجتمع ما قبل الظهور.

ولنتأمل بعض النصوص والروايات التي تمثل نماذج معبرة عن الصورة القاتمة التي تكونت لدى بعض الباحثين.

  • تقول إحدى الروايات: “يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شر الأزمنة نسوة كاشفات عاريات، متبرجات من الدين، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللَّذات، مستحلات للمحرمات، في جهنَّم داخلات [١٩]”.
  • وتقول رواية أخرى: “لا تقوم الساعة حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد لله فيه حاجة، وحتى تؤخذ المرأة نهاراً جهاراً في وسط الطريق (أي تنكح علناً في وضح النهار وفي قارعة الطريق)، لا ينكر ذلك أحد ولا يغيِّره، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول: لو نَحَّيْتَها عن الطريق قليلاً [٢٠]”.
  • وقال حذيفة: “حتى أنْ يطاف بالمرأة في مسجد دمشق في اليوم على مجلس.. مجلس حتى تأتي فخذ السفياني، فتجلس عليه وهو في المحراب قاعد، فيقوم رجل من المسلمين فيقول: ويحكم أكفرتم بعد إيمانكم، إنَّ هذا لا يحلُّ، فيقوم فيضرب عنقه في مسجد دمشق، ويقتل كل من على شاكلته، فعند ذلك ينادي منادي من السماء: أيها الناس إنَّ الله قطع عنكم مدة الجبَّارين والمنافقين وأشياعهم، وولاكم خير أمة محمد صلى الله عليه وآله، فألحقوا بمكة فإنَّه المهدي [٢١]”.
  • وتقول رواية ثالثة: “أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقصنَّ عرى الإسلام عروة عروة، وليصليَّن النساء وهنَّ حيَّض، ولتسلكنَّ طريق من كان قبلكم حذْو القذَّة بالقذَة وحذْو النعل بالنعل [٢٢]”.
  • ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي[٢٣].
  • وفي رواية: أن الناس يتركون ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسفكون الدماء، ويستحلون الربا، ويعظم البلاء، وتشرب الخمر، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء [٢٤]”.
  • وينقل ابن الصبَّاغ المالكي وغيره من حفظة الحديث هذا النص الروائي الإسلامي فيقول: “وركبت الذكور الذكور واشتغلت النساء بالنساء [٢٥]”.
  • وفي نص أيضاً: “حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق [٢٦]”.

الدلالة المستخلصة من الروايات السابقة:

  1. أنَّ المرأة تتعرض لعملية اضطهاد ثقيلة يكون الرجل هو الفاعل في أغلب الأحيان كالموقف الذي تؤخذ فيها المرأة جهاراً ونهاراً في وسط الطريق من قبل مرضى القلوب من الرجال، ولكن قد تتسبب المرأة أحياناً في تحمل مسئولية الظلم الذي يلحق بها كأنْ تقبل ممارسة الانحراف الجنسي مع امرأة مثلها، فتهين المرأة المريضة نفسها في تجارب سلوكية منحرفة، ولكن في مقابل هذا السلوك الضال نجد سلوكاً مماثلاً يصدر عن الرجل أيضاً.
  2. قد تلعب المرأة دوراً سلبياً ضد النظام العام للمجتمعات ومخالفة رؤية الأديان السماوية، وممارسة أنشطة تغرس من خلالها القيم السلبية كما نجد ذلك في نص الرواية التالية التي مررنا بها آنفاً: “حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق [٢٧]” أو قول رواية أخرى: “ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي [٢٨].
    وبذلك أتاحت المرأة لبعض الناس – باحثين وعاديين – تشويه صورتها، وجعلتهم يرسمون عنها صورة قاتمة، بينما معالم هذه الصورة نفسها موجودة في عالم الرجال، ولا اختلاف بين الجنسين سوى.. هذا رجل وتلك امرأة.
  3. أنّ الجهل والاستبداد والقهر والاستجابة العمياء للشهوة عوامل وراء بروز مشكلة الانحراف لدى النساء، فبعد أنْ يفقد المسلمون الخشوع في دينهم، ويتخلى الناس عن الصلاة على نحو تدريجي، وتتناقص في حياتهم عرى الإسلام ويقل ارتباطهم به فإنَّ النساء تتدهور حالتهن الدينية ويصلين “وهنَّ حيَّض”، ويفسر هذا السلوك غير السوي في ضوء ثلاثة احتمالات هي:
    – تفشي الجهل بأحكام الدين في حياة بعض النسوة المسلمات كما يحدث لبعض المراهقات المسلمات اللواتي يصلين صلواتهن بدون طهارة شرعية نتيجة عدم تدريبهنَّ على معرفة وتطبيق أحكام الطهارة الشرعية والغسل من دم الحيض.
    – تفشي الجهل بأحكام الدين في حياة بعض النسوة المسلمات كما يحدث لبعض المراهقات المسلمات اللواتي يصلين صلواتهن بدون طهارة شرعية نتيجة عدم تدريبهنَّ على معرفة وتطبيق أحكام الطهارة الشرعية والغسل من دم الحيض.
    – استهانة بعض النساء بالدين وأحكامه عن قصد ورغبة في الاستخفاف بالسلوك الديني وعدم المبالاة به، فيتجاهلنَّ تنفيذ الأحكام الشرعية رغم تظاهرهنَّ بأداء أعمال عبادية كالصلاة، أو يتشاغلن بالدنيا عن التطهر الشرعي بدعوى أنَّ لا وقت لهنَّ للقيام بعملية التطهر والغسل ويكفي في نظرهنَّ قيامهنَّ بأداء الصلاة بالرغم من درايتهن بأحكام وقواعد الطهارة الشرعية.
    – من المحتمل أنّ بعض النساء المسلمات في عصرنا الصعب قد لا يُمْنَعْنَ من أداء الصلاة في سجونهنَّ، ولكن بسبب تسلط الجلاَّدين في السجون مثلاً قد لا يتاح لهنَّ القيام بالغسل الشرعي، ويتركن أيَّاماً بلا طهارة من دم الحيض، فتجد بعض النسوة أنفسهنَّ مجبرات على أداء الصلاة بلا طهارة شرعية.
  4. إنَّ فعل المرأة السيئ – كالفعل السيئ لدى الرجل تماماً – متنوع في أشكاله ومظاهره، ويغطي مختلف أنماط السلوك غير السوي، وهو فعل يعبر عن إرادتها سواء قبلته من الآخرين عن طواعية أو قصدته بنفسها رغبة في ممارسة السلوك المحرَّم، فالمسئولية في التشريع الإسلامي ذاتية يتحملها الفرد الذي يصدر عنه السلوك غير المرغوب فيه شرعاً كان ذاك رجلاً أو امرأة، فإنْ فعلت خيراً فلها وإنْ فعلت شراً فعليها، و”كل نفس بما كسبت رهينة” كما جاء في نص قرآني كريم.
  5. أنَّ بعض الروايات المتقدمة لا تذكر انحراف النساء كمشكلة سلوكية بمعزل عن انحراف الرجل، فتشير هذه الروايات على سبيل المثال إلى أحد مظاهر هذا الانحراف لدى الجنسين دون تمييز، فتؤكد أنَّ مشكلة “الجنسية المثلية” بارزة على حد سواء عند الرجال والنساء في مجتمع آخر الزمان، بل تجد التلازم واضحاً بين مظهري هذه المشكلة من خلال تأكيد الروايتين على المساحقة كفعل جنسي مريض عند بعض النساء واللواط كفعل جنسي غير سوي آخر بين الرجال كقول إحدى الروايتين: “ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء”.
  6. يلاحظ كذلك من المحتوى اللفظي للروايات السابقة أنَّه يترتب عن فعل المرأة السلبي نتائج خطيرة على بُنْيّةِ العلاقات الأسرية، وعلى العلاقات الاجتماعية من خلال نمو سمات عصابية في شخصية المرأة كتسلط المرأة على زوجها وقهرها له، وشيوع شهادة الزور بين أفراد المجتمع، وتحريضها له على كتمان شهادة الحق، وقطع أواصر العلاقات الأسرية خاصة بين الأرحام.
  7. وأخيراً يترتب عن فعل المرأة السلبي وأدوارها المنحرفة نوعان من الجزاء، جزاء دنيوي يتجلى في الحياة الاجتماعية كشيوع الفتن واتبَّاع الظالمين وسيطرتهم على الناس، وجزاء أخروي لا فكاك منه وهو دخول النسوة الفاسدات نار الله سبحانه، ونكرِّر أنَّ هذه النتيجة هي أيضاً مصير الرجال الذين تنكبوا الصراط المستقيم، وازْوَرَّت نفوسهم عن هدي العقل والإيمان الروحي والديني، ولله تعالى وحده حق تقدير الموقف لعلمه بنوايا العباد ودخائلهم وبواعثهم وتسجيل أعمالهم وتجسيدها.

واقعية “الدور الحضاري” للمرأة:

وبالرغم ممَّا تقدم من مشاهد لصورة قاتمة واضحة في حركة الواقع الإنساني، وفي بطن النص الإسلامي إلاَّ أنَّ الصورة ليست ذات وجه واحد كما يبدو للمتشائمين، فهي كالعملة ذات وجهين لا يعرف أحدهما دون وجود الوجه الآخر، فهناك وجه آخر يضيء المحجة وينير الدرب ويبشر بخير قادم، ويتحسس المؤمنون المنتظرون في هذا الزمان الصعب بصماته في شخصية المرأة المؤمنة المعاصرة التي تشارك الرجال وفي الإعداد لمجتمع “التوطئة والثورة والتغيير الجذري” من خلال أدوارها الحضارية المختلفة في حاضرها ومستقبلها في زمن الظهور.

وبالتأكيد ليس حديثنا عن الأدوار الحضارية التي تقوم بها المرأة سواء مع جيل الموطئين أو مع جيل الأنصار لمجرد دغدغة عواطف المرأة وهدهدة أحلامها، أو لكسب ودّها القلبي، وإنّما هو تسجيل صادق معبر عن فاعلية واقعية تتجلى في أدوار متنوعة، ومنتجة، ومبدعة تقوم بها المرأة في زمانها (حاضرها أو مستقبلها) في مسيرة التاريخ الإنساني.

فالمرأة في منطق الإسلام – كما يعلم القارئ الكريم – هي إنسان رشيد، عاقل، مكلف في كل مراحل حياتها الإنسانية عدا طفولتها، ولا تقل مسئولياتها عن الرجال، وهي كذلك جزء من أمّة ينتظر لها – كما كانت من قبل – أن تكون فاعلة في البناء الحضاري المتوقع للإنسانية، ولا يمكن بالتأكيد إنجاز هذا البناء وتشييده بإهمال قدرات المرأة وطاقاتها الفطرية والمكتسبة نتيجة عمليات تدريبية خاصة.

وقد قرأنا هذه الواقعية من أدوار حدّدتها النصوص الإسلامية للمرأة، كما استقرأنا أيضاً – هذه الواقعية – من وقائع فعلية نعيشها، وتشهد بكفاءة جهد المرأة وسمو نشاطها وحركتها الحضارية الفاعلة، وبذلك لن يكون هذا الرصد لدور المرأة ذو طبيعة عاطفية أبداً لأنَّنا كما نشدد على القيمة العبادية لأدوارها وأنشطتها الإيجابية فكذلك نرفض كل دور سلبي يمتهن كرامتها ويقلل من شأنها ووزنها الإنساني.

بل إنَّ رصدنا لموقف ودور المرأة هو كما نعتقد تقدير موضوعي عقلاني لنشاطها وقدرتها على التعامل الصحيح مع منطق الحياة، ومع حركة الحوادث المتوقعة وتفسيرها تفسيراً صحيحاً ينسجم مع أدوار وتكاليف المرأة من الناحية الشرعية والاجتماعية، وينطلق من المحتوى الداخلي للنصوص الغيبية الإسلامية التي أنبأتنا بما سيكون عليه حال الناس – رجالاً ونساءً – في آخر الزمان.

فعل المرأة بين الرصد والحركة:

إنه من الخطأ أن نفهم النصوص التنبؤية الإسلامية التي ذكرت المرأة على أنها مجرد عملية رصد سلبي لحوادث أو وقائع متوقعة في المستقبل تعيشها المرأة خلال فترتي الغيبة والظهور من دون أن يكون للناس بخاصة المرأة دور سلبي أو إيجابي، فالتفسير الصحيح للنصوص يرى أنَّ فعل المرأة المستقيم هو في حقيقته الجوهرية حركة حضارية فاعلة وعمل عبادي موجه لتحقيق مبادئ السماء وقيمها في عالم صعب يستبطن مشكلات كؤود تواجه الإنسان المؤمن الذي لا يُؤْبَه له.

ولا نعني بالرصد هنا مجرد عملية إحصاء الحوادث المتوقعة المقترنة بالمرأة والاكتفاء بمراقبتها عن بعد دون أن نفعل شيئاً لتفادي الحوادث السلبية أو بذل شيء ما، وتهيئة أنفسنا للانسجام مع الحوادث الإيجابية، فإذا اكتفينا بمجرد الإحصاء والرصد للحوادث المتوقعة بالمرأة فإنَّنا حينئذ نبقى قوى سلبية في فهم النصوص التي تتناول هذه الحوادث، ونعزل أنفسنا وقدراتنا عن التعامل الصحيح معها.

ولكن حين نفهم الحوادث الحاضرة والمستقبلية بمنظار العمل الإيجابي والتهيئة والإعداد والتوطئة، وتشجيع المرأة للقيام بواجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي لإقامة سلطان الحق على وجه الأرض، وإتاحة الفرصة لها للمشاركة بفعالية في بناء مجتمع المستقبل على أسس عبادية، فحينئذ نفهم فعل المرأة على أنه حركة فاعلة وإيجابية ومؤثرة لا مجرد رصد سلبي لحوادث أنبأ النص الإسلامي بوقوعها في حاضر الإنسانية ومستقبلها.

ونقرأ هذه الحوادث بإيجابية تتيح لنا وللمرأة بالذات القيام بالفعل والحركة الحضرية الفاعلة، وبالتالي نتجنب الحالة السلبية في رصد الحوادث، ونهيئ أنفسنا لدور التوطئة لظهور الإمام المهدي عليه السلام والإعداد لثورته الشاملة الكبرى.

وبتأمل النصوص الإسلامية التنبؤية التي سجلت دور “المرأة” نلحظ تدخل المرأة الإيجابي بحركة جهادية مؤثرة فاعلة في رصد الأحداث المتوقعة وتفسيرها بأفعال حضارية تقدمية ومؤثرة تجعل المرأة عنصراً مشاركاً بفعالية وقوة في عمليات البناء والإنتاج وإعادة صياغة المجتمع بنسيج جديد، والمساهمة بحيوية في نصرة الإمام المهدي ودعم حكومة دولته المباركة.

إنَّ المرأة المؤمنة المنتظرة كما توحي المعاني المباشرة المأخوذة من النصوص التنبؤية الإسلامية لا تكتفي بالتأكيد بعملية رصد الحوادث الواقعة فعلياً أو المتوقع تحققها في الزمان، وإنمّا تقوم بتفسيرها بأفعال الإعداد والتهيئة والتوطئة والاستعداد للنصرة، ولا يستبعد في ضوء هذه الحالة الوجدانية والمعرفية وأجوائها النفسية أن تكون بعض النسوة منتميات لجماعات الموطئين قبل حركة الظهور، وعضوات بجماعة الأنصار والأصحاب كما تقول روايات قليلة.

وتتطلب الحركة الحضارية الفاعلة وعي المرأة وبصيرتها وعزم إرادتها النافذة، ورغبتها في التضحية والخدمة التطوعية، وقدرتها على الصبر والمقاومة كما نلحظ ذلك في ممارستها لعملية الإفتاء ووظيفة القضاء بين الناس على أساس كتاب الله تعالى وسنّة نبيه، فهذا الدور شاهد على فعلها وحركتها الإيجابية في مجال التنمية الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ومن هنا تتحدث النصوص الإسلامية عن جماعة ” الموطئين ” الذين يعيشون فترة ما قبل حركة الظهور المباركة وما يعدون لها في فترة الغيبة دون تمييز بين الرجال والنساء.

وثمة تساؤلات في هذا الصدد:

هل الموطئون هم جميعاً من الرجال؟

وإذا كانوا رجالاً ألا تشارك المرأة في عملية الإعداد للحركة التغييرية من خلال تربية أجيال “المجتمع المنتظر” أو “تدريب أبناء المنتظرين” من خلال وظيفتها التربوية على تقبل حركة الانتظار نفسها وممارستها بفهم إيجابي على امتداد عصر الغيبة الكبرى؟

وهل يمكن للرجال وحدهم القيام بعملية التوطئة والتعبئة بمعزل عن جهد المرأة؟

وهل ستظل النسوة المؤمنات متفرجات سلبيات ودون مشاركة في عمليات الإعداد والتعبئة الجهادية؟

وهل تعطل المرأة واجباتها الشرعية خلال فترة الغيبة، ولا تفعل شيئاً وقد أمرها النص الإسلامي بأداء واجباتها والقيام بمسئولياتها؟

كل ذلك غير ممكن!!.

نعم ذلك غير ممكن في منطق العقل والدين والتجربة الحيَّة والنظام الاجتماعي العام، وسنَّة الحياة، وإلاَّ سيكون وجود المرأة عبثاً لا معنى له، وهذا يتناقض وحكمة الخلق الإلهي وغايته السامية.

وهذا يعني أن للمرأة فعلها الحضاري المؤثر وحركتها النشطة، لأنّه من الصعب قبول أن تكون التوطئة ممكنة بدون تدخل إيجابي من المرأة المؤمنة المنتظرة، ودون فعل مقتدر في هذه المهمة العبادية والجهادية، فالمرأة لن ترصد الحوادث المتوقعة في المستقبل الإنساني رصداً سلبياً.

بل ستحاول بكل تأكيد أنْ تكون عنصراً فاعلاً وقادراً على التعامل الصحيح مع الحوادث لتؤدي أدواراً هادفة تكشف عن قوة “فعل” المرأة وجهادها في تربية الموطئين وإعدادهم، وإمدادهم بثقافة الانتظار وقيمها ومعطياتها السيكولوجيَّة.

وهناك مثلاً طائفة من النصوص والأحاديث التنبؤية الإسلامية التي تشير إلى خروج جيش من المشرق يوطئون الأمر للإمام المهدي عليه السلام، ومع أن هذه النصوص لا تذكر في متنها “لفظ النساء” ولا تخصهّن بالذكر، بيد أنّ هذه الأحاديث لا تعني الرجال وحدهم، فالموطئون جماعة من المؤمنين والمؤمنات بالمهدي تؤدي دورها قبل حركة الظهور بأدوار مختلفة تناسب قدرات كل جنس على حدة.

ومن الصعب أن يتمكن هذا الجيش من إنجاز مهمته في التوطئة والإعداد والتعبئة الجهادية والروحية والعلمية بجهد أحد الجنسين دون الجنس الآخر، لأن الموطئين – كأية جماعة بشرية – مكوّنة من رجال ونساء، ولا يمكن أن يتشكل النسيج الإنساني لهذه الجماعة إلاّ بامتزاج الأدوار المشتركة بين الجنسين.

ومن هنا تباشر المرأة عملها الحضاري ودورها وحركتها الجهادية كالرجل تماماً، حيث أنّ النساء يلدن، ويقمن بعملية “التربية” ويغرسن ثقافة الانتظار [٢٩] والتوطئة والتعبئة لأفراد جماعة المنتظرين والموطئين من الجنسين على امتداد عصر الغيبة الكبرى.

وهذا لا يجعل المرأة المسلمة مجرد إنسان “راصد” للحوادث المتوقعة في الحاضر والمستقبل، وإنّما هي قوّة فاعلة مؤثرة في مجالات عديدة من حركة المجتمع، ويكفيها فخراً ثقة دولة الإمام المهدي وحكومته بها عندما تكلّفها بأداء أدوار ومسئوليات في مجالات عديدة.. في العلم والتعليم والإفتاء والإنتاج والمشاركة في تنمية المجتمع الجديد في دورته التاريخية القادمة.

* * * * *

شروط تحقيق “الفعل الحضاري” للمرأة:

ثمّة شروط توفرها الدولة والمجتمع والمرأة نفسها تساعدها على القيام بالأدوار الحضارية الفاعلة، وتعتبر هذه الشروط عوامل بنّاءة في حركتها خلال فترة الظهور، ومن هذه الشروط:

  1. الإعداد العلمي والتربوي للمرأة:
    يتم الإعداد العلمي للمرأة إمّا عن طريق ما تقوم به الدولة الإسلامية العالمية من خدمة لها أو عن طريق أنشطة منظمة تسديها للمرأة مؤسسات جماعات المنتظرين أو الموطئين أو عن طريق اجتهادها الشخصي، فالمرأة في ظل دولة الإمام المهدي عليه السلام تصل إلى قمّة مستوى علمي تعرفه المرأة في تاريخها الطويل.ويمكّنها العلم الذي تكتسبه من أداء فاعليتها الحضارية، ومساهمتها في مجالات علمية مختلفة، بل إن قدراتها العلمية المتعددة تهيؤها للعمل في مجالات لم تعرفها من قبل، ولم تبرز فيها كالفقه ومهنة القضاء في فترة الغيبة.

    وتشير روايتان إسلاميتان إلى أن النّاس يؤتون الحكمة في عصر الإمام المهدي عليه السلام إلى درجة أنّ المرأة تقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله عليه وعلى آله وصحبه السلام والصلاة.

    تقول الرواية الأولى: “وتؤتون الحكمة في زمانه – أي في عصر الإمام المهدي – حتى أنّ المرأة تقضي في بيتها بكتاب الله وسنّة نبيّه [٣٠]”.

    وتذهب رواية أخرى إلى القول بأنَّ مجتمع الظهور يهيئ للمرأة إمكانية تعديل اتجاهات الناس من خلال تفوق المرأة في عمل لم تعتده، تقول الرواية: “تحكم المرأة في بيتها على أساس كتاب الله وسنّة رسول الله [٣١]”.

    تدل هاتان الروايتان على:
    – بلوغ المرأة المسلمة في عصر الظهور المبارك لمستويات علمية عالية تمكنها من الدراية حتى بعلوم صعبة أو مزاولتها مهنتي “الفقاهة” و”القضاء” وهما من المهن التي تتطلب الدراية بعلوم عديدة.
    – إن علم المرأة بالفقه وتمكّنها منه يؤدي بالتالي إلى عملها بالقضاء والإفتاء، والوصول بالمرأة المؤمنة إلى مستوى الاجتهاد الديني الذي احتكره الرجال على امتداد مراحل التاريخ الإسلامي باستثناء ظهور عدد قليل من النسوة الفقيهات، وبذلك تمكِّن الدولة الجديدة للمرأة فرصة إثبات كفاءتها في مجال هو صعب بالتأكيد، وتنمية قدراتها العلمية والاجتماعية.
    – ويدل إفتاء المرأة في بيتها على شيوع المعرفة الدينية، وتمكِّن المرأة من المساهمة بفعالية كبيرة في إعادة صياغة شخصية المرأة وتثقيفها دينياً في أجواء تربوية سليمة ترعاها الدولة الإسلامية العالمية المرتقبة، وهذا كلُّه يصبُّ في تربية الإنسان وبناء شخصيته.

  2. الأمن النفسي:
    تحقق حركة الإمام المهدي التغييرية أمناً نفسياً للمرأة بنفس القدر الذي يشعر به الرجال في مجتمع الدولة الإسلامية خلال فترة الظهور المبارك، وهذا الشرط ضرورة أساسية لتحقق الفعل الحضاري لدى المرأة وقيامها بالأدوار والتكاليف الشرعية التي تجعل حركتها إيجابية وبنّاءة.ومن وهج هذا الإحساس النفسي يتولَّد لدى المرأة المسلمة حس الحرية الحقيقية والكرامة وتمتعها بهذه النعمة، ويؤدي إحساس المرأة بالحرية والأمن والطمأنينة إلى نمو قدراتها وإثراء إمكانياتها، وشعورها بقيمة ذاتها.

    ومن المؤكد أنَّ المرأة تستطيع ككائن إنساني مكتمل النمو والنضج من تحقيق أدوارها الحضارية البنّاءة حين يتم إشباع حاجات المرأة المادية والمعنوية وبخاصة الحاجة للمعرفة، والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى الحرية.

    وجوهر تحقيق حاجة المرأة للأمن أن لا تشعر بالخطر على نفسها سواء كانت في العراء (البر الخلوي أو مكان صحراوي أو أي مكان نائي أو في حركتها من مكان لآخر) أو في مكان ممارستها لأعمالها الإنتاجية والاقتصادية أو في غدوها ورواحها لأداء فرائضها العبادية والدينية.

    تقول الروايات:
    – “يطفئ الله تعالى به (والمقصود هنا الإمام المهدي) الفتنة العمياء، وتأمن الأرض، حتى أنّ المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل [٣٢]”.
    – “وتأمن النساء (في عهد المهدي) في أنفسهن حتى لو أنّ المرأة في العراء (أي البر الخلوي) لم تخفْ على نفسها، ويظهر الله تعالى كنوز الأرض للمؤمنين، ويستغني كل فقير بقدرة الله تعالى [٣٣]”، وهذا بخلاف حال المرأة في عصر ما قبل الظهور الذي تؤكد فيه الروايات على أنَّه “لا تقوم الساعة.. حتى يكون في خمسين امرأة القيم الواحد، وحتى تمطر السماء، ولا تنبت الأرض [٣٤]”، وذلك لحمايتها من الظلم والاضطهاد.
    – ويقول الإمام الباقر عليه السلام عن حرية المرأة وشعورها بالأمن وعدم تحسسها الخطر: “حتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق إلى المغرب لا ينهاها أحد [٣٥]”، أو “لا يؤذيها أحد”.
    – وتقول رواية رابعة: “لو قام قائمنا ذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى أن المرأة تمشي من العراق إلى الشام، لا يهيّجها سبع ولا تخافه [٣٦]”.
    – وفي رواية أخرى: “حتى تمشي – أي المرأة – بين العراق والشام لا تضع قدميها إلاّ على النبات، وعلى رأسها زينتها لا يهيّجها سبع ولا تخافه [٣٧]”.
    – وفي نص آخر تقول رواية إسلامية أيضاً: “لو قام قائمنا لأنزلت السماء مطرها، وأخرجت الأرض نباتها، حتى تمشي المرأة من العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاّ على النبات، وعلى رأسها زنبيلها تمر به خالياً، فلا تصل غايتها إلاً وقد امتلأ من الخضر والثمار[٣٨]”.

    إذن المعنى العام لهذه الروايات – كما يبدو من محتواها – هو توفير قدر مناسب من الأمن النفسي للمرأة وعدم شعورها بالخطر الذي اعتادته في آخر الزمان من فترة الغيبة الكبرى.

  3. إشباع الحاجات:
    تمثل الحاجات والدوافع بمختلف أنواعها وأشكالها إحدى ركائز الحياة الإنسانية التي حفظ الله بها كيان الإنسان واستمرار نوعه، والسمو بذاتيته عن كل أشكال الدرن، ولهذا كانت موضع العناية الإلهية الخالدة.ويقع ضمن دائرة هذه الحاجات ما يحتاجه الإنسان من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وجنس وبنين وحاجة للنوم والراحة والدعة، ولا يتحقق إشباع عدد من هذه الحاجات المادية والجسمية الشديدة الإلحاح إلاّ بتوفير المأكل والملبس والمطالب المادية والتدين والتعاون والمال الذي يكون كدوساً في عصر الإمام المهدي ودولته الكريمة كما تقول الروايات المتواترة [٣٩] في هذا الشأن.

    ويتحقق إشباع هذه الحاجات عن طريق توفير المال الوفير في مجتمع “الدولة الجديدة”، فالمال كثير وفيض كما تقول الروايات، ويحثوه [٤٠] الإمام المهدي للناس حثواً [٤١]، وتنعم به الأمّة في زمانه، ويستخرج كنوز الأرض ومعادنها ويتساوى الناس في تقسيم المال، بحيث لا يحتاج أحد للزكاة.

    ويقسّم المال صحاحاً حتى يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض [٤٢]” ويكون عطاؤه هنيّاً، ويملأ قلوب الناس غنىً.

    وقال رجل للرسول صلى الله عليه وآله وصحبه: ما صحاحاً؟

    فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “السويّة بين الناس [٤٣]”.

    ويطال هذا الإشباع العدل جميع الناس بلا استثناء ودون تمييز بين رجل وامرأة، أو بين لون وآخر، فحق المرأة في الحصول على إشباع الحاجات المادية والمعنوية وتأمينها لا يقل بالتأكيد عن حق الرجل قرينها في الحياة.

    وتأمين الإشباع المعقول لحاجاتها المادية شرط ضروري لضمان توجيه حركة المرأة في مسار عبادي وحضاري فاعل، فالإشباع يوفر الأمان النفسي للمرأة ويخفف عنها الضيق الاقتصادي، ويسمح بنضج أفضل لفعل إيجابي بنّاء تؤديه “المرأة” المسلمة، وتحقيق إنجازات تقدميّة.

    إن الإشباع المادي يتيح للمرأة أن تتعلم، وأن تنمي قدراتها ومهاراتها العقلية، وتصل بها إلى قمّة مستوياته، وتؤكد الرواية أنّ الناس يؤتون الحكمة حتى تستوعب المرأة “علوماً” كثيرة ومتنوعة وجديدة لم يتح لها مجتمع “الغيبة” اقتحامها من قبل بنفس الدرجة التي بلغها الرجال كعلم الفقه الذي يعتبر علماً مركزياً في الثقافة الإسلامية، وعلوم الحديث والتفسير والأخلاق وعلوم الدنيا.

    وهذا معناه أن المرأة المسلمة إذا ما غمرها الأمان، واطْمَأَنَّت نفسها في الحصول على إشباع حاجاتها المادية أصبحت أكثر تهيؤاً لممارسة أفعالها الحضارية الإيجابية من قنوات عديدة كالعلم والعمل، والخدمات الاجتماعية، والمجالات الأخرى، وأصبحت تحت تأثير توفير هذا الإشباع أكثر إحساساً بالأمن والحرية، وأكثر استعداداً للإبداع.

    وهكذا فإنَّ توفير هذا الإحساس ضرورة لنضج الفعل الحضاري وتقدميته عند المرأة وإكسابها الثقة بنفسها، وبإنجازاتها، وستقدم المرأة في زمان الإمام المهدي نفسها نموذجاً أعلى غير مسبوق في تاريخها.

    إنّ إشباع الحاجات المادية والمعنوية أحد مفاتيح “الفعل الحضاري” الذي ينتظر أن تقوم به المرأة في مجتمع “الظهور”، وأن ركيزة ما تقوم به المرأة من أدوار تاريخية وفاعلة وحاسمة في حركة المجتمع الإنساني هو نتيجة ما تحصل عليه من إشباع حاجاته، فيعزز جهدها ويمنحها القدرة على استخدام كامل طاقاتها التي تساعدها على أداء فعلها الحضاري في مجالات عديدة خاصة بعد أن تثبت تفوقاً في مجال العلم والحكمة.

    وهذا كله يمنح المرأة المؤمنة فرصة لممارسة فعالياتها الحضارية في مجالات متعددة تناسب مسئولياتها الإنسانية وتكاليفها الدينية، ويمنحها حقوقها كاملة.

  4. رعاية الدولة للمرأة ومساندتها:
    ثمة مظاهر عديدة تثبت رعاية الدولة المسلمة العالمية ومساندتها لأداء فعل المرأة الحضاري المطلوب أن تؤديه في مجتمع الظهور، فتوفير الدولة للإشباع المادي والمعنوي لحاجات المرأة هو مثال على هذه المساندة وإنْ كان الإشباع حقاً للإنسان.كما أنّ الدولة تتدخل بفعالية واضحة في الإعداد العلمي لأفراد المجتمع رجالاً ونساءً، وتعبير “وتؤتون الحكمة في زمانه” الوارد في إحدى الروايات السابقة الذكر شاهد على شيوع “المعرفة” الرشيدة التي توظف في خدمة الإنسانية، وهي معرفة متنوعة تقدمها الدولة للناس بتخطيط موجه من قادة المجتمع وكفاءاته التخصصية لخدمة المجتمع، ويكتسبها المرأة كالرجل تماماً بالمران والتدريب وتخطيط قادة الدولة.

    فالحكمة التي تتمكن منها النسوة المؤمنات في عصر الظهور لا تأتي من فراغ، بل من عمليات تدريب مقصودة وهادفة لقدرات الرجل والمرأة معاً.

    يقول الإمام الصادق عليه السلام في إحدى الروايات عن تطور العلم القائلة بمستوى (٢٧ ضعفاً) من العلم واستكمال مستويات العلم:
    ” العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبينها سبعة وعشرين حرفاً [٤٤]”.

    وتشير رواية أخرى أنَّ الإمام المهدي: “يضع يده على رؤوس العباد فيجمع عقولهم ويكمل أحلامهم”.

    كما أن الدولة توفر للمرأة المؤمنة كما دلت الروايات السابقة أيضاً إحساسها الإنساني النبيل.. الإحساس بالأمن، وهذا التوفير يشهد على تدخل الدولة الفعلي بإيجابية في مساندة المرأة للخروج من مظلوميتها التاريخية التي عرفتها في تجربة مريرة، ومحو صورتها القاتمة، وتصفية ذيول وآثار وصور الاستهانة بالمرأة وبإنسانيتها إلى الأبد، وتقويض دعائم الظلم والإذلال، بحيث تحررها من عبوديتها الداخلية والخارجيَّة [٤٥]، والاعتراف برشدها العقلي.

    وجاء تعبير “الدولة الكريمة” كتعبير سياسي ورد على لسان الإمام المهدي عليه السلام في دعاء “الافتتاح” الذي ينسبه الرواة والمحدثون والمؤرخون للإمام، وذلك عندما قال الإمام في دعائه الكريم: “اللهم إنَّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك”.

    وهذا المصطلح شديد التعبير عن سمو الحالة الإنسانية وطهر المجتمع الذي تحكمه بكفاءة حكومة الإمام بعد ظهوره المبارك، فهذه الدولة المحكومة بإسلام نقي ستضمن بعد طول معاناة للبشرية المكدودة إشباعاً شريفاً لحاجات الإنسان مادية كانت أو معنوية، وسوف سيجد الآدمي كامل حقوقه، وسيدمر كل طغيان أو استكبار ينتهك كرامة الأفراد.

    وهكذا فإن “الدولة الكريمة” في مجتمع الظهور تساند المرأة مادياً ومعنوياً وتوفر لها إشباعاً متنوعاً لحاجاتها، وتستجيب لإنسانيتها بإعادة حقوقها المغتصبة أو المعطّلة أو الضائعة، وإعطائها من جديد فرصة استثمار أقصى إمكانياتها لممارسة أدوارها الحضارية بواسطة هذا الإسناد الإنساني.

    إن بناء المجتمع الإسلامي المذكور يتطلب أن تسند الدولة – بقيادتها وشعبها المؤمن في كل بقاع الأرض – جهد المرأة ودورها وحركتها وأفعالها لأن هذا الإسناد يستفرغ طاقات المرأة الفطرية، وينمي إمكانياتها، فلم يخلق الله هذه الطاقات في كيان المرأة ليعطّل بلا نمو أو لتجميده بلا فعل إيجابي يرضي الله تعالى، وإنَّما ليتعاضد أفراد المجتمع الإنساني في حركتهم نحو واقع أفضل.

    كما أن بناء المجتمع الإنساني لا يتم عادة بجهد الرجال وحدهم، فمن المستحيل إنماء قدرات جماعة صغيرة كالأسرة بدون النساء وهنّ شقائق الرجال على حد تعبير الحديث الشريف، فكيف بمجتمع كبير يشمل الإنسانية كلها، ويعانى من صعوبات وإشكاليات تاريخية ثقيلة، فالمرأة إذن وما تقوم به من أدوار فاعلة عنصر هام في بناء الحضارة الإنسانية المقبلة كما هو حالها في بناء حضارة الإنسانية سابقاً وحاضراً، مع فارق في الدرجة، أي أن درجة مساهمتها في البناء الحضاري لمجتمع المستقبل أعلى درجات مساهماتها في فترات ماضية على ولادة مجتمع “الظهور”.

  5. شيوع وسائل الاتّصال في دولة الإمام المهدي:
    حقق الإنسان في هذا الزمان – وما يزال قادراً – ثورة هائلة في الاتصال وتقارب المعلومات وتدفقها على نحو متواصل جعل الكرة الأرضية كلها قرية كونية صغيرة، ويبدو أنّ وسائل الاتصال والثورة المعلوماتية هي – معرفة تراكمية تصاعدية – سوف تزداد تقدّماً بمرور السنين حتى تصل إلى ذروتها في الفترة الأخيرة من عصر الظهور، وقد استخدم هذه الثورة بفعالية كبيرة في إنتاج المعرفة، والتقنية، وخدمات إنسانية متعددة.كما استخدم السياسيون والإعلاميون والمثقفون المعاصرون تعبيرات “العولمة – القرية الكونية وغيرهما” للدلالة على حدوث ثورة في المعلومات والتفجر المعرفي وتحول العالم إلى قرية كونية متقاربة فإنَّ الخطاب التنبؤي الإسلامي عبَّر عن هذه الحالة المستقبلية بمصطلحين أساسيين شائعين في أدبياته هما تقارب الأرض – وتقارب الزمان.

    ولكنَّ الأخير أكثر شيوعاً، ويعنيان شيوع الاتصال وحالة التواصل بين الناس والتغلب على الحواجز الزمانية والمكانية والجغرافية والأيديولوجية من خلال وسائل الاتصال الحديثة والفضائيات وشبكة المعلومات الدولية، ويلاحظ في المصطلحين اللذان استخدمهما النص التنبؤي الإسلامي أن أحدهما يشير إلى تقارب المكان وهو (تقارب الأرض) ويشير المصطلح الثاني إلى (تقارب الزمان واختصار الوقت).

    ومن المنطقي أن تستثمر الدولة والمجتمع آنذاك هذا العنصر الحضاري الفاعل الذي صنعه الإنسان بعقله المنتج للمعرفة، وذلك من أجل تكوين صياغة جديدة لحياة المرأة وبناء مقومات شخصيتها وتحويلها من عامل مستهلك إلى عنصر منتج في ضوء فلسفة المجتمع المستمدة من الإسلام، لأنّ الإمام المهدي لا يأتي بدين جديد، وإنّما يستأنف الإسلام مرة أخرى بعد انقطاع تاريخي طويل.

    ويضع الإمام المهدي وحكومته مختلف وسائل الاتصال وقنوات الثورة المعلوماتية وأجهزتها في خدمة الإنسانيّة، فيحقق الإنسان فعله الحضاري لإنتاج واستثمار معرفة علمية وأخلاقية واجتماعية، ولا يمكن للمرأة عزل نفسها وهي تؤدي أدوارها الحضارية المطلوبة عن هذه الوسائل المعلوماتية، وذلك لنقل المعرفة وتداولها أو نشرها، وتطبيقها.

    – ينقل ابن كثير رواية تقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن [٤٦]”.
    – ويقول في نص آخر: “لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالسَّاعة، والساعة كإحراق السَّعفة [٤٧]”.
    – ويكرر ابن كثير الرواية السابقة الذكر في كتابه “علامات يوم القيامة” في أكثر من موضع [٤٨].
    – وتقول روايات أخرى معبرة عن آليات هذا التقارب الزماني والمكاني: قال الإمام الصادق عليه السلام: “إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربَّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس [٤٩]”.. أي امتلك الإنسان مصادر متعددة للطاقة بواسطة المعرفة العلمية.
    – وفي رواية: “إذا قام قائمنا عليه السلام وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم [٥٠]”.
    – وعن الإمام الكاظم قوله عليه السلام: “يسهل الله له كل عسير، ويذلِّل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرَّب له كل بعيد [٥١]”.
    – وتقول رواية: “إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض، في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفِّك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفِّك واعمل بما فيها [٥٢]”.
    – وفي نص آخر أنَّ الإمام المهدي عليه السلام: “سيركب السحاب، ويرقى في الأسباب [٥٣]”.
    – وتقول رواية أيضاً: “وأهل المغرب – في زمانه وقبل ظهوره أيضاً – يسمعون صوت أهل المشرق، وأهل المشرق يسمعون صوت أهل المغرب، والحديد يجري على ظهر الهواء، ويمطر عليهم ناراً [٥٤]”.
    – ويقول الإمام الصادق عليه السلام: “إنَّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه في المشرق [٥٥]”.
    – وفي رواية أيضاً: “إنَّ قائمنا إذا قام مدَّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبينه بريد، يكلمهم فيسمعونه، وينظرون إليه وهو في مكانه [٥٦]”.
    – وفي نص آخر: “حتى لا يرون (لا يكون) بينهم وبين القائم بريد [٥٧]”.
    – وعن أبي جعفر عليه السلام قوله الكريم: “إذا قام قائمنا عليه السلام وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم [٥٨]”.

    إذن الوسائل المتاحة الآن وما ينتجه الإنسان – آنذاك – من وسائل جديدة سوف توضع تحت تصرف المرأة الجديدة في مجتمع الظهور لتدعيم تقدمه والسير به في سلَّم حضاري أفضل لا يعزل القيم الدينية والأخلاقية والوجدانية والإنسانية عنه، ويجعل المعرفة العلمية سنداً لهذه القيم.

    ومن المنطقي كذلك أن تتعزّز الفاعلية الحضارية للمرأة ومسئولياتها في عمليات التنمية والبناء بتقدم وسائل الاتصال وخدماتها المختلفة في كل بيت، وفي كل مؤسسة مجتمعية كما يحدث اليوم مع تصوّر الطفرة النوعية الهائلة في المعرفة العلمية لاحقاً بمقدار يزيد عن المعرفة اليوم بأكثر من خمسة وعشرين مستوى.

    كما تتمكن الدولة آنذاك من إلغاء تام لجعل المرأة عنصراً غرائزياً واستثارة شهوانية محرَّمة تدغدغ غرائز الرجال كما كان سائداً في فترة غيبة الإمام المهدي عليه السلام، بل لن يسمح مجتمع “المستقبل” وحكومته الربّانيّة في عصر الظهور بأية فعالية سلبية معوّقة لنمو المجتمع عبادياً وحضارياً، وبالتالي تتوجه حركة المرأة المؤمنة المنتظرة باعتبارها جزءً منه صوب عمليات البناء الحضاري في مسارها الصحيح، ويضع إمكانياتها – كإنسان منتج – في خدمة هذا المسار لتعمير الحياة على أسس عبادية.

    وإذا تمكنت المرأة من الإبداع والتقدم في مختلف مجالات الحياة، فإنّ رشد المرأة العقلي وسمو قيمها وطهر أخلاقياتها في المجتمع الجديد يحملها على استخدام أمثل وفاضل لوسائل الاتّصال، وفي نشر المعرفة السامية والقيم النبيلة.

    وسوف تمكنها الوسائل المعلوماتية الحالية والمرتقب إنتاجها في المستقبل من إظهار فعالية ثقافية واجتماعية وإنتاجية عالية تساهم في تحقيق نهضة حضارية متقدمة تسعد الإنسان في الجانب المادي والتقني، بالإضافة إلى المحافظة على الجوانب الأخرى كالروحانيّات والقيم والفضائل والعلاقات الاجتماعية بين الناس.

* * * * *

خصائص عامة في شخصية المرأة:

بعد التمعن العقلي في عدد من الروايات التي أشرنا لها في بحثنا يمكننا استخلاص بعض الخصائص العامة التي تتميز بها شخصية المرأة المؤمنة المنتظرة بدرجة واضحة، وهي فعلياً قدرات ذاتية تجسد أحد أبرز عوامل تحقق الفعل الحضاري المتألق لدى المرأة، وسوف نشير في عجالة إلى بعض هذه الخصائص:

أولاً: الرشد العقلي:

يبلغ الإنسان المؤمن في مجتمع الظهور درجة عالية من الكمال العقلي دون تمييز بين رجال ونساء، وتنطبق هذه الحالة على النسوة، إذ تصل المرأة إلى أعلى مراتب رشدها العقلي وقمة نضجها الذهني والنفسي، وهذان عاملان يضعان المرأة في أوضاع جديدة تمكنْها من القيام بمهمات كبيرة تنعكس آثارها على شخصية المرأة، وعلى مجتمعها.

وتتجسد هذه السمة في كلمة “الحكمة” التي وردت في رواية “وتؤتون الحكمة في زمانه”، وهذا السمو يظل يتصاعد تدريجياً خلال فترة الغيبة الكبرى بالرغم من الصعوبات والمقاومة المضادة التي يثيرها بعض الرجال، فيحد ذلك من حركة المرأة وتؤثر سلباً على مساهماتها في البناء الحضاري للمجتمع الإنساني.

ولتأكيد بلوغ أفراد مجتمع الظهور هذه المنزلة العقلية الرشيدة خصّ المرأة بالتحديد، وعبّر عن أبرز مظاهر حكمتها، ورشدها العقلي بالقول “حتى أنّ المرأة تقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله.

وتتجلى “حكمة المرأة” ورشدها العقلي في مظاهر تمثل جميعاً نسيجاً مشتركاً من السمات السوية مثل:

  • طاعة الله ومعرفة الإمام القائد من الناحية الروحية أو السلطة الزمانية والسياسية.
  • اجتناب الكبائر التي توجب النار.
  • وضع الأمور في مواضعها.
  • حسن التصرف في المواقف.
  • التزين بالصمت والعمل العبادي المتقن.
  • ترك اللذّات المحرمة وتنظيم إشباع الحاجات.
  • الأعراض عن ملذات الدنيا الزائدة عن حد الإشباع.
  • انسجام الذات وتوافق القول مع القلب والفعل.
  • علم المرء بنفسه سواء كان رجلا أو امرأة.
  • التوله بالآخرة والعمل استعداداً لها.
  • ضبط النفس والسيطرة على انفعالاتها.
  • وعي المرأة بأحكام دينها ودنياها، ونفاذ بصيرتها وعزم إرادتها.
  • قابليتها لتعديل سلوكها بنفسها أو بمعاونة غيرها من أبناء مجتمعها وفق المعايير والمحددات الإيمانيَّة.

ثانياً: شجاعة المرأة وسكينتها:

ينسب للمرأة عادة سرعة هلعها وخوفها، واستجابتها بدرجة أكبر من القلق النفسي، بيد أنها تقلب حالتها السيكولوجية في عصر الظهور، فيتبدل خوفها أمناً وتتنقل بحرية وأمان، وتكون قادرة على اتخاذ قرار الحركة الاجتماعية من منطقة لأخرى لا يخيفها شيء… تمشي في العراء أو البر الخلوي بلا وجل، ولا يهّيجها سبع ولا تخافه، بل تمارس حريتها ومناشطها العبادية بدون صحبة من الرجال لدفع الخوف عنها أو حمايتها من غوائل الزمن.

إن هذه السكينة القلبية تمثل تجسيداً فعلياً لإرادة القوة والشجاعة ولثقة المرأة بذاتها، وللسيطرة الداخلية على ذاتها وضبط مشاعرها، وتمتعها باحترام يحمل الآخرين على عدم إيذائها أو لا ينهاها أحد، وتنطوي هذه الحالة إقراراً بالقوة النفسية التي تمكن المرأة من الدفاع عن نفسها.

ثالثاً: نشاط المرأة وعملها:

تعتمد المرأة على ذاتها، وتبلغ بهذه الخاصية مداها كما لحظنا ذلك في تحركها المستقل، وبحرية ودون خوف أو وجل، فهي لا تكتفي بتفتح شخصيتها ونضجها، والحصول على “الحكمة” كالرجال تماماً، بل تؤدي أدواراً تثبت كفاءتها، وتبرهن على رشدها العقلي، وقدرتها على تحقيق إشباع رشيد لحاجاتها، واهتماماتها بقضايا الشأن العام خاصة الهموم السياسية للمجتمع.

رابعاً: الطُّهر الأخلاقي للمرأة:

تصفي المرأة في مجتمع الظهور كل انحرافاتها الأخلاقية، وتسمو بذاتها ذهنياً ووجدانياً، وروحياً، وتتمكن من الانسجام التام مع قيم الدولة الإسلامية الجديدة والتوافق مع أنظمتها وتشريعاتها وأحكامها، وبذلك يتحوَّل الطهر الأخلاقي والوجداني للمرأة إلى حركة تجعل “حياءها ” الداخلي والفطري مظهراً للحكمة التي تبلغها المرأة، فتظهر سيطرة متألقة على نفسها وضبطاً لشهواتها.

خامساً: الثبات العاطفي والاتزان النفسي:

تندرج تحت هذه الخاصية الأساسية سمات وجدانية فرعية كالصبر والثبات أمام الشدائد، والشعور بالأمن النفسي، وثقة المرأة بذاتها، وقدرتها على مقاومة الإحباطات النفسية بدرجة أقوى وأكثر رشداً واتزاناً، والتعامل بقدرة أفضل على حسم الصراعات الداخلية حسماً موفقاً في ضوء المحددات التربوية والإيمانية.

* * * * *

ما هي مجالات الحركة الفاعلة للمرأة؟

من الصعب استنباط حديث مفصل عن الأدوار الحضارية الأساسية التي تقوم بها المرأة في عصري التوطئة والظهور في ضوء معاناة الباحث من ندرة النصوص في موضوع المرأة، بيد أنَّ الإشارة المجملة في بعض النصوص المتقدمة في بحثنا عن هذه الأدوار ربَّما تساعدنا على استجلاء رؤية عامة عنها.

فالنصوص الإسلامية تخوض عادة في قضايا تنبؤية مستقبلية بخطاب عام [٥٩]، وتترك تفصيله للتحولات التاريخية التي يمر بها الإنسان في حركة الحياة، والسبب في ذلك أنَّ الزمان سيشهد تفصيلاً للحوادث والقضايا العامة.

ولهذا فإنَّ الإشارة المجملة في نصوص النبوءة تقدم حصراً عاماً تساعدنا في تحديد الأدوار والمجالات الفاعلة للمرأة المؤمنة في عصر الظهور وقبله أيضاً خاصة بعد أنْ شهد الزمان فعلياً قيام المرأة بأدوار منصوصة عليها في بعض الروايات، وقد أثبت الزمان مصداقية الخطاب التنبؤي الإسلامي بتحقق وقائع كثيرة، وما يزال تحقق وقائع أخرى في طي الغيب.

ويمكننا الآن تحديد بعض الأدوار والمسئوليات والمواقف المتميزة التي يتوقع أنْ تقوم بها المرأة المؤمنة في عصر الظهور، مع احتمال تداخل بعض هذه الأدوار مع أدوار مماثلة تؤديها في عصر الغيبة.

ومن هذه المجالات:

أولاً: مشاركة المرأة في بعض المناصب القيادية:

تفيد بعض الإشارات الواضحة من الروايات الإسلامية في مصادر سنية أنَّ بعض النسوة المؤمنات هنَّ من أصحاب الإمام المهدي، وجماعة (الأصحاب أو الأنصار) كما تؤكد كل الروايات بلا استثناء من أخلص الجماعات المؤمنة.

وإذا صدقت بعض هذه الروايات – وهذا موضوع مختلف فيه – فإنَّه لا يستبعد أنْ تناط بها مسئوليات قيادية عليا حتى لو كانت في نطاق تنظيم النشاط الاجتماعي العام لجماعات النساء في المجتمع العالمي الجديد.

بيد أنِّي لم أجد في المصادر الإمامية [٦٠] حتى لحظة التدوين النهائي لهذا البحث سوى رواية واحدة تؤكد أنَّ بعض النسوة هنَّ من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام الذين يبلغ عددهم ثلاثمائة وثلاث عشرة بعدَّة أهل بدر، ومع ذلك سنحاول تسجيل هذه الروايات وتوثيقها وعرضها كرأي متروك للناس الإيمان به أو نكرانه في ضوء قناعتهم العقلية، واعتباره أحد الاحتمالات القابلة للجدل.

– تقول الرواية: ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً منهم خمسون امرأة يجتمعون في مكَّة [٦١]، ويقول أحد الباحثين المعاصرين من الإمامية أنَّه “لم يرد خبر وجود النساء إلاَّ في هذا الخبر الضعيف، لأنَّ وجود النساء بين الأنصار غير وارد في الحرب لسوى تضميد الجراح وبعض الإسعافات، وقد ورد حديث آخر عن الصادق عليه السلام أقرب إلى المعقول قال فيه مبيِّناً وشارحاً: “يكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة يداوين الجرحى ويَقُمْنَ على المريض [٦٢]”.

ويضيف هذا الباحث أنَّ هذا الخبر في نظره أقرب إلى الذهن، فمع الجيوش ممرضات مسعفات في غالب الأحيان.. والنساء لا يُشْركنّ يقيناً في البيعة الأولى ولا يعملن إلاً بعد أنْ تشب الحرب [٦٣]”.

– ويقول مقطع من إحدى الروايات المتوفرة في بعض المصادر السُّنيَّة أنَّه: “يجتمع إليه.. أي للمهدي.. ثلاثمائة وأربعة عشر فيهم نسوة [٦٤]”.

– وورد في رواية ثالثة: “أنَّ فيهم خمسين امرأة [٦٥]”.

– وتقول رواية أخرى أنَّ اجتماع أصحابه (كالطيور منهم نسوة [٦٦]).

ولكن بوجه عام يستفاد من روايات عديدة أنَّ أصحابه الخلََّص كلُّهم من الرجال.

ومع أن هذه الروايات الأربع قد تكون ضعيفة لا يُعّوِّل عليها بعض علماء الرواية ورجال الجرح والتعديل، إلاَّ أنَّ مشاركتها في بعض إدارة الشئون العامة للمجتمع من خلال تسلمها بعض المراكز والمواقع القيادية سواء في حركة الثورة المهدية على قوى البغي مع بدء عصر الظهور أو في مؤسسات الدولة بعد تحقيق الانتصار التاريخي ممكنة ويمكن قبولها لأنَّ ذلك مرهون بقدرتها على بناء ذاتها روحياً وفكرياً وأخلاقياً وتربوياً على نحو يؤهلها للانضمام لجماعة “أصحاب” الإمام المهدي عليه السلام، أو الانتماء لجماعات أخرى أقل نضجاً في ترتيبها الهرمي من مستوى جماعة “الأصحاب”، فالخطاب الإسلامي العام الوارد في الروايات موجه لجماعات لمنتظرين وأجيالهم المتعاقبة رجالاً ونساءً بلا استثناء أو تمييز.

بيد أنَّ الرواية السابقة القائلة بأنَّ الناس “يُؤْتّونَ الحكمة” بما فيهم المرأة تزكي قدرات المرأة، وتشهد على مستوى النضج النفسي والروحي والرشد العقلي غير المسبوق في شخصيتها آنذاك، وهذا النضج الذي يبلغ مداه تدريجياً بعد معاناة وتراكمات تاريخية مريرة يتيح لها فرصة النمو المتكامل والمشاركة في مناشط ومجالات الحياة الاجتماعية والسياسية كممارسة القضاء ومهنة الإفتاء، وتعليم كتاب الله، وأداء مهام اجتماعية وسياسية وثقافية متنوعة، وتمكنها من بناء شخصيتها وفق المحددات العبادية التي يريدها الإمام المهدي عليه السلام.

ثانياً: مشاركتها في عملية تربية كوادر المنتظرين:

سبق لنا الإشارة إلى فعالية المرأة في المجال التربوي، وتقدم الحديث عن مساهمة المرأة بفعالية كبيرة في تربية “كوادر المنتظرين” وتدشين ثقافة الانتظار وتأصيلها في حياة أفراد الأمة جيلاً بعد جيل، وتمكين الأمَّة من ترسيخ مقوِّمات خصوصيتها الحضارية الأصيلة وتأصيل هوية الذات المسلمة المنتظرة في عالم صعب يستهدف الإيمان الروحي ويتهدد بالخطر ثوابت الأصالة تحت مطارق المعاصرة والعولمة.

فعن طريق الجهود التي تبذلها المرأة المنتظرة، الصابرة على امتداد فترة انتظارها التاريخي للإمام المهدي يتم تغذية هذه الكوادر بالقيم الإيمانية والروحية وتكوين إطار مرجعي عقائدياً ومعرفياً كما نلحظ ذلك من أدوار فعَّالة تبذلها المرأة الآن في عصر الغيبة الكبرى، وهي أدوار تتأصل جذورها في مجتمع الظهور خاصة بعد شيوع الأمن النفسي للمرأة وتمتعها بقدر رشيد من الحرية والمسئولية وبثقة الدولة في القيام بالتعليم والعمل بمهنتي القضاء والإفتاء وممارسة الاجتهاد بعد بلوغها قدر متقدم من العلم سواء في أحكام الشريعة أو العلوم الدنيوية الأخرى كما تقدمت الروايات الشريفة.

وقد ناقشنا – عزيزي القارئ – بشيء من التوسع النسبي لهذا الدور التربوي الحضاري عند حديثنا عن “فعل المرأة بين الرصد والحركة” المتقدم في موقع سابق من بحثنا، وأكدنا على ما تضطلع به المرأة المؤمنة المنتظرة من مسئوليات وأدوار تربوية وثقافية وحضارية متألقة في التوطئة وإعداد “كوادر جماعات المنتظرين” وتربيتهم في ضوء ثقافة الانتظار جيلاً بعد جيل، ولذلك لا حاجة لنا بإعادة تكراره.

ثالثاً: مجال النشاط الإنتاجي:

انخرطت المرأة المسلمة في عصر الغيبة الكبرى كما يعلم القارئ الكريم في أعمال وأنشطة إنتاجية متعددة يصعب العودة عنها في عصر الظهور ما دامت مؤيدة بتوافقها مع المعايير الشرعية، وما دامت تستجيب لحاجات المرأة ومتطلبات حياتها المعيشية، ومعبرة عن جوانب من رشدها العقلي.

ولهذا يتوقع في إطار التوقعات الروائية بنمو إمكانيات المرأة في مجتمع “الظهور” ونضج قدراتها إلى منتهى مداه أنْ تستمر المرأة في مساهمتها في قطاعات إنتاجية وإنسانيَّة يحتاجها المجتمع الجديد وتلبي حاجتها في الحياة الشخصية والاجتماعية كالتعليم والتمريض والإفتاء وممارسة القضاء وأنشطة إنتاجية أخرى، وسوف ترسخ أنظمة الدولة الإسلامية العالمية هذه المساهمة والمشاركة الإنتاجية.

بل ستفتح دولة “الإمام المهدي” عليه السلام المجال واسعاً للمرأة لممارسة أنشطة أخرى يتحفظ المجتمع المسلم في عصر الغيبة على عمل المرأة فيها خوفاً عليها من مخاطر العابثين واعتداءاتهم، وسوف تسقط هذه الذريعة بالتأكيد كما نصَّت على ذلك روايات مررنا بها في تضاعيف بحثنا.

ولكنَّها ستعيد بكل تأكيد تنظيم ” الواقع المنحرف ” والمحرَّم للأعمال والمناشط الاقتصادية التي لا تتناسب مع كرامة المرأة أو تلحق الضرر النفسي والجسدي بإنسانيتها، وتستبدلها بأعمال وأنشطة مباحة.

وتفيد بعض الروايات مثلاً أنَّ الإمام المهدي يأمر بحفر الأنهار ومدِّها مع بعضها، وحفر القناطر وبناء السدود والجسور، وتوسعة شبكة المياه من مصادرها الطبيعية كالأنهار لإمداد النبات واستصلاح الأراضي للزراعة في أماكن نائية كالصحاري، فتنشط الحياة الزراعية مثلاً، وسوف تشارك المرأة – حتى المتقدمة في السن – في هذه القطاع الاقتصادي.

يقول الإمام الباقر عليه السلام: “كأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل [٦٧] فيه بر.. أي الحنطة.. حتى تطحنه بلا كراء [٦٨]”.. أي مجَّاناً.

وكما تفيد الرواية السابقة من مضمونها فإنَّ المرأة المسلمة المكافحة – على ما يبدو – سوف تقوم بطحن نصيبها من حبوب (الحنطة) في المطاحن العامة التي تمتلكها الدولة وتتركها للاستخدام الجماهيري مجَّانا بلا كراء، وبدون فوائد أو ضرائب تُدْفَع للدولة من قبل عامة الناس.

وتبيِّن الرواية المتقدمة واحداً من المناشط المألوفة لدى الناس سابقاً وحاضراً ومستقبلاً، ومع أنَّ النوع الاقتصادي المذكور في الرواية نشاط إنتاجي بسيط وعادي إلاَّ أنَّ الرواية لا تستهدف مجرَّد تحديد نشاط معيَّن بذاته بقدر ما تريد توضيح أمرين:

  1. أنَّ المرأة المسلمة في دولة الإمام المهدي عليه السلام حتى العجوز المتقدمة في السن سوف تستمر في مشاركتها الفعَّالة بالعملية الإنتاجية داخل مجتمع الظهور، ولن تتوقف عن دورة العمل، وفي مختلف الأنشطة الاقتصادية التي تستجيب لقواعد ومعايير المشرع الإسلامي، وتصب منفعتها لصالح المرأة ذاتها، وفي خير المجتمع الإنساني وتقدمه.والرواية تذكر لنا مثالاً حيَّاً لهذه الاستمرارية من خلال الإشارة لنشاط إنتاجي يناسب قدرات المرأة العجوز المتقدمة في عمرها، وفي هذا دلالة على أنَّ المرأة القادرة على العمل والمشاركة في المناشط الاقتصادية تتيح لها الدولة فرصة الاستفادة من الأجهزة الإنتاجية واستثمارها بلا تحكم من قوى الاستغلال التي تعوَّدت على مظالمها للإنسان في مجتمع ما قبل الظهور.
  2. أنَّ جميع المناشط الإنتاجية الخاضعة للمعايير التي تقبلها معايير المشرع بما فيها النشاط المذكور في الرواية ستلقى دعماً ومساندةً وتعزيزاً من قبل دولة الإمام عليه السلام، وسوف تترك الحرية للمواطنين وأفراد مجتمع “الظهور” لممارسة أي نشاط يرتضونه وفق المعايير التي لا تتيح لهذا أو ذاك ممارسة الحرام واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، أو العودة إلى حياة الفساد في الأرض.وهذا هو منطق الإسلام في تنشيط الحياة الاقتصادية لأنَّ “الأرض كلَّها لله ولمن عمَّرها”، وكل “من أحيا أرضاً مواتاً فهي له [٦٩]”.

* * * * *

  1. الهيثمي المكي، أحمد بن حجر / القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، تحقيق مصطفى عاشور، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة.
  2. الهيثمي المكي، أحمد بن محمد بن حجر / القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، تحقيق مصطفى عاشور، دار مكتبة القرآن للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
  3. شيخ الطائفة الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن / كتاب الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، إيران، الطبعة المحققة الأولى، تحقيق الشيخ عبد الله الطهراني والشيخ على أحمد ناصح، تاريخ الطبعة ١٤١١هـ – ١٩٩٠م.
  4. الشيخ الصدوق، رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه / من لا يحضره الفقيه، ج ٣، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الخامسة، سنة الطبع ١٣٩٠هـ.
  5. النعماني، أبو زينب محمد بن إبراهيم بن جعفر / كتاب الغيبة، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى، سنة ١٩٨٣م.
  6. الهاشمي، السيد باسم / دولة المهدي، دار الحق، بيروت، الطبعة الأولى، سنة الطبعة ١٩٩٤م – ١٤١٥هـ.
  7. الشيرازي، السيد حسن الحسيني/ كلمة الإمام المهدي، مؤسسة الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، سنة ١٤٠١٤٠٣هـ – ١٩٨٣م.
  8. الكاظمي، السيِّد مصطفى آل السيِّد حيدر/ بشارة الإسلام، تحقيق داود الميرصابري، الناشر قسم الدراسات الإسلامية – مؤسسة البعثة، طهران، الطبعة الأولى سنة الطبع ١٤١٠هـ.
  9. القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم / ينابيع المودة لذوي القربى، الجزء الثالث، تحقيق السيد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأسوة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، سنة الطبع ١٤١٦هـ.
  10. القزويني، سيد محمد كاظم / الإمام المهدي من المهد إلى الظهور، مؤسسة الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، سنة الطبع ١٤٠٧هـ – ١٩٨٧م.
  11. الكاظمي، السيِّد مصطفى آل السيِّد حيدر/ بشارة الإسلام، تحقيق داود الميرصابري، الناشر قسم الدراسات الإسلامية – مؤسسة البعثة، طهران، الطبعة الأولى سنة الطبع ١٤١٠هـ – ١٩٩٠م.
  12. سليمان، د. كامل / يوم الخلاص في ظل القائم المهدي عليه السلام، دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة السابعة، سنة ١٤١١هـ – ١٩٩١م.
  13. المتقي الهندي، علي بن حسام الدين / البرهان في علامات مهدي آخر الزمان، منشورات شركة الرضوان، قم المقدسة، مطبعة خيَّام، سنة ١٣٩٩هـ – ١٩٩٩م.
  14. الكوراني، الشيخ علي / عصر الظهور، القسم الإعلامي والثقافي في مؤسسة الشهيد، لبنان، توزيع مكتبة القدس التعاونية، تاريخ النشر سنة ١٤١٣هـ.
  15. الكوراني وآخرون، الشيخ علي / معجم أحاديث الإمام المهدي، الجزء الثالث، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، إيران، الطبعة الأولى، سنة ١٤١١هـ – ١٩٩١م.
  16. ابن الصبَّاغ المالكي المكي، علي بن محمد / الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، سنة الطبع ١٤٠٩هـ – ١٩٨٨م.
  17. ابن كثير الحافظ الدمشقي، إسماعيل عماد الدين بن عمر / علامات يوم القيامة، وتحقيق وتعليق عبد اللطيف عاشور، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، سنة الطبع ١٩٨٠م.
  18. الصافي، لطف الله / منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر، طهران، الطبعة الثانية، بلا تاريخ.
  19. المجلسي، محمد باقر / بحار الأنوار ج٥٢، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة المصححة، سنة ١٩٨٣م.
  20. الصدر، السيِّد محمد / تاريخ ما بعد الظهور، دار التعارف الطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية.
  21. مدن، يوسف / بناء الشخصية في خطاب الإمام المهدي، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، سنة ٢٠٠٠م.
  22. مدن، يوسف / سيكولوجية الانتظار، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، سنة ٢٠٠٠م.
  23. المقدسي الشافعي السلمي، يوسف بن يحي/ عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، تحقيق د. عبد الفتاح محمد الحلو، تعليق الشيخ علي نظري منفرد، انتشارات نصايح، قم، الطبعة الأولى، سنة الطبع ١٤١٦هـ.

* * * * *

[١] كتاب الغيبة للنعماني / باب (١٣) حديث ٣٠ ص ١٥٨

[٢] بحار الأنوار / للمجلسي ج ٥٢ ص ٣٥٢

[٣] انظر كتابي سيكولوجية الانتظار / المعنى الصحيح للانتظار ص ٣٠ – ٣٤

[٤] انظر روايات الفرج في كتاب الغيبة / للشيخ الطوسي وغيره ص ٤٥٩

[٥] ميزان الحكمة / ج ١ ص ١٣٤

[٦] ميزان الحكمة / ج١ ص ١٣٣

[٧] كتاب الغيبة / للشيخ الطوسي ص ٤٥٥

[٨] تاريخ ما بعد الظهور، للسيِّد محمد الصدر ص ٢٧٠

[٩] انظر كتابي ” بناء الشخصية في خطاب الإمام المهدي ” / الفصل الثالث ص ١١٩.

[١٠] سيأتي توضيح أعمق وموسع لمفهوم الحكمة إذا تطلَّب البحث ذلك.

[١١] لا يمكن بكل تأكيد التنكر لأشكال الدفاع المخلصة عن المرأة المسلمة التي تحمل فيها المؤمنون والمؤمنات كل أشكال الإيذاء والاضطهاد خاصة في عصر التمرد على قيم الدين.

[١٢] نذكر في حديثنا هنا (انحراف النساء) أو موضوع (تفوقهنَّ) في الخطاب التنبؤي الإسلامي العام لأننا نناقش في هذا البحث موضوع المرأة وحركتها الحضارية الإيجابية في نهضة المجتمع الإنساني، وإلاَّ هناك شواهد أخرى وكثيرة على تطابق نص النبوءة الإسلامي وحركة الواقع الإنساني كما في مسألة (انحراف الرجال) مثلاً أسوة بانحراف النساء، فالنص يحمل بين دفتيه تنبؤاً بحوث وقائع في المستقبل الإنساني منصوص عليها في روايات البشارة أو الفتن.

بينما يؤكد الواقع الإنساني ذلك وكأنَّه مرآة عاكسة لمحتوى النص ومضمونه، فمؤشرات تعديل السلوك تجاه ” المرأة ” وتغيير النظرة إزاء قدراتها المعطلة تفيد بهذا التطابق، فلن تتمكن المرأة من بلوغ قمة نضجها، وحكمتها، وأداء أدوارها التقدمية في مجتمع الظهور ما يبدي المجتمع اهتماماً سوياً وإيجابيا بالمرأة ويعينها على تنمية قدراتها، وذلك بتحديد مواقف سليمة من شخصيتها كعنصر بناء فاعل في الحياة.

[١٣] كلمة المهدي / للشيرازي ص ٣٠٨.

[١٤] سبق لنا تحليل هذا الدعاء في دراسة مستقلة موسعة، وتناولنا الوصية الأخلاقية الإرشادية التي طالب الإمام المهدي نسوة المؤمنين بالتقيد بها واتباعها. انظر كتابنا ” بناء الشخصية في خطاب الإمام المهدي ” / الفصل الخامس ص ٢٥٤ – ٢٦٤

[١٥] وردت نصوص وروايات تنبؤية بما يقوم به الرجال من أفعال صحيحة أو منحرفة من الناحية الشرعية والعبادية، وهذا الوضع الروائي قد شمل أيضاً ما تقوم به النسوة – عربيات أو عربيات.. مسلمات أو غير مسلمات.. من أفعال تتراوح بين الحلال والحرام كالرجال تماماً.

[١٦] يوم الخلاص في ظل القائم / للأستاذ كامل سليمان ص ٣٢٥

[١٧] أنظر كتابي ” بناء الشخصية في خطاب الإمام المهدي ” / الفصل السابع ص ٢٥٤ – ٢٦٤

[١٨] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / للمتقي الهندي ص ١١٢، ١١٨

[١٩] من لا حضره الفقيه / للشيخ الصدوق، ج ٣ ص ٢٤٧

[٢٠] عقد الدرر / للمقدسي السلمي ص ٤٠٩

[٢١] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / للمتقي الهندي ص ١٢٨ – ١٢٩

[٢٢] عقد الدرر / للمقدسي السلمي ص٤٢٣، وكتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / ص ١٢٨، وكذلك كتاب يوم ” يوم الخلاص ” ص ٤١٣

[٢٣] الحرب العالمية الثالثة والأخيرة / للشيخ فيصل هيات ص ١٢٤

[٢٤] عقد الدر / للمقدسي السلمي ص ٣٤٩

[٢٥] الفصول المهمة / لابن الصبَّاغ ص ٢٩٢

[٢٦] علامات يوم القيامة / لابن كثير ص ٩٣

[٢٧] علامات يوم القيامة / لابن كثير ص ٩٣

[٢٨] الحرب العالمية الثالثة والأخيرة / للشيخ فيصل هيات ص ١٢٤

[٢٩] ناقشنا في كتابنا ” سيكولوجية الانتظار ” / الفصل الرابع مجموعة من العوامل المؤثرة في سيكولوجية المنتظرين وتكوينهم النفسي والعقلي، وقد أشرنا إلى دور ” ثقافة الانتظار ” كأحد هذه العوامل في التكوين النفسي لجماعات المنتظرين خلال فترة الغيبة التي ينتظر المؤمنون ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ويمكن للقارئ الكريم قراءة هذا الفصل .

[٣٠] كتاب الغيبة للنعماني / باب (١٣) حديث ٣٠ ص ١٥٨

[٣١] بحار الأنوار / للمجلسي ج ٥٢ ص ٣٥٢

[٣٢] عقد الدرر/ للمقدسي السلمي ص ٢٠٢، وكتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / للمتقي حسام الدين الهندي ص ٧٨

[٣٣] عقد الدرر / للسلمي المقدسي ص٣٥٢

[٣٤] عقد الدرر / للمقدسي السلمي ص ٤٠٨

[٣٥] ينابيع المودة / للقندوزي ج ٣ ص ٤٢٣

[٣٦] بحار الأنوار / للمجلسي ج ٥٢ ص ٣١٩.

[٣٧] بحار الأنوار / للمجلسي ج ٥٢ ص ٣١٩ نقلاً عن كتاب ” الخصال ” للشيخ الصدوق

[٣٨] الإمام المهدي من المهد إلى الظهور / للقزويني ص ٥٨٦

[٣٩] القول المختصر في علامات المهدي المنتظر / لابن حجر ص ٢٩ – ٣٢، وكتاب الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢٨٨ – ٢٩٢

[٤٠] أي أنّ الإمام محمد بن الحسن المهدي (صاحب الأمر) عليه السلام يغترف من المال الكدوس الوفير بيده اغترافاً دون أن يعّده، ويعطيه من احتاجه.

[٤١] انظر بعض الروايات في كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢٨٧ – ٢٨٨، وكتاب القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر ص ٣١ – ٣٢.

[٤٢] عقد الدرر / للمقدسي السلمي ص ٢١٩، وكتاب ” القول المختصر لابن حجر ص ٣٩

[٤٣] عقد الدرر / للسلمي المقدسي ص٣٣، وكذلك كتاب ” القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ” / لابن حجر الهيثمي / ص ٣٣، وكتاب الفصول المهمة لابن الصبَّاغ ص ٢٨٧

[٤٤] بحار الأنوار / ج ٥٢ ص ٣٢٦

[٤٥] نقصد بالعبودية الداخلية استجابة المرأة في عصرنا وما تقدم من أزمنة لشهواتها المحرَّمة، وسيطرة رغباتها غير السويَّة في طلب اللَّذات على نحو تذل فيها المرأة نفسها وتجد نفسها عاجزة عن التحرر من شهواتها، وهي بهذا الاستعباد أكثر خضوعاً من خضوع الرقيق، فكما قال الإمام علي عليه السلام: ” عبد الشهوة أذل من عبد الرق “، أمَّا العبودية الخارجيَّة فيتجسد في فرض أشكال الذل والظلم واضطهاد الآخرين، وتمكن الآخرين من استلاب شخصيتها وتهديد كرامتها بالقهر والإهانة.

[٤٦] علامات يوم القيامة / لابن كثير ص ٢٦

[٤٧] المصدر السابق / ص ٩١

[٤٨] انظر كتابه (علامات يوم القيامة) ص ٢٨، ٨٩، ٩٢

[٤٩] دولة المهدي ص ١٥٧ نقلاً عن بحار الأنوار / ج ٥٢ ص ٣٣٠

[٥٠] منتخب الأثر في معرفة الأئمة الأثني عشر / ص ٤٨٣

[٥١] المصدر السابق / ص ١٥٨

[٥٢] كتاب الغيبة / للنعماني ص ٢١٩، وكتاب ” بحار الأنوار ” للعلاَّمة المجلسي، ج ٥٢ ص ٣١٦، وكتاب ” بشارة الإسلام / للكاظمي ص ٢٧٨

[٥٣] عصر الظهور / للشيخ الكوراني ص ١٢٨ نقلاً عن كتاب ” بحار الأنوار ” / ج٥٢ ص ٣٢١

[٥٤] الحرب العالمية الثالثة والأخيرة / ص ٥٩

[٥٥] تاريخ ما بعد الظهور / للسيد محمد الصدر ص ٨٣٦ نقلاً عن كتاب ” بحار الأنوار ” / ج٥٢ ص ٣٩١

[٥٦] بحار الأنوار / للمجلسي، ج٥٢ ص ٢٣٦

[٥٧] تاريخ ما بعد الظهور / لمحمد الصدر ص ٨٣٥

[٥٨] منتخب الأثر / للسيد لطف الله الصافي ص ٤٨٣، وكذلك معجم أحاديث المهدي / للشيخ الكوراني ج٣ ص ٣٢٤- ٣٢٥

[٥٩] وبالرغم من الإشارات المجملة في كثير من الروايات والنصوص للحوادث والوقائع المستقبلية في حياة الأمة والإنسانية بوجه عام خاصة في القضايا السلوكية، إلاَّ أنَّ بعض النصوص القليلة تتوجه إلى التفصيل والتنبيه الدقيق وكأنًّ قائل الرواية يعيش بين جنبينا في هذا العصر الصعب.

[٦٠] توحي بعض الأسماء التي وردت في مقطع من خطبة البيان المنسوبة للإمام علي عليه السلام التي شكَّ فيها بعض العلماء بوجود نسوة مثل: ” تكيَّة – ناجية – سبأ – قبضة – هواشب – عتاب – كوثر – صدقة – كلثوم ” / انظر كتاب المهدي من المهد إلى اللحد /للسيد القزويني ص ٤٠٧

[٦١] يوم الخلاص / ص ١٩٣

[٦٢] يوم الخلاص / ص ١٩٣

[٦٣] المصدر السابق / ص ١٩٣

[٦٤] القول المختصر في علامات المهدي المنتظر / لابن حجر ص ٣٢

[٦٥] دولة المهدي / باسم الهاشمي ص ٨٤

[٦٦] البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / للمتقي الهندي ص ١١٧

[٦٧] يراد بالمكتل هنا أي وعاء يصنع من خوص النخل، ويحفظ في داخله التمر وغيره من الثمار والخضار، وهذه التسمية مجرد إشارة رمزية لأي أداة أو وسيلة تستخدم في جمع المحصول الزراعي وتخزينه.

[٦٨] غيبة الطوسي / ص ٤٦٩

[٦٩] وسائل الشيعة / للحر العاملي، ج ١٧ ص ٣٢٧

شارك برأيك: