لم يعد العمل التطوعي هواية نمارسها وقت فراغنا، لقد أصبح العمل التطوعي نشاطاً منتظماً متعدد الأبعاد يساهم في البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
يتباهى الغرب بأنه من ابتكر مصطلح المجتمع المدني الذي ينظم حركة المجتمع بوقود العمل التطوعي في مقابل السلطة التي قد يتسبب تغولها في الفساد وضياع الحقوق، غير أنه يحق لنا أن نتباهى بِما ورد في القرآن الكريم عن التطوع وما طبقه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من أسس لبناء المجتمع المدني المتحضر القائم على التكافل الحضاري.
المفكرون اليوم ينظرون للعمل التطوعي بوصفه أحد ركائز النهوض حيث من الممكن القول إن مجتمع دون تطوع، مجتمع بلا حضارة والتطوع فرصة المجتمعات لتطوير المستقبل.
ولكن كيف يكون التطوع فرصتنا لبناء المسقبل؟ من البديهي أن الحضارات تبنى على يد حفنة من الرواد لكنهم لا يصنعونها وحدهم، فالنهضة تحتاج لمجتمع قوي ولا يمكن أن يكون المجتمع قوياً إلا بالتكافل والتعاون الفعال وليس بالتعاون الشعاراتي، وخلاصة القول إن المجتمع القوي يعني أفراداً أقوياء وعلاقات صحيحة تشكل نظام اجتماعي منتج.
التجارب المضيئة للنهوض والتقدم في المجتمعات المعاصرة كثيرة وكلها تشير إلا نقطة جوهرية هي قدرة المجتمع على تفعيل أهم موارده وهو المورد البشري ضمن نظام اجتماعي منتج يقوم على تبادل المنافع وتوزيع المصالح وهو ما يمكن تعريفه بالتكافل في المنظور الإسلامي.
إن الدولة الحديثة لا يمكن أن تنهض دون العمل التطوعي بمفهومه الواسع وهو دور المجتمع ويمثل قدرة الأفراد في شكل تجمعات على تعظيم مواردهم بدءاً بالمورد المالي حيث اعتبر الإسلام الصدقة نماء للرزق وأكد أن المال الشخصي ينمو بالصدقة وهذه فكرة دقيقة بمعايير الإدارة المالية الحديثة حيث يمكن أن يعد التصدق بعشرة دنانير مثلاً تدويراً لهذا المبلغ ضمن النظام المالي بحيث يمكن أن تعود الدنانير العشرة في يد المتبرع بها اثنا عشر ديناراً بعد أن تكمل دورتها الاقتصادية في عدد من قطاعات الاقتصاد المنتج بينما يبقى مبلغ العشرة دنانير كما هو أو يقل إذا بقي في جيب صاحبه.
العالم يتطور والأفكار الخلاقة تأخذ مواقعها في بناء المجتمعات الحديثة فعلى سبيل المثال رفعت شركة مايكرسوفت التي بلغت موازنتها تريليون دولار مؤخراً رفعت مبيعاتها من خلال التبرع ببناء معاهد لتعليم الكمبيوتر في مناطق نائية في أفريقيا وهي فكرة تكافلية رائعة فمن خلال خدمة المجتمع تمكنت من فتح أسواق جديدة وحققت المزيد من الأرباح فقد خرجت المعاهد المجانية طلاباً متعطشين لشراء الأجهزة التي تنتجها الشركة، إنها الصدقة بمنظور التنمية المستدامة.
من خلال ما سبق يمكن تلخيص أضلاع المربع الذهبي للعمل التطوعي الحديث في أربع كلمات هي: (تكامل، تكافل، تنسيق، تنمية)، هذه التاءات الأربع هي سلم النهوض الحضاري لأي مجتمع يرغب أن يشق طريقه للمستقبل بين الأمم.
إن تكامل دور المجتمع مع الدولة وتدعيم علاقات المجتمع بالتكافل القائم على التنسيق بين شرائحه ومصالحهم المشتركة يؤدي إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المستدامة.