قراءة في رواية “وسلاحه البكاء” للكاتب كمال السيد – بقلم مصطفى حسن عبد الله

مصطفى حسن عبد الله
مصطفى حسن عبد الله

الكاتب كمال السيد يعتبر من الكتاب الذين أثروا المكتبة الشيعية بروايات عصرية تروي سيرة حياة النبي وأئمة أهل البيت الإثني عشر عليهم السلام، في هذه القصة يحكي سيرة حياة الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد عليه السلام من بداية حياته إلى نهايتها ولكن الرواية كانت بنظري غير مكتملة.

من حين جاءت السيدة شاه زنان بنت كسرى إلى المدينة المنورة أسيرة وزواجها بالإمام الحسين إلى أن ولدت بالإمام زين العابدين وفارقت الحياة في مخاض الولادة، تنقطع بنا الاحداث فلا نعرف من الرواية كيف جرت الأمور في بيت النبوة إلى أن نصل إلى واقعة الطف المريرة، حيث قتل جميع الرجال مع الحسين ما عدا الامام زين العابدين وقليل من الأطفال، ليؤخذ الإمام مع حرمات رسول الله إلى قصر الطاغية يزيد بن معاوية بقصص تفصيلية تدمي القلب.

“وإنّي نظرت إلى أبي وإخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي, فكيف ينقضي حزني؟! وإنّي لا أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة.”

الامام علي زين العابدين

يرجع الإمام زين العابدين بسيدات النبوة إلى المدينة ولا يلبث إلا أن يضرب الزمن بضربته فتحدث واقعة الحرة في المدينة وتنتهك الحرمات في المدينة وتزهق الأنفس بهجوم جند يزيد، وتصعد حركة المختار وعبد الله بن الزبير وترمى الكعبة بالمنجنيق ومن ثم يتخذ كل واحد طريقه فتنشأ دولة المختار وينتقم من قتلة الإمام الحسين، ثم ما تلبث حتى زالت دولة المختار ومن ثم قامت وزالت دولة ابن الزبير وبعدها استتب الحكم للأمويين.

ركز الكاتب كثيرا على تلك المراحل.. واقعة كربلاء والسبايا وثورة المختار شغلت أغلب صفحات الرواية.. وهذه الأحداث يعرف أغلب الشيعة أحداثها ويحفظونها، أي أنها لم تضف كثيرا من المعلومات، ولكنها كانت مؤثرة ومليئة بالحزن.. وعادة الشيعة أن يستعيدون ذات القصة ويتأثرون بها كأنها ألقيت عليهم أول مرة.

ولكن الشيء الذي كنت أبحث عنه في هذا الكتاب وهو حياة الإمام زين العابدين بعد كربلاء فجاء موجزًا ومقطعًا بدون حبكة واحدة ولكنه كان لافتا وجميلاً وفتح الباب لتساؤلات كثيرة، تحدثت الرواية عن أصحاب الامام زين العابدين والتي أظن أن أغلب الشيعة لا يعرفهم، تحدثت عنهم في لمحات خاطفة وأبقتنا متحيرين معهم:

منهم سعيد بن جبير من أصحاب الإمام السجاد، وممن قتل على يد الحجاج، وهذا الشخص مبجل عند السنة والشيعة معًا وكل فرقة تنسبه لنفسها، وكذلك أبو خالد الكابلي الذي ظهر في الرواية مع ابنته الصغيرة. وهناك شخصيتين مبجلتين عند السنة ذكرتا في الرواية، وهما سعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري، حيث أنهما كانوا تلامذة للإمام زين العابدين وصحبوه، وفي حين يتفق الشيعة على أن الزهري ليس من الشيعة بل قد يراه البعض بأنه تابع للأمويين، ولكنهم اختلفوا على سعيد هل هو مبجل عندهم أم لا، فهذه الشخصيات جاءت في الرواية في لمحات خاطفة دون أن نكون منها فكرة وافية.

إن الهدف الأساسي من الرواية هو تبيين الشخصيات لنعرف تكوينها ووجهات نظرها، فهؤلاء الأصحاب الأربعة الذين ذكرهم الكاتب لم يبحثوا بعناية ولم نعرف آرائهم وتاريخهم وبالتالي نضع نظرية متكاملة للوضع السياسي مع الحركة العلمية والحديثية مع الموقف من أهل البيت عليهم السلام، أنا أعرف أن هذا البحث شائك ولم يخوضه الكثير على مستوى الشيعة، ولكن ربما كنا نحتاج لأن نضعه قيد البحث. كذلك لم تذكر الرواية بعد كربلاء ذكرًا لسيدات النبوة السيدة زينب وأم كلثوم وسكينة، ولم يذكر زوجة الامام وهي السيدة فاطمة بنت الحسن، وكذلك لم يذكر ابنه الباقر عليه السلام الذي صحب أباه منذ كربلاء وزيد الشهيد ابنه الآخر، لم يضعنا الكاتب في كل هذا المشهد.

أنا لا أنتقد الكاتب بكل هذا، فهو يعمل على مايجده من أبحاث وروايات وفق جهده، أنا فقط أتسائل كي نجد في أنفسنا شيئًا من الفهم لهذه الحقبة، فنحن الشيعة نتخيل جيدًا المشهد العام في عهد النبي والإمام علي والحسين عليهم السلام من أسرتهم وأصحابهم وتحديات زمانهم.. ولكن مع هذه الرواية وجدنا مسودة عمل غير مكتملة تحتاج إلى بحث جاد يجعلنا نتعرف على تلك الأسرة النبوية التي كادت أن تفنى ولكنها ظلت محافظة على جذوتها في بيت صغير يتكون من الإمام السجاد وعماته وأخواته وزوجته وأبناءه، ومن الخارج كيف يقتدي به أصحابه وباقي المسلمين ووجهاء المدينة إلى الأمصار الأخرى إلى السلطة الحاكمة.

تاريخ غير مطروق يستدعي منا ان نبحث فيه ونفهمه، وكانت تجربة جيدة جدًا قضيتها في قراءة الكتاب، فالكاتب كمال السيد لديه أسلوب عذب ومؤثر ورواياته قيمة وجميلة وواضح فيها قدر الجهد الذي وضعه فيها وأنا لا أقول أن فيها شيئًا سلبيًا، أنا أقول أنها تحتاج إلى جهود أخرى سواءً كانت روائية أو بحثية لإكمال وتحسين ما بدأه الكاتب من جهود.

احتوت الرواية على تعريف جميل لتراث الإمام السجاد عليه السلام من الصحيفة السجادية.. مما اقتبسته من دعاءه عليه السلام:

“سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار، سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الأرضين سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفئ والهواء”

“الهي مَنْ ذَا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذَا الَّذي اَنِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عَنْكَ حِوَلاً”

“يا مُنى قُلُوبِ الْمُشْتاقينَ، وَيا غايَةَ آمالِ الْمُحِبّينَ، اَسْاَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلِّ عَمَل يُوصِلُني اِلى قُرْبِكَ، وَاَنْ تَجْعَلَكَ اَحَبَّ اِلَيَّ مِمّا سِواكَ، وَاَنْ تَجْعَلَ حُبّي اِيّاكَ قائِداً اِلى رِضْوانِكَ”

شارك برأيك: