قصاصات لمياء بقلم الأستاذ إبراهيم حسين

main_prt-1بقلم الأستاذ إبراهيم حسين
كتبت في: 12 / 7 / 2006

وسط الصخب والضجر، وأحياناً وسط لحظات من السعادة أتجه محمد لكتابة القصاصة هكذا بدأ محمد يتسأل.. لماذا كانت نفسه تخاطبه بل وتحاول أن تتفاعل مع قصاصاته الخائفة والتي عادة ما تعبر عن القلق والحلم التطلع وتتحدث عن المعاناة والمعوقات مع موجات التحدي وربما تعبر عن الانكسار والضعف، ومع كل ظرف تكون القصاصة تسجيل لموقف وإبداء الرأي وربما تأسيس لردة فعل وتوثيقها بالتاريخ والزمن لذلك فكانت قصاصات محمد لصيقة لتحركاته وتصرفاته ومشاعره.

وعادة ما يكتب القصاصة أو تنشأ وسط الظلام الحالك أو مع بزوغ الفجر أو حين الإنتهاء من صلاة الفجر أي الفترة مابين قدوم اليوم إلى حين طلوع الفجر وقرب بزوغ الشمس وشروقها كانت القصاصة شريكة حياته!! ودفتر حساباته.

وكانت الوحدة وظلمة الليل والهدوء والتفرغ وإنخراط الناس في النوم والسكينة دواعي كتابة القصاصة وقت تفرغه لها بعد فيضها وفرض نفسها كخواطر مشاغبة ومشاعر طاغية ومواقف بلورها الظرف والواقع. هوية هذا العطاء شوائب وافرازات نوائب وكوارث وامتعاضات وإن شئت فقل هي هواجس عمق تتبدى بأولويات الواقع فتظهر بوادرها فتتأزم وكأنها بركان من هنا يؤكد محمد بأن القصاصة تعبر عن ذاته.

وهي قناعات ثابته وأصيلة متأججة تخمدها الأولويات ويراهن عليها تكالب الزمن وتراكم الاحداث والمنغصات العديدة القصاصات الخائفة رؤية في الظل، يستعصي اليوم بها البوح بها والإجهار ويتنازعها شعور الغربة والخوف والتردد ويرسخها إفشائها لواعج النفس وواقع التحديات وربما توثيق الحقيقة وتأكيد الاستحقاق.

القصاصات هذه الوليدة الخائفة المرتجفة وإن شئت فهي وليد قلق منذ ولادته لانها مواقف يجب له أن يكون معلنهً مجهوراً بها لكنها مخبئة وكأنها لقيط ربما لكونها شعوراً ذاتياً فاضحا، وربما لكونها تطلعاً مستحيلاً أو تراه رؤية لكشف عورات واقعية مستورة ظلماً وتجاوزاً لكونها يستعصى على صاحبها فتح باب التحدي والمواجهة.

بهذه الخواطر الجامحة حول كتاباته بدأ محمد يومه مع إشراقة صباح يوم الأربعاء وهو يداعب بخياله أفق المستحيل، ويناغم الدنيا ليكتب قصاصة عن حبيبته لمياء.

كانت لمياء.. هاجسه وبريقه.. روحه وتطلعه.. حضوره وغيابه.. وكيثراً ما كان يكرر ويؤكد هذا الهذيان الأبدي الخالد في داخله ” أنت لي ” عبارته أنت لي ربما تكون رؤية مستحيلة أوكأنه يبحث عن موطئ قدم في أرض المستحيل حلم وتصور ورؤية لاتوجد إلا في مخيلته محمد فلمياء حلمه وعشقه وكم كانت ولاتزال تتغنى بها قصاصاته وخواطره كما تتغنى بألم وآمال الوطن، فالوطن ولمياء وجهان لعملة واحدة أو قل العقل والروح في جسد محمد!!

فلمياء خالدة في عمق محمد، ووجدان محمد، وقلب محمد، وعمر محمد، هذه اللمياء، لاتزال طائراً محلقاً لم يحل بعد، وأفق واسعاً لم تحطه الدوائر، أو تقيده الآفاق.

وهكذا يعيش محمد معها هيام.. وعشق.. وتغني بلمياء، هذه الأسطورة الغائبة الحاضرة الواقعية المستحيلة في دواخل محمد والسابح في ملكوتها!!

كم تتبدي معاناة محمد، وشقة نفسه، وعسر خواطره، وهو يتحدث في قصاصاته عن لمياء، لمياء الحلم والطائر المحلق المغرد بل والملاك الطاهر، الذي يستوحي الوجود ويختزله في نظرات العين، أو تورد الخدين أو إنفراج الوجه بإبتسامة هادئة عميقة غائرة في وجوهها وتداعياتها. محمد هذا العاشق لكيان مستحيل الثبات والقناعة وفي كل خاطرة يكون له معنى أو مسمى جديد.

لمياء الذي كلما استل محمد القلم للحديث عنها، كأنما استل سيفاً ليدخل معركة نضال وتحدٍ ومجابهه يحتاج الى استعداد وتروي وتهيوء، لمياء هذا الطوفان المزلزل، والبركان المدوي والعاصفة التي تجتاح الشوائب وتدك الأركان كيف هي في نفس محمد بريقاً لامعاً.. يرجفه.. ويقلقه!!

هذا الشعور وهذه الهواجس التي تتبدل وتتغير وأحياناً تتباين وتتناقض رأساً على عقب وأحياناً أخرى تتبعثر كيانات هلامية هنا وهناك!! لأنها هيامات أكثر تألقاً وأثارة ولم تكن لمياء مختلفة في طبيعتها عن بنى البشر، ولم تكن لمياء مختلفة عن بني جنسها في الملامح والحضور، لكنَ تميز لمياء، وتألقها في ذاتها كما الحديث عن الفاضلات العبقريات والنساء الخالدات، ليس حديثاً عن تميز في ملامح جسد ولكن التميز في الاداء والعطاء وفي هواجس القبول والرفض والتفاعل والقابلية.

كم كانت تتمايس لمياء ولاتزال وهي حاضرة أمام محمد وغائبة، كم تعانق بشموخها العبوق ونجوم العلا وهي تغازل محطات الذهول والتميز.

مذهلة هذه اللمياء، لمياء العطاء والجاذبية، لمياء القبول والرفض لمياء القناعات الراسخة وكم تمنى محمد أن يمنحه القدر والزمن وقتاً للوقوف عليها والفوز في أعماقها ليرى نبع الاضاءات والمحطات الحالمة المتطلعة وهي تعانق الخلود والتحدي والسمو في ذات لمياء وهواجسها وخواطرها حتى في عشقها النقي الطاهر الخفي المتزن الواثق الذي أرهب وأرجف محمد وهزِ كيانه الصلب المتماسك.

ليس لدى محمد شئ أكثر يستحضر قوله في كتابته فقصاصاته محرمة مقيدة مستورة لاسيما قصاصات لمياء هذه العلاقة التي شاء القدر أن تكون خافية والتي عادة مايرسلها رسائل الكترونية عبر الهاتف النقال بإسم مستعار تقرأ لمياء وتصد تتحدث في صمت بلحاظ العيون والابتسامات العميقة ذات الوجوه العديدة.

قد يكون محمد قد رسم حلماً اسطورياً في داخله عن لمياء ولكن لمياء الاسطورة واقع على الأرض أمام عينيه لايستطيع تكذيبه أو الصد عنه، إنها الحقيقة التي فرضت نفسها ووجودها في رونق من التطلع غريب عجيب جذاب خالد مذهل.. متساهي في أفقه وتداعياته.

بدأت ملامح البهجة والسعادة واضحة على وجه محمد وهو يستوفي سيرته مع قصاصات لمياء فقد كانت القصاصات تعابير، كلمات، ردود لفعل الصد والهجران والجفاء وأحياناً كلمات عتاب ولوم للحرمات، عشق خالد وهجران طاهر، وتوازن يحلم بالقبول والاحتواء والعيش الرغيد في كنف المحبوبة، وواقع يرفض هذا الشعور تطبيقاً وواقعاً ليعيش حلماً واقعياً مؤججاً لكل ماهو جميل ورائع، إنها روعة المتناقضات تتبدى في توازن رهيب حتى وهو يتألم للصد والهجران أو الصمت حين العتاب.. عبر النظرات.

كانت مقارنته رائعة بين قصاصات لمياء وقصاصاته الوطنية الهائجة، تتجاذب محمد هواجس القبول والرفض والقناعة والرضا، ويهيم محمد في كلماته وعباراته وحلمه وواقعه وكأنه يبحث عن مأوى وملجأً للقصاصات الخائفة أو أن شئت فقل القصاصات الهاربة إلى المجهول في نفس محمد وعقله هذا الجسد الذى احتفى الوطن بعقله، والروح تهم في واحة لمياء.

وفي ظل معترك المجهول وآفقه المترامي لاتزال قصاصات محمد مدوية بين وطنياته كجرح غائر دام ٍ موشى بالمعاناة والصبر والتطلع وبين وجدانياته الحالمة المحلقة في أعماق الحبيبة وفي كل حين ووقت يخاطب الوجدان والوطن وهو يسأل وهو من يجيب وربما كان عليه أن يقيم أيضاً.

كان محمداً في لطفه وعطفه وأحاسيس مشاعره رائعاً معطاءً، وقد انسابت بعض الكلمات لتعبر عن المزيج الرائع في داخله بين عقله وروحه، وطنه وحبه فردد هذه الكلمات:

لمياء أيها الوطن الموشى
لك عشقي وعطائي
ولك الوجود الأسمى
أنت العقل والخاطر
أنت الحاضر والغد
أنت الوطن بأفقه الجميل
لمياء أنت عمري ووطني.

ثم همس في داخله نعم ستبقى القصاصات خائفة هاربة لا مقر لها الا القلب والكلمات التي تزيد في اخافائها في ذرات تراب الوطن بأسماء وعناوين عديدة لتكون نبرات للصبر وافقاً واسعاً للتضحية.

نظر محمد في وجه لمياء البعيدة وهو يستقرىء ملامحه ليتبادل الخواطر معها فصدقت مقولته وعززتها قائلة له.. نعم هذا قدرنا، أن تكون قصاصاتك الهاربة من الواقع خائفة من الظهور ولتعلم أن ترنمك بي في ثنايا الوطن غرام أبدي أعشقه، وأردده في داخلي، وأن كنت القريب البعيد لكن روحينا رسائل سلام وطهر ترفرف على أرجاء الوطن وتقبل ترابه وذروات رمال شواطئه وتعيش في كنفه سعيدة فرحة هانئة بالعناء من أجله لاننا صورة جميلة رائعة مزروعة في هذا الافق الهلامي.

فنحن للوطن وليبقى الوطن رمزاً للخلود والمجد، ورمزاً للعطاء والبذل.

أن وطننا الغالي رونق الدنيا الزاهية، والبهاء السرمدي والمجد الخالد وهو ملجأ العشق وافق الهيام وساحة فضلى للتضحية والبذل.

حماك الله وسدد قلمك ورسخ جذور عطائك من أجل البحرين الغالية.

فرد عليها محمد قائلاً يحميك الله ويزيد في تألقك وجمالك ورغدك أيتها الحبيبة.

أغمض محمد عيناه، وأغروقت بالدموع وهو يهم في الخيال لكنه استيقظ على صوت لمياء تخاطبه محمد، ماذا بك؟

أجابها وهو في فرحة وسعادة وزهو أحلق في قصاصات لمياء!!

شارك برأيك: