الحلقة الأولى/ قرية النويدرات تمر بمرحلة جديدة بقلم الدكتور جعفر الهدي

 

الجمعية الحسينية

 

الحلقة الأولى/ قرية النويدرات تمر بمرحلة جديدة

كيف تحولت فكرة تأسيس الجمعية من جمعية خيرية اجتماعية إلى جمعية حسينية

من هم المؤسسون، ومتى كتب النظام الأساسي، وكيف نظمت هذه الجمعية أول استفتاء غير رسمي بالمنطقة؟

د. جعفر الهدي

تمثل الجمعية الحسينية بقرية النويدرات ذاكرة حية لأحداث محلية تحولت لاحقاً لذاكرة متصلة بالتاريخ الوطني، فقد أسهمت هذه الجمعية منذ بداياتها بزرع مبادرات على الصعيد الديني والاجتماعي والإداري أصبحت نموذجاً للكثير من المؤسسات الدينية والمجتمعية، وفي هذه الحلقة سنتناول المرحلة الأولى من تأسيس هذه الجمعية العريقة وانعكاسات ذلك على المستوى الوطني، علماً بأن التوثيق هنا سيركز على كتابة التاريخ وسنورد أسماء الشخصيات بما يتطلبه سرد الحديث ولن يكون محور حديثنا  تلك الشخصيات.شعار الجمعية الحسينية

  • الخلفية التاريخية:

النويدرات قرية صغيرة من قرى المنطقة الوسطى  بالبحرين، تقع على بعد ثمانية كيلومترات من العاصمة المنامة، تقع هذه القرية ضمن تجمع قرى يعرف بـ “قرى منطقة سترة” وهي إلى جانب النويدرات تضم قرى سترة التي تمثل تجمع ثماني قرى والمعامير والعكر ويمكن أضافة سند لهذه القرى، تمثل قرية النويدرات تجمع سكاني من النازحين من قرية (بربورة)، ويمكن القول إنها وريثة هذه القرية (المندثرة) وهي القرية التي لاتزال مساجدها وأثارها على مقربة من قرية النويدرات وعرفت بأنها مدينة العلم والعلماء، إضافة لعدد من العوائل المهاجرة من قرى عسكر وجو وفارسية بنهاية القرن الثامن والتاسع عشر بسبب الصراعات السياسية، ويرجح ألا يقل عمر القرية عن 350 سنة، عاش أهلها على الزراعة والبحر ومهن الصناعات التقليدية المتصلة بهما مثل صناعة المديد وأدوات المنزل وأدوات الصيد حتى نهاية القرن التاسع عشر، في أوائل القرن العشرين وتحديداً في الأربعينيات و الخمسينيات وبداية الستينيات بدأت مرحلة جديدة حيث كان أهالي هذه القرية يدخلون نقلة نوعية بتوجههم للعمل في شركة نفط البحرين (بابكو) المجاورة للقرية، وفي هذه المرحلة بدأ الأهالي ترك المهن المتعلقة بالبحر والزراعة، هذه المرحلة جعلت أهالي القرية في صدارة أفواج المتعلمين على المستوى الوطني، وتشكل وعي ثقافي مبكر، وبسبب وعي أهالي هذه القرية واهتمامهم بالتعليم مبكراً أصبح لاحقاً عدد من أبنائها في مواقع مهمة على الصعيد الوطني السياسي والعلمي والاجتماعي، فقد شغل الدكتور محمد علي الشيخ منصور الستري منصب الوزير لوزارتين هما وزارة العدل والشئون الإسلامية ووزارة البلديات وشغل منصب مستشار جلالة ملك البلاد، كما نال الدكتور عبد علي محمد حسن رتبة الأستاذية في المناهج وطرق التدريس وحظي بمنصب عميد البحث العلمي في جامعة البحرين وفاز بكرسي المجلس النيابي في الانتخابات النيابية لدروتين متتاليتين 2006و 2010، وشغل الدكتور منصور سرحان منصب مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي وعضواً بمجلس الشورى، وأصبح المرحوم إبراهيم حسين إسماعيل أول رئيس للمجلس البلدي بالمنطقة الوسطى، وكان رئيساً لمركز المعلمين، وشغل المحامي عباس الشيخ منصور الستري منصب عضو بالمحكمة الدستورية، والأستاذ محمد حسن الشيخ منصور الستري عضواً بمجلس الشورى إضافة لرئاسة تحرير صحيفة الميثاق اليومية (توقفت عن الصدور)، والمهندس عبد الكريم حسن إسماعيل مدير عام بلدية العاصمة، والأستاذ إبراهيم هلال مدير الموارد البشرية بوزارة شئون المجلسين، والمهندس جميل اكسيل مدير الإدارة العامة المشتركة بوزارة البلديات، إضافة لعدد من الأسماء التي شغلت منصب (ملحق ثقافي) ومنهم الأستاذ منصور مرهون الذي عمل ملحقاً في الكويت والقاهرة، والدكتور مكي سرحان في الهند والأستاذ جميل هلال في مسقط، كما برز عدد من الكتاب والمؤلفين من أبناء هذه القرية نذكر منهم المرحوم الدكتور مكي سرحان والدكتور منصور سرحان والأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ يوسف مدن والأستاذ محمد علي مكي، كما برزت أسماء على المستوى الثقافي العربي مثل الناقد الدكتور فهد حسين والشاعر أحمد مدن، كما خرجت القرية جيل من الرواد من المعلمين اللذين كان لهم دور بارز في النهضة التعليمية الوطنية، وخرجت القرية جيل من الأطباء مثل الدكتور محمد ناصر والدكتور قاسم عمران والدكتور عبد النبي درباس، وأعداد من المهندسين، وتضم القرية شعراء وباحثين لا يتسع المجال لذكرهم هنا.

من ذاكرة النويدرات | البدء في هدم وإعادة بناء الجمعية الحسينية ١٠ مارس ٢٠٠٥م
من ذاكرة النويدرات | البدء في هدم وإعادة بناء الجمعية الحسينية ١٠ مارس ٢٠٠٥م

وبسبب الوعي المبكر لأهالي هذه القرية كانت ولا تزال قرية النويدرات مساهمة في النهضة التعليمية والثقافية على المستوى الوطني، وهي حاضرة بقوة في المحطات السياسية المختلفة فقد اختير المرحوم الحاج أحمد بن معراج ممثلاً لهيئة الاتحاد الوطني عام 1956، وشاركت القرية في جميع المنعطفات الوطنية.

  • الخلفية الدينية:

على الصعيد الديني كان هناك خمسة مساجد موزعة على (القرية القديمة)، في المقابل كان هناك تسعة مآتم (حسينيات) وهي ظاهرة غريبة بالنسبة لقرية صغيرة حيث لم تكن القرى المشابهة لها تحتوي على أكثر من حسينية أو اثنتين، وسط هذا العدد الكبير ولدت فكرة تأسيس جمعية وذلك في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ويرجح أن تكون ولادة فكرة التأسيس في عام 1958م، وقد قصد المؤسسون باستخدام مصطلح “جمعية” أنها ستكون مؤسسة خيرية اجتماعية جامعة لجميع أهالي القرية.

لعل السؤال الهام الذي يطرح نفسه هو: لماذا فكرت تلك الكوكبة من أهالي النويدرات في تأسيس جمعية حسينية وهم يمتلكون تسعة مآتم، خاصة إذا تأملنا أسماء المؤسسين فسنجدهم من الأسر التي تملك المآتم التسعة وأن بعضهم رؤساء لهذه المآتم أو أعضاء فيها؟

  • فكرة تأسيس الجمعية:

لا يوجد توثيق دقيق لكيفية بلورة فكرة تأسيس الجمعية، لكن المقدار المتيقن إن الفكرة ولدت لدى مجموعة المؤسسين بنهاية الخمسينيات من القرن المنصرم، إن وجود تسعة مآتم في قرية النويدرات تؤكد أن الكوكبة التي فكرت في تأسيس (الجمعية) لم تكن تفكر في إضافة حسينية أو مأتم آخر، هذا ما يؤكده الدكتور عبد علي محمد حسن إذ يقول”بدأت الفكرة تتداول بين عدد من الأفراد لتأسيس جمعية خيرية اجتماعية يكون المأتم أحد أركانها”، وهذا يوضح أن فكرة تأسيس الجمعية كانت استجابة للوعي الاجتماعي الديني الذي تشكل مبكراً في تلك المرحلة، كما أنه يعد طموحاً كبيراً لبناء مؤسسة اجتماعية خيرية تواكب مستوى المرحلة الجديدة التي دخلت بها القرية، وكان على رأس أهداف المؤسسين أن تكون للقرية مؤسسة جامعة تضم كافة أبنائها وتقدم الخدمات الاجتماعية والخيرية، وتشمل خدماتها تنظيم الشأن الديني بحيث يكون لها دور في جمع كلمة المآتم والتنسيق بينهم بشأن موكب العزاء وأوقات القراءة الحسينية وغير ذلك، وبالفعل نجحت الجمعية الحسينية في المحافظة على خروج موكب عزاء موحد للقرية، كما نجحت في التنسيق بين المآتم بشأن إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام حيث جعلت الاحتفالات موحدة تنظم في جميع المآتم من قبل اللجنة الثقافية بالجمعية الحسينية.

يؤكد الأستاذ محمد الدولابي إن فكرة تأسيس الجمعية بدأت عام 1958م لكنها تبلورت بداية الستينيات وكان المشروع عبارة عن تأسيس جمعية خيرية اجتماعية، ويرجح أن فكرة التأسيس كانت من أفكار الحاج حسين بن علي ومعه مجموعة المؤسسين الأوائل اللذين سنذكرهم لاحقاً، وقد بدأ المؤسسون بوضع أول لبنة للمشروع بفتح محل تجاري (دكان) قبل بناء المبنى، وقد وضع أعلاه إعلاناً كتب عليه “جمعية شباب النويدرات الخيرية” وقد ظلت هذه اللافتة الخشبية على المحل حتى الثمانينيات مما يؤكد أن فكرة التأسيس كانت بهدف إشهار جمعية رسمية.

  • الخطوة الأولى للتأسيس:

كانت الخطوة العملية الأولى لتأسيس الجمعية هي شراء الأرض التي سيشيد عليها مبنى الجمعية، وقد اختير الموقع الحالي ليكون مقر الجمعية وكانت عبارة عن مزرعة غير معمرة ليس فيها سوى بقايا جذوع النخيل وتسمى (دولاب الهولي)، وتعود تسميتها لمالكها السابق، وقد ذهب للتفاوض لشراء الأرض مع مالكها حينها وهو الحاج حسين بن ربيع  كل من الأستاذ جعفر اكسيل والحاج عبد الله بن حسن بن سرحان والحاج حسين بن علي بن الشيخ والحاج حسن زيد الدولابي، ويرجح أن يكون مقترح الموقع جاء من قبل الحاج عبد الله بن حسن والأستاذ جعفر اكسيل لقرب مسكنيهما من الأرض ويتوقع أن يكونا قد علما برغبة الحاج حسين في بيع الأرض.

وقد تم شراء الأرض بقيمة 270 ديناراً وسجلت باسم الجمعية الحسينية بقرية النويدرات وتم قيد أسماء المشترين في الوثيقة وهم: الحاج حسين بن علي، والأستاذ جعفر اكسيل، والحاج عبد الله بن حسن، والحاج حسن زيد.

إلى جانب التحرك على شراء الأرض لبناء مقر للجمعية كان هناك التحرك الموازي لإشهار هذه الجمعية بشكل رسمي.

  • كتابة النظام الأساسي:

يرجح أن النظام الأساسي للجمعية الحسينية كتب في منتصف الستينيات وأطلق عليه “دستور الجمعية”، وقد كتب هذا النظام الدكتور عبد علي محمد حسن ولا تزال الوثيقة التي كتبها بخط يده محفوظة لدى إدارة الجمعية، وتعد خطوة كتابة النظام الأساسي مؤشر على وعي القائمين على تأسيس الجمعية بأهمية بناء مؤسسة خيرية اجتماعية،  فالمآتم ليس لها نظام أساسي مكتوب وهي تعمل وفق أعراف موروثة وراسخة ولكنها غير مكتوبة، وبالتالي فإن كتابة هذا النظام تثبت أن فكرة تأسيس الجمعية كانت تأسيس “مؤسسة خيرية اجتماعية” لمواكبة التطور الذي تمر به القرية في تلك المرحلة والذي أشرنا إليه في المقدمة.

يقول الدكتور عبد علي محمد حسن ” إن النظام الذي كتب كان جيداً بالنظر لتلك المرحلة، وقد عرض على المرحوم الشيخ منصور الستري وأبدى بعض الملاحظات البسيطة عليه، ثم أقر من قبل المؤسسين”، وقد تم تعديل هذا النظام مرتين وسنأتي على ذكر ملامح التعديلات في الحلقات القادمة من تاريخ الجمعية.

يوثق كتابة هذا النظام الأساسي المتكامل لأمرين مهمين أولهما: الحراك الاجتماعي المبكر في هذه القرية لبناء مؤسسات اجتماعية فقد تزامن هذا التحرك أو سبقه إنشاء مؤسستين رياضتين ثقافيتين في القرية وهما نادي النويدرات الرياضي والثقافي وفريق النويدرات الرياضي وكان لهاتين المؤسستين دور على الصعيد الرياضي والثقافي، وثانيهما: التغييرات الثقافية التي تتسارع بسبب تخرج عدد من أبناء القرية من المدارس والتحاقهم بالجامعات.

  • خطوات تسجيل الجمعية رسمياً:

يروي الدكتور عبد علي محمد حسن إنه وبمعية المرحوم الحاج عباس البربوري قاما بأول خطوات إشهار الجمعية بأوائل الستينيات، حيث ذهبا لمقابلة جواد سالم العريض نائب رئيس مجلس الوزراء حالياً، و كان يشغل منصب مدير إدارة الخدمات الاجتماعية قبل أن تتحول هذه الإدارة إلى وزارة، وقد تمت المقابلة في مكتب العريض بالمبنى الواقع جنوب بريد المنامة القديم، وقد قدمت له الأوراق متضمنة النظام الأساسي وخطاب يتضمن رغبة المؤسسين في إنشاء جمعية خيرية اجتماعية، وبدوره رحب العريض بالطلب وتم تسجيله بشكل رسمي وبناء على ذلك تم فتح حسابين بنكيين باسم الجمعية بعنوان “Noidrat walfare society” ، ويتضح من العنوان مرة أخرى أن الجمعية المزمع تأسيسها كانت جمعية خيرية اجتماعية.

بقي طلب اشهار الجمعية لدى إدارة الشئون الاجتماعية وقد واجه الطلب بعض العقبات من قبل الجانب الرسمي حيث تم تحويله لأكثر من جهة، لكن النتيجة أن الجمعية لم يتم إشهارها.

  • المؤسسون للجمعية الحسينية:

يرجح أن يكون هناك أسماء كثيرة ساهمت في تأسيس الجمعية لكن أبرز هذه الأسماء هي: الحاج حسين بن علي بن الشيخ والحاج عبد الله بن حسن بن سرحان والحاج جاسم بن علي بن مدن والدكتور عبد علي محمد حسن والحاج حسن الدولابي والحاج عباس البربوري والحاج علي صليل وإبراهيم حبيب وحسن الصميخ والأستاذ عيسى إسماعيل والحاج عيسى أبو عبيد.

ومن المؤكد أن هناك تباين في أدوار المؤسسين وتاريخ التحاقهم بالعمل في الجمعية، كما يمكن القول إن هناك جيل التحق بالمؤسسين مبكراً مثل الحاج حبيب بن علي بن عبد الله والحاج علي مطر، ثم التحق جيل جديد وأصبح له دور مؤثر في مسيرة الجمعية ومنهم الشيخ جاسم قمبر والأستاذ عبد الله عباس مال الله والأستاذ علي قمبر وهذه الأسماء التحقت بجيل المؤسسين في السبعينيات وهناك أسماء أخرى لا يتسع المجال لذكرها.

  • تنظيم أول استفتاء في القرية:

ونحن نتكلم عن تاريخ الجمعية الحسينية بقرية النويدرات نقف عند بعض الأحداث التي تفسر تركيبة المجتمع النويدري عامة وتجعلنا نفهم المؤسسين للجمعية تحديداً، ففي نهاية الستينيات نسلط الضوء على واحد من المؤشرات الهامة على وعي المجتمع النويدري ووعي المؤسسين لهذه الجمعية، وهو تنظيمها لـ (شبه استفتاء) لحل مشكلة الخلاف بشأن المشاركة في عزاء المحرق حيث اشتكى أصحاب المآتم من خلو القرية بيوم العاشر من الأهالي بسبب احتشادهم في ذلك العزاء المركزي واعتبروه اضعافاً للحضور في مآتم القرية وطالبوا بإيقافه، ولمعالجة هذا الموضوع قامت إدارة الجمعية بتنظيم (استفتاء) داخل القرية وشكلت لذلك لجنة تمر على المنازل والمحلات والأسواق لتسجيل أراء الناس في الموضوع وقد توصلت هذه اللجنة إلى أن غالبية الأهالي يرفضون الاستمرار في  المشاركة في العزاء المركزي بالمحرق، وبناء على الاستفتاء قررت إلغاء مشاركة موكب القرية في ذلك العزاء، لكن مجموعة أخرى من مجلس الإدارة تمسكت بالمشاركة وأصرت على مواجهة قرار الجمعية ونظمت عملية المشاركة وقامت باستئجار الحافلات وتوفير الرايات والأعلام وتمت المشاركة في ذلك العام وهو ما تسبب في استقالة رئيس الجمعية والتوافق على رئيس جديد.

  • ستون عاماً من الانتخابات:

ستون عاماً تقريباً والجمعية الحسينية تجري انتخابات منتظمة وهادئة، ورغم الظروف السياسية التي مرت بها البلاد في مراحل مختلفة فإن الجمعية كانت تحافظ على توازنها بالالتزام بالعمل بنظامها الأساسي وبالقوانين المعمول بها في البلاد، وقد التزمت الجمعية بالمحافظة على عملها الديني والاجتماعي بعدم التدخل في السياسة والبقاء على مسافة واحدة من كافة التيارات التي مرت خلال هذا الأعوام، لقد جعل هذا التعامل الواعي للأجيال المتعاقبة من الجمعية مؤسسة اجتماعية راسخة تمثل كافة أبناء المجتمع وتؤدي دورها بدقة.

من الطبيعي أن تحدث التباينات في أي مجموعة أو مؤسسة لكن الفيصل في التعامل مع هذه التباينات من كافة الأطراف، ويعد تعامل المختلفين في أي مؤسسة مؤشر للوعي الخاص بالمؤسسة والوعي الاجتماعي العام الذي يلقي بظلاله على وعي العاملين فيها، وعندما نتحدث عن أول خلاف حدث في الجمعية بشأن المشاركة في عزاء المحرق ويرجح أنه حدث في نهاية الستينيات وكان يترأس الجمعية حينها الدكتور عبد علي محمد حسن، ونظراً لما حدث من رفض مجموعة لقرار الجمعية وتسييرها للعزاء في المحرق قدم الرئيس المنتخب استقالته، وبشكل هادئ تم قبول استقالة الرئيس والتوافق على رئيس جديد وذلك يعبر عن وعي مبكر بالقدرة على إدارة الاختلافات.

تعاقب على رئاسة الجمعية في هذه المرحلة المبكرة عدد من الرؤساء منهم الحاج حسين بن علي والدكتور عبد علي محمد حسن والحاج حسن زيد والحاج عبد الله بن حسن والحاج علي بن جاسم بن مدن.

  • التوزان في العلاقات:

حافظت الجمعية على علاقات متوازنة من كافة الجهات فقد ربطتها علاقة طيبة مع السلطة الدينية بدءاً من علاقة الدعم والمؤازرة التي ربطتها بالشيخ منصور الستري رحمه الله، وصولاً لمرحلة دخول الشيخ الدكتور جاسم قمبر ليكون أحد أعمدتها الفاعلين والمؤثرين في مسيرتها، ولعل أبرز الأعمال التي قام بها الشيخ جاسم هو تصديه لعريضة صدرت في السبعينيات أبان المد العلماني في البحرين، وقد تصدر العريضة عدد من القرية وكانت تطالب بحل الجمعية وتحويلها إلى محلات تجارية يعود ريعها للمآتم القائمة، ولكن الشيخ تصدى لهذه العريضة وأسقطها بحراك اجتماعي وتعاون رسمي من قبل إدارة الأوقاف الجعفرية.

ولا تزال الجمعية تحافظ على تنسيق دائم مع مؤسسات القرية الحالية مثل الجمعية الخيرية ونادي النويدرات واللجان الأهلية، كما حرصت الجمعية على المحافظة على علاقاتها الرسمية مع جهات الدولة المختلفة ملتزمة بكافة الأنظمة والقوانين وهي بسبب هذا التوزان تحولت لمؤسسة اجتماعية فاعلة وممثلة لجميع الأهالي ففيها تقام فعاليات مجالس الفاتحة والأعراس والمحاضرات والتعليم الديني وغيرها من الأنشطة الاجتماعية ومنها حملات التبرع بالدم والمرسم الحسيني، ولأنها استقرت في الذاكرة الاجتماعية العامة فلا شك إن الجمعية تذكر في كثير من المحطات التاريخية لهذا الوطن ومن ذلك زيارة ملك البلاد للجمعية لتقديم العزاء لعوائل المتوفين في حادثة سقوط طائرة طيران الخليج في 23 أغسطس عام 2000 وهي حادثة تاريخية تعبر عن جزء من ذاكرة البحرين الوطنية وتلاحمها عند الشدائد، وقد توفي في هذه الحادثة مضيف طيران جوي من أصول نويدرية وقد حضر الملك مراسيم عزاء المتوفي في المبنى القديم للجمعية، وتعبر هذه الزيارة عن لفتة تاريخية تشير لموقع هذه الجمعية في الذاكرة الوطنية.

أخيراً يجب أن نشير إلى أن تأسيس جمعية النويدرات الخيرية القائمة حالياً كجمعية أهلية متخصصة تم في مسار تاريخي منفصل، وقد تأسست تحت مسمى صندوق النويدرات الخيري بتاريخ 27 مايو 2001م على يد 16 مؤسساً من أهالي القرية، و تحولت الى جمعية النويدرات الخيرية سنة 2009م، ويمكن أن نعود للحديث عن هذه الجمعية في حلقات قادمة.

أختم هذه الحلقة بهذه القصة لبيان علاقة هذه الجمعية بالتاريخ الوطني وأهمية تدوين تاريخا كجزء من هذه الذاكرة.

ترقبوا الحلقة الثانية من تاريخ الجمعية…

شارك برأيك: