هي الثانية و الأربعون دقيقة تقريبا ، موعد عودتي من العمل كل يوم ، ربما زاد هذا التوقيت حيناً و ربما نقص ..
.
عندما أصل إلى طريق منزلنا أجده يختبأ مسرعاً خلف إحدى السيارات أو بجانب كراج البيت لكي لا أراه ، و ما إن يرى السيارة تقترب من البيت حتى يركض نحوي على سبيل المفاجأة ( المكشوفة ) !
.
ما إن تستقر السيارة داخل الكراج حتى يفتح الباب مرتميا في أحضان أبيه ، في غمرةٍ من الحب الكبير ! ، و من ثم يناولني قدح الماء الذي اختلطت برودته بحرارة الجو ! تفضل يا أبي اشرب هذا الماء لأنك تعبٌ و عطشان .
.
أتناول منه ذلك الكوب و أشربه و إن لم أكن عطشانا ، لأتحسس من خلاله عذوبة الحب الذي اختلط به ، و ما إن أذقه حتى أقدر الفترة التي ظل ينتظرني فيها ، فنصف الكوب الأعلى برودته خفيفة ، و النصف الأسفل أشد برودة ! هذا يعني بأنه كان ينتظرني خارج المنزل لفترةٍ ليست بالقصيرة !
أي بُني… لماذا تنتظرني في هذا الجو الحار ؟! أنت تسقيني هذا الماء و أنا أرى جبينك يتصبب عرقاً بسبب حرارة الشمس و ربما حرارة الانتظار !!
.
بُني.. أحمد الله الذي وهبني إياك و إن كُنت لا أستحقك !
.
بُني.. كم أتعلم من دروسك الكثير !
أي بُني… إنك تعلمني كيف أهتم بمن أحب ، و كيف أبدي هذا الاهتمام و لا أخفيه ..
أي بُني… أنك تعلمني بأني لست بحاجةٍ للتكاليف الباهظة لإظهار الاهتمام بمن أحب .
أي بُني… إنك تعلمني الإحساس بتعب الآخرين و السعي للتخفيف عنهم و لو بالشيء اليسير ..
أي بُني… إنك تعلمني أن للابتسامة الصادقة أكبر أثرٍ على نفوس الأخرين ، و خصوصاً من نحب ..
أي بُني… إنك تعلمني ثقافة انتظار المحبوب ! مع الاستعداد لفرحة اللقاء و الارتواء من الظمأ !
أي بُني… أشكرك بأن ساعدتني على تربية أخوتك ، فهذا أخوك الصغير يحذو حذوك و أراه ينتظرني ليستقبلني بكوب ماءٍ آخر !
أليس هذا أكبر درسٍ لي و لكم ؟!