كشف الستار عن خيار التردد لـ المرحوم ابراهيم حسين بقلم عبد الاله قمبر

الاستاذ عبد الاله ابراهيم قمبر
الاستاذ عبد الاله ابراهيم قمبر

 

كشف الستار عن خيار التردد لـ المرحوم ابراهيم حسين بقلم عبد الاله قمبر

 

هذا كشف خجول لبرقع الغموض في المجموعة القصصية (خيار التردد)، للكاتب المرحوم الأستاذ إبراهيم حسين، وقد تناولت فيها عنصر الدلالة:

اسم المجموعة القصصية : خيار التردد . الطبعة الأولى سبتمبر 2006م.

للكاتب البحريني: أ. إبراهيم حسين إسماعيل، خاض أول تجربة نيابية كرئيس مجلس بلدي في مملكة البحرين سنة 2000م .

ملاحظة : 
يمكنك متابعة مجموعة مقالات المرحوم الاستاذ ابراهيم حسين اسماعيل عن طريق الرابط التالي :

https://nwidrat.net/home/category/literature/article/ebrahim-husain

 

عتبات المجموعة القصصية:

  • الغلاف : طفل ينظر من نافذة، يضع يده على خده، عيناه متأملتان، يظهر خلفه سريره في منزله الخشبي .
  • الإهداء : ( عنوانه : رسالة حب ووفاء ) : إلى تلك الشموع التي تحترق لتنير دروب العطاء، إلى أولئك أصحاب الفكر والرأي، إلى تلك الجهود المخلصة المعطاءة في صمت وتصبر. أهدي كلماتي المتواضعة نفثات خجولة .. أمام شموخهم. علها تكون شيئاً مذكوراً في بناء صرح الوطن الغالي .

نظرة حول العنوان (خيار التردد):

الأستاذ ابراهيم حسين
الأستاذ ابراهيم حسين

أن تختار الأفضل فهذا إعماد فكرٍ محمودٍ يزيل الحيرة ويزيح الضباب ويجلب الوضوح، لكن أن تختار (التردد) فهذا يعني الاستسلام المغلف بالصبر والمجاهدة والثبات ! وأعني به عنائك في البحث عن هذا الخيار !

 

ملخص مقتضب من بعض القصص :

القصة الأولى [ خيار التردد ]: رجل ينطلق بسرعة في حلكة الظلام، يتوجه نحو البحر، ينزل من السيارة يقف على الشاطئ، تنطلق منه حيرة قاتلة، يدور صراع حواري شديد بين (الإنسان فيه، وبين النفس)، وينتهي الصراع بأن لاغالب ! بل ازدادت الحيرة تعمقاً وازداد جرح الحيرة اتساعاً، فعاد إلى منزله .

 

قراءة تحليلية للقصة: إن أولى خطوات الإنسان في سعيه للفصل بين الزيف والحقيقة هو أن يبحث لنفسه عن مناخ نقي وبيئة سوية ليفتش فيها ملفاته بجرأة لايشوبها القلق، ولايعتريها الحذر، فيعرف موقع جهله من علمه، ووهمه من إصابته، فيفرُق بين مااختلط، ويرجع ماانطفأ من فاضل فكرته وجليل صفائه، وهنا الكاتب أتقن ذلك من خلال توجه الرجل إلى البحر، ذلك الصدر الواسع – في عالم المحسوسات – المنصت المعطاء، فالبحر هو القلب الإنساني عند المتصوفة، وذلك في دلالته على مركز العواطف، وفي العربية اشتقت للبحر كلمة تشير للأمومة وهي كلمة (اليم)، لقد شق الرجل الظلام بسيارته – وهو إيحاء عن كل صعوبة وظلمة – من أجل الوصول إلى هذه الأمومة. إن الحوار الذي اعتلج في شخصية الرجل كان بين قوتين تؤديان نفس التأثير في كيانه، فالضمير المتعقل ( الإنسان ) يقارع الأنا الأعلى ( النفس )، والاثنان يطرحان أدلتهما بنفس القوة، فالضمير المتعقل ينتصر لخياراته الموضوعية المراعية لأصول القوانين الاجتماعية والأخلاقية، أما الأنا الأعلى فإنه يقاتل من أجل إثبات اطروحاته المشبعة للميول والعطش الدفين في الذات. إن موضوع المجادلة بين هاتين القوتين هو التردد في الإقدام على (فتح ثقوب وتخريم جدران جديدة) لم يستطع أحد أن يقترب منها بالرغم من ركاكتها، إما ضعفاً أو حيرة مما يعقبها من أثر!، وفتح الثقوب وتخريم الجدران، دلالة على كل أطروحة أو موقف جديد لم يقدم عليه أحد ! فهو متحير يبحث عن خيار واضح ليحسم موقفه من التجرؤ على فتح هذه الثقوب! أما مصير الرجل فأصبح متعلقاً بيد القوى المتنازعة (الإنسان والنفس) ! وهما في تزاحمهما على كسب خيار الرجل يقدمان قناعاتهما بشكل متواز في القوة !! فالأنا الأعلى (النفس) متعقلة ! تحفز الإمكانات وتسخر الطاقات والقدرات وتعطي الزخم المتواصل لشكل الاستعدادت الممكنة، وتجعل من الاستحالة إمكانية لها مبرراتها وحدودها، أما الضمير الإنساني (الإنسان) فيبجث عن المثل العليا والموضوعية، فهما لايزالان في صراع مستميت، والرجل لا يملك في ذلك عدة ولاعتادا يستطيع بها التغلب لخيار الموضوعية، وذلك راجع لعوامل خلقها الزمن الناهش في شخصيته!، ينتهي كل ذلك بتعمق هذا الصراع، ولاحسم واضح لهذا التردد !

كتاب : خيار التردد

القصة الثانية [ صفعة القهر ] : رجل في السوق يشهد حادثة مؤلمة، وهي عجوز في أرذل عمره، عارض حاجياته للبيع – حاجيات تباع ولكن ليست في الدكان – على الرصيف، يباغته مفتش البلدية المتجبر، يذله بالصفعات المتقطعة والشتائم المجرحة، يطلب منه أن يحمل حاجياته ويرحل، فينهض في عجل قلق، والناس تلتهمه بعيونها، وأثناء رحيله تلتقي به امرأة، وتحاوره عمّا حصل، فينتهي لقاؤهما برفضه أخذ المال الذي أعطته إياه، فكلما استرجع هذا الرجل المشهد، تساءل : من لهؤلاء المساكين ؟!

قراءة تحليلة للقصة : إن من أهم واجبات الإنسان في الحياة أن يكون مسئولاً واعياً يؤثر في من حوله ويتأثر بهم إيجاباً، فليس الفخر أن تعيش هانئاً لايعلم بك أحد فتدّعي كفافك الناس أذيتك، إنما مطلوب منك أن تتفاعل وإن كلفكَ ذلك خسائر – في ظنّك والناس – فهي فضائل في نظر السماء، هذا الرجل الذي قص علينا مشهد ماحدث في السوق هو أنا وأنت وهو، فكلنا يشاهد كل يوم في حياته مواقف ظلم وإذلال واستغلالٍ، أسريةٍ كانت أم اجتماعية، وعلينا أن نحرك هذه المواقف درجات نحو سلَّم الإصلاح، أياً كان مقدارها وإن ضعفت! فهنا الكاتب قد جعل للرجل وظيفتين، أولآهما نقل المشهد، وثانيهما بث التساؤلات الحائرة المتعاطفة مع العجوز، فالوظيفتان اجتمعتا لخلق صورة ذات هدف واحد، فتجسيد الموقف بتفصيله، لم تكن سوى دعوة سجل فيها سبقاً إعلامياً من أجل إحداث صدمة للضمير الإنساني، وتوقيفه بعنفٍ أمام محكمة المساءلة، لعله يعترف بضرورة إعادته لقراءة مبادئه وأخلاقياته، أما الأسئلة وإن كانت في حقيقتها محاطة بعلامات الحيرة والتعجب، إلا أنها ستتحول يوم نكون أقوياء إلى ثورة تجرف الجهل والرذيلة ليحل العقل والفضيلة.

القصة الثالثة: [ هل يصفر عشب العطاء ] : عشبٌ مصفر بين أعشاب مخضرة، وكأنه إنسان ناطق، يصر على العطاء رغم مافيه من اصفرار بتحد وثبات، لكن المزارع الحاج محمد بحزن مضطراً لقلع هذا العشب من بين هذه المنظومة الخضراء، العشب يتوسل الزراع بأن يبحث له عن علاج، لكن لا فائدة، يستسلم العشب المصفر للقلع المحتوم، فيناجي ربه الرحمة صدقاً بأن يجعل آخرته جنة .

قراءة تحليلة للقصة: ما أجمل أن تصارع كينونةُ الحياةِ الموتَ من أجل العطاء، فتحدي البقاء هو الفناء في عزة، ومقاومة الجسد لعلاّت نفسه هي أشرف مقاومة يثاب عليها، حتى وإن غلب واستسلم فهو المنتصر، إذ يكفيه انتصاراً أن قاوم القدر المحتوم بسلاح الحب الصادق ! . وإن قلباً مجاهداً مخلصاً في طلب الحياة طمعاً للبذل، لهو قلب ما انكسرت روحه وهزِم وبدنه، إذ قويت إرادته وصلبت عزته. ومع كل ذلك فالموت هو الوجود الذي لاتخفيه أقنعة الأرض والسماء وإن كانت مجتمعة، فهل يختبئ الجسد خلف إصبعه !!

فالعشب هذه الشخصية المحبة للوفاء، تنظر مَن حولها، فتجده نبّاضاً صداحاً براقا، روائح عطرهِ الفواحة لازالت حية، وزغردات البلابل تخترق الأفق، إلا هي في وسطهم مصفرة !! فلم ينكسر سيماء شموخها، بل سعت متحدية لتصل بعنف إلى جداول الماء، لعل زينتها ترجع ونضارتها تعود ! لكنه يترنح متألماً من جراحاته التي تزداد تباعاً مع الأيام، فملامح التحدي والمقاومة (المختلطة بالحيرة والتساؤلات المهشمة لذاكرة هذا العشب) كانت تعتمد على ركيزتين، الأولى: هي الإرادة الذاتية القاسية على العلة، والثانية وقعت بعد تيقن عدم الإصلاح من الداخل، الاستعانة بالطبيب والمعالج المختص، لعله يجدُ سبيلاً لحالة اليأس المتجذرة، وهنا لعب الحاج محمد (الزراع) دور الحضن العطوف الطيب الهادئ لمن هم في مملكته، ولكن الحقيقة الثابتة تقول بأنّ القضاء فوق الأرباب! فالحاج محمد رغم رغبته المحبة الشفوقه مضطرٌ -في ضرورة – لقلع هذا العشب، وهكذا تجري رياح الموت بما لاتشتهيه علاقات المحبة الوثيقة وأواصر الملاطفة بين المزارعِ وهذا العشب المصفر! هكذا ظل العشب يتيم الحيرة، أسير النهاية القادمة، منقطعاً إلى خالقه يبحث عن البقاء السرمدي .

 

قراءة شاملة للمجموعة القصصية:

بعد هذه القراءة، نجد بأن الكاتب أراد أن يلفت النظر بأن مجمل قضايا الحياة، بكلّ تفاصيلها وتقلباتها تقحمك في الحيرة، وتدفعك للتعجب والتساؤل، والتيه في زحمة الأفكار المتضاربة، والخيارات المتلاطمة، فهي الحياة التي دائماً ماتفعّل استفهامَ “لماذا حصل هذا؟ وكيف يمكن حل ذلك؟ وأين توجد الحقيقة…الخ” ! وليس يعني هذا أن وضوح الخيار والقبض على عنق الحقيقة من بين خيوط القضايا الحياتية، عملية صعبة، بل هي على العكس من ذلك إن بدأ يصارح الإنسان نفسه وواقعه “بمنطق الحيرة الباعثة على الاستفهام”، الموصل بدوره إلى خلع الوهم الأسود الناخر في جسد العقل !!، وإن طال الصراع، وما “خيار التردد” إلا لبيان حجم هذه المزاحمة في شريعة الحياة.

 

 

عبدالإله قمبر

9 / 6 / 2007م

 

 

شارك برأيك: