أحدث المواضيع

سفر المحبين بقلم مصطفى حسن

 

سفر المحبين

يتوافد الزائرون على مشهد الامام علي عليه السلام، فرادى وجماعات ، رجالا ونساء ، شبابا وشيوخا وأطفال ، اغلبهم عراقيون وقليل من الخليج وبعض من باكستان والهند وافغانسان  ، الصحن الخارجي مفتوح على السماء ، والذهب الذي يملأ البوابة والمنارتين والقبة التي تبدو كأنها شمس مشرقة في ظهيرة يوم شتوي.

في الصحن يجلس الناس يزورون ويدعون ويصلون الجماعة ، وعند الضريح قليل من الازدحام ، وكثير من الامنيات ، الكل جاء هنا لديه حاجة، لديه ما يشغله ويؤرقه ، يصل بالبكاء ويلتزم الشباك ويدعو، ثم يجد لنفسه مكانا في الداخل ، حيث الصالة الواسعة السقوف الفضية النيرة ومجاورة المؤمنين ، يقضي الزائر وقته في قراءة القرآن والادعية ويتوسل بصاحب المرقد الشريف.

كل الأمم تسافر لكثير من الفوائد، تفرج الهم وتكتسب المال و المعرفة وتجد الاصدقاء، وقد يوحي السفر عند البعض بمدن أوروبا الراقية أو غابات شرق آسيا الاستوائية، ولكننا هنا في قرانا في البحرين نشأنا على ان السفر في الغالب يكون الى تلك الأراضي المقدسة، ومن أحلى المشاهد العالقة في ذاكرتنا هو مشهد وقوف باص سفر في القرية توضع فيه الحقائب ويدخل فيه المسافرون، ويتجمع الأهالي يودعون المسافرين الذاهبين الى مكة والمدينة أو العراق أو سوريا. مع كل باص يغادر وكل طائرة تحلق الى تلك المشاهد المقدسة نتمنى لو كنا معهم ويحقق الله امانينا ولو بعد حين

في الكاظمية، يتوافد عدد اكبر من العراقيين، يدخلون على القبتين الشريفتين المتلألئتين من باب المراد ، يقف المريد على باب الامامين عليهما السلام ، يقبل الباب ويسأل الله وتنهمر دموعه في الطريق وعند الشباك، يلوح ضوء اخضر من داخل الضريح ، وتمر جنازة ويصيح المنادي، ويتخذ الزائرون لنفسهم مجلسا في صالة قريبة من الضريح ، يصلون ويدعون وتملئهم سكينة المكان ، ان من يستضيفه شخص جواد لا يرجع الا بالخير ، فكيف بمن قصد الله الجواد في مرقد عبديه الجوادين عليهما السلام .

في كربلاء، حيث القبتان الزاهرتان تتقابلان تحت ثلوج الشتاء، تستقبل الزوار القادمين ، وكعادته ضريح الحسين عليه السلام مليء بالعبرة والحسرة ، هنا سقط الأنصار ونزف الرضيع وعلي الأكبر اخر دمائهم وسقط الامام الحسين عليه السلام من فرسه مليئا بالسهام ، وهنا ناحت عليه نساء النبوة وملائكة السماء ، يا رب العزة الكريم ، عبادك ها هم أتوا قبر ابن بنت نبيك فاغفر لهم واقض حوائجهم وايدهم بروح منك يا أكرم الأكرمين

لكل منا ابتلائات ولكل منا حوائج، وحين يرى الزائر المهموم كيف انه ليس وحده المبتلى في هذه الحياة ويرى مظاهر الابتلاء حوله فيمن جاؤوا معه في الحملة واولئك المبتلين في الشوارع ، وحين يذهب الى ضريح ابي عبد الله الحسين عليه السلام ويتلو الناعي مصيبة الحسين عليه السلام يعرف حقا ان لا مصيبة كمصيبة ابي الشهداء.

يتعارف اهل البحرين على اهل القطيف ويتعارف اهل القطيف على اهل الاحساء ويتعرف الجميع على اهل العراق، وتتعاضد افئدتهم وهم يبكون في مجلس حسيني في ذكرى وفاة السيدة ام البنين عليها السلام ، تتربى الأجيال الجديدة على حب الحسين عليه السلام  وابي الفضل العباس واخوته الشهداء ، ويمضي الزمن سريعا في البقاع الطاهرة حتى يجتمع الجموع في كل مكان ليفرحوا بمولد السيدة الزهراء عليها السلام ، وتكون الفرحة فرحة القلب النابض بالامل على ذكرى ولادة الزهراء عليها السلام وعلى فرحة ما انزله الله من السكينة على القلوب. هذه هي عادة الاحبة يفرحون لفرح اهل البيت عليهم السلام ويحزنون لحزنهم. ويرجعون الى حياتهم مطمئنين بالله وراغبين في التوبة وتغيير النفس للأفضل.

رزقنا الله واياكم في الدنيا زيارتهم و في الآخرة شفاعتهم.

شارك برأيك: