تربية الأبناء
لست متخصصًا في التربية و علم الاجتماع، وعلى يقين بأن ما لدي من معارف ومعلومات لا تؤهلني للخوض في مثل هكذا موضوعات، ولكن بعد قراءتي لكتاب فرانز كافكا (رسالة إلى الوالد)، بدأت الأفكار والمعارف التي درستها وقرأتها وعرفتها عبر التجربة تخرج من منطقتها المنسية لتمثل أمامي، وقد انبرى البيتان المأثوران في تراثنا العربي
(وجرح السيف تأسوه فيبرأ . . وجرح الدهر ما جرح اللسان)
(وظلم ذوي القربى أشدد مضاضة . . على النفس من وقع الحسام المهندي)
لسنا هنا لمناقشة الشعر، وإنما للاستدلال التربوي والثقافي والاجتماعي، حيث يطرح كافكا في هذا الكتاب الذي هو رسالة طويلة جدًا العديد من القضايا التي ترتبط بالتربية وتهذيب النفس، وما تحمله هذه التربية من مفارقات ومقارنات وتناقضات عند الآباء تجاه تربيتهم لأبنائهم وبناتهم، وما ينتج عنه بعد ذلك من نواتج تعكس فعلها على شخصية من تربوا على أيدي هؤلاء الآباء.
ليس جديدًا ما طرحه كافكا تجاه التربية؛ لأن علماء التربية وعلم النفس أسهموا بدور كبير ونظروا بنظريات واجتهادات ومقولات سواء إن كانوا عربًا أو غير عرب، غير أن الملفت في هذه الرسالة الطويلة تلك التصريحات الصادقة الخارجة من ابن (كافكا) عانى المتاعب الكثير التي أثرت فيما بعد على حياته الاجتماعية والنفسية، المحاطة بالخجل والإنزواء والتواري، بل يصل الأمر إلى فقدان الثقة تجاه ما كان يقوله أمام والده الذي لا ينطر إليه إلا من زاوية دونية والتقليل من مواهبه وقدراته المختلفة.
وهنا أعاد بي الكتاب وصاحبه إلى طريقة التربية التي تربت عليها الأجيال – (تقريبا حتى مواليد السبعينيات من القرن الماضي) حيث الشدة والضرب وزرع الخوف والحذر غير المبرر، والتوجبهات الصارمة الصادرة من الآباء بداع وغير داع، فضلا عن الإهانات والإحباطات المتكررة بين الحين والآخر التي أثرت على الكثير منا في نمو شخصيته النمو السليم، بل تشظت هذه التربية وانتقلت إلى حقل التعليم التي مثلها مدير المدرسة وعصاه التي لا ترحم أحدًا صيفًا وشتاءً، فضلا عن بعض المعلمين القساة، إذ فقد الكثير من الطلبة بسبب هذه القسوة تحقيق أحلامهم؛ لأنهم فقدوا سخصيتهم وخرجوا من المدارس دون أن يكملوا تعليهم.
وفي الوقت الذي أدعو فيه إلى قراءة هذا الكتاب الصريح في طرحه، فإنني أدعو كل أب وكل أم لقراءة ما دعا إليه ديننا الحنيف في حقل التربية، وبخاصة أننا نجد التناقض في تمسك الآباء (ليس الكل) بتعاليم الدين الداعية للصلاة والصيام، وعدم الاهتمام بكيف يكون الأب قدوة في التعامل الصادق الخارج من رحم هذه التعاليم، ولهذا فإن الأبناء يلاحظون كلما كبروا في السن هذه التناقضات في السلوك الاجتماعي والممارسات الدينية التي تقف عند بعضها دون البعض الآخر. ما أجمل أن يكون الآباء مدارس تهيئة صالحة وقادرة على تربية الأبناء ونمو شخصياتهم القادرة على تحقيق ذواتهم واستقلاليتها.