جــنــتـــي ، بقلم الأستاذ ميثم عبد الله الشايب

جــنــتـــي

كان جالساً بجواري يجاذبنا أطراف الحديث حول موضوعٍ فكريٍّ جميلٍ ومشوّق، وسط بعضٍ من الأحبةِ و الأصدقاء …

كمْ أحبُّ سماع حديثه! إنه بمنزلةِ أستاذٍ لي، أتعلم منه الكثير كلما جلست إليه و استمعت لحديثه،

اهتزّ هاتفه أمامي، ودون قصدٍ اختلستُ نظرةً لشاشته فرأيت ” جنتي ” تتصل؛ أمسك هاتفه سريعاً وأغلق المكالمة دون أن يرد! وواصل حديثه الشيق لنا وبنا..

الأستاذ ميثم عبد الله الشايب
الأستاذ ميثم عبد الله الشايب

بعد حوالي نصف ساعةٍ، و بعد انتهاء الجلسة و بحكم ملازمتي له في السيارة وجدته يعيد الاتصال ب” جنتي “، و يحادثها بأرق و أعذب الكلمات، غير أني فهمت أنها تعاتبه لعدم حضوره إليها لعدة أيام ، و هي محتاجة لبعض حاجات !

لست بحاجة للإطناب في شرح المغزى من هذه الحادثة البسيطة، فاللبيب بالإشارة يفهم..

إنّه أنت وأنا.. أليس كذلك!؟

كم نتباهى بتقديرنا لأبوينا في مقام الكلمات والشعارات والتنظيرات! أمّا في واقعنا وترتيب سلم أولويتانا، أين نضع أبوينا؟

ربما أكون أنا و أنت ممن يُنظِّر لبر الوالدين و عدم عقوقهما (ظاهرياً) ، و مع ذلك نحن أول من يمارس ذلك ( خفيةً ) و دون وعي بذلك .. فوا أسفاه!

جميلٌ أن نَبرَهما ظاهرياً بإهدائهما الهدايا في المناسبات و الأعياد، لكن الأجمل من ذلك هو أن نراقبَ سُلوكنا معهُما، و سلوكنا مع الآخرين بحضورهما – و غيابهما – ، فكلما كان عملُنا حسناً و خلقنا جميلاً ، أدخل ذلك السرور على قلبيهما و رفعنا من شأننا و شأنهما ، و حظينا برضاهما و رضا ربنا،،

حريٌّ بنا أن لا ندعُهما يقوما بأي عملٍ بأنفسهم أثناء وجودنا معهم ننظر إليهما و ننشغل عنهما بأشياء ليست ذات ضرورة …

وما أحلى دخولنا عليهما بأرق تحيةٍ، ولقائهم بأعذب ابتسامة و أقدسِ قبلةٍ على جبينهما الذي طالما سجد لله خشوعا!

ما أجملَ حديثنا معهما بما يرغبون في الاطمئنان عليه ومعرفة أخباره و يسرهم سماعه …

و ما ألذها من لقمةٍ نأكلها على سفرةٍ هم متصدروها ، و ما أخسرنا إنْ بدأنا بأكل لقمةٍ من طبقٍ لم يأكلوا منه بعد !

هم المُقدَمون دائماً ،

 هم المُقدَمون دائماً ،

هم المُقدَمون دائماً ، في كل أولوياتنا !

فداك نفسي يا رسول الله .. حين أتاه أحد المجاهدين يشكو أبويه الكبيرين الذين يكرهون خروجه للجهاد بين يديه … فيرد عليه رحمة العالمين ” قرَّ مع والديك فوالذي نفسي بيده لأُنسُهما بكَ يوماً و ليلة خيرٌ من جهادِ سنة ” ( بحار الأنوار  ، ج٧١ ،ص٥٢ )

▪ليت شعري ،  ما أخسرني برحيلكِ أمي ؟! و لعمري ما زلتُ أجهلُ أيّ رحمةٍ فقدتُ  !

آه آه ، يا أماه ،، كم أشتاقك و أشتاق حضنك الدافئ!

رحم الله من أهدى ثواب الفاتحة لها و لأمواتنا و أموات المؤمنين و المؤمنات

ميثم الشايب

٥ / ٢ / ٢٠٢٠

شارك برأيك: