كتاب مهم يضعنا على تاريخ إقليم البحرين وهو كل المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية من أقصى الكويت الى أقصى الإمارات، كنت أتوقع الكثير من الحديث عن جزيرة أوال التي هي مملكة البحرين الحالية، ولكن ما بيدنا من مصادر تحكي أكثر الأمر عن مدينتي الأحساء والقطيف، ربما كانت التدوينات التاريخية أولت هاته المدينتين العريقتين أكثر من جزيرة أوال التي ربما لعزلتها في البحر لم تكن حاضرة بشكل رئيس في المشهد التاريخي.
جدير بالذكر أن ما عرفته من الكتاب هو وجود جزيرة تسمى سماهيج، أي أن مدينة المحرق كان اسمها أرادوس (عراد) في زمن الاسكندر وصار اسمها سماهيج في الفترة الإسلامية المبكرة، ونحن نعرف أن عراد و سماهيج حاليًا هما قريتان في جزيرة المحرق، مما نلمحه عن أوال أيضًا هو التواجد للمسيحية النسطورية التي عاشت زمنًا طويلاً في أوال وقطر، وكانت ذات ثقافة سريانية.
إذًا ما الذي فهمته من الكتاب، توجد قبائل نزحت واستقرت في إقليم البحرين، أهمها عبد القيس وتميم وبكر بن وائل والأزد، عبد القيس مالت نحو مدن القطيف والاحساء، أما تميم وبكر بن وائل احتفظت بشيء من البداوة، بكر بن وائل كانت أقرب إلى اليمامة، أما تميم وهي قبيلة كبيرة فتوزعت من شمال البحرين إلى جنوبه، هاجر كثير من بني تميم وبني عبد القيس إلى مدينة البصرة التي كان كل إقليم البحرين تابعًا لها في الحقبة الإسلامية المبكرة.
كانت الاحساء والقطيف بكل ملحقاتهم من القرى والموانئ بمثابة العاصمتين الأهم ولكن توجد أيضا مدن وقرى مثل النباج وثيتل وعينين والظهران وكاظمة وغيرها، عندما نعرف أن المنذر بن ساوى حاكم البحرين المنصب من الساسانيين هو تميمي فهذا يدل على أن هذه القبيلة هي المتولية سياسيًا وتجاريًا على المنطقة، أما عبد القيس وهم أقرب إلى الفلاحة والحرف المدنية فقد زار وفدان منهم النبي بزعيميهم المنذر الأشج والجارود العبدي وأسلموا وبنوا مسجدًا في جواثا في عهد النبي، وقاتل الكثيرون منهم مع الإمام علي عليه السلام فيما بعد.
حركة الخوارج في البحرين
تواجد الخوارج في اليمامة منذ ٦٥ هجرية بقيادة نجدة بن عامر الذي حالف الأزد وهاجم قبيلة عبد القيس في القطيف الذين يبدو أن هواهم كان علويًا حيث كانوا قبل عقول يسيرة قد قاتلوا مع الإمام علي عليهم السلم، كما هاجم الخوارج بني تميم في شمال إقليم البحرين، وبعد سنين بسيطة تغيرت الأمور فسقط حكم الخوارج في اليمامة ولكنه ظهر في البحرين وفي مدنها الرئيسة، قبيلة عبد القيس التي كانت ضد الخوارج تفشت فيها الكثير من حركات الخوارج وأخذت بشن هجمات على البصرة، أما الأزد فأصبحت ضد الخوارج.
اقليم البحرين قدم الكثير للحضارة
قدم أهل إقليم البحرين منتوجات كثيرة مثل التمور والدبس واللؤلؤ والمنسوجات والرماح وغيرها فكانوا أهل حضارة ولكنهم كانوا في الهامش، مع الأسف الشديد إن ما وصلنا من تاريخ هو التاريخ السيء، لا يكتب المؤرخون عن هذه البلاد الا حينما تكون هناك حرب أو صراع، وعندما يظهرون فيظهرون كهامش على المدن الإسلامية الكبرى، لذلك كان أهل البحرين يظهرون في التاريخ ليحققوا شيئًا ما يحسن من أحوالهم أيًا كان هذا القرار جيدًا أم سيء، فيحاربون الخوارج ثم يتبنون فكر الخوارج ثم تنشئ فيهم ثورة الزنج وبعدها تقوم فيهم دولة القرامطة الإسماعيلية وتستمر قرنًا كاملاً حتى أسقطتها الدولة العيونية التي نهضت على أنقاضها.
آراء لكي نشبك الماضي بالحاضر
تبدو القبائل التي سكنت البحرين متضادة ومختلفة وإن لم تكن تحارب بعضها ولكن توجد هناك فروقات سياسية وثقافية وفي أماكن السكن، قبيلة عبد القيس من الثابت أنها السلف للبحارنة الذين يسكنون اليوم في البحرين والقطيف والإحساء ولديهم لهجة خاصة مميزة هي اللهجة البحرانية التي تكونت في حواضر عبد القيس، أما تميم فمن الثابت أنها سلف لكثير من العوائل التي تسكن المنطقة الشرقية والبحرين وقطر والكويت والإمارات ونستطيع أن نقول أن اللهجة الخليجية وتفرعاتها في المنطقة الشرقية والبحرين وقطر والكويت والإمارات قد تأثرت بهذه القبيلة وبمن سكنها من القبائل الأخرى، وفي وقت لاحق تحول الاختلاف القبلي بيت تميم وعبد القيس إلى اختلاف مذهبي. أما بكر بن وائل فهي من جهة قبائل تسكن اليمامة قريبا من نجد، ولكن جزيرة أوال سميت بهذا الاسم على صنم تعبده هذه القبيلة كما أن هذه القبيلة أقرب القبائل نسبًا إلى عبد القيس، فهذا يدل أنها سكنت هذه الجزيرة بأعدادٍ كبيرةٍ ولكن لا نعرف عن هذه القبيلة التي قطنت أوال كيف انصهرت هل صاروا خليجيين مثل تميم أم بحارنة مثل عبد القيس؟!