احترام لو شوي بقلم الاستاذ رياض سند

الأستاذ رياض سند
الأستاذ رياض سند

احترام لو شوي

عندما كنتُ في الصف الثاني الإعدادي كان لدينا زميل ضخم جدًا، يدخل للصف بصعوبة بعد أن يميل برقبته للأمام، وكثيرًا ما تنمّر عليه جميع تلاميذ المدرسة متندرين بضخامة جسمه، لم يخشاه أحد قط، لأنه يتمتع بأخلاقٍ عالية، ويرد على تنمر التلاميذ بابتسامة بريئة.

لم يكن صاحب الجسد الضخم ضعيفًا ليدافع عن نفسه، ولكنه لا يؤمن بأن القوة واستخدام العضلات تمنح الإنسان محبة من حوله، ولذلك سمح للتلاميذ بالتنمر عليه، حتى أصبحت من الطقوس اليومية التي يمارسها التلاميذ خلال الطابور الصباحي والفسحة وحصص الفراغ وحتى أثناء شرح المعلمين وقت الحصص.

ذات يوم وبينما كنا مندمجين في حصة العلوم دوى صوت قويٌ، فالتفت الجميع لا إراديًا لجهته فشاهدنا صاحب الجسد الضخم ملقىً على الأرض بعد أن خانه الكرسي في حمله. فتعالت الضحكات منّا ولكنها هدئت فورًا عندما شاهدنا الزبد قد ملأ فمه وغارت عيناه واضطرب جسده الضخم، فما كان من المعلم وضعه عل جانبٍ لكيلا يبلع لسانه.

بعد مدة استفاق صاحب الجسد الضخم، وسط علامات تساؤل منّا ومنه، وتم نقله للمركز الصحي وعرفنا من المعلم بأن صاحب الجسد الضخم يعاني من حالات صرع. العجيب في الموضوع أن جميع التلاميذ شعروا بتأنيب الضمير وتحول التنمر إلى تعاطف مبالغ فيه، فعندما يعود صاحب الجسد الضخم من حصة الرياضة أو المجالات يجد في طاولته ما لذّ وطاب من المأكولات، وأصبح تلاميذ المدرسة طَوْعَ أمره ينفذون له ما يريد.

بعد عدة أيام لاحظنا بأن صاحب الجسد الضخم يبتعد عن الجميع، ولا يريد أن يبقى معه أحد منّا ولكنه لم ينل مراده، فقد ظل التلاميذ يبحثون عنه لتلبية طلباته وتدليله ربما للتكفير عمّا ما بَدَرَ منهم سابقًا. وبعد انتهاء حصة الرياضيات قام صاحب الجسد الضخم من مكانه وتوجه ناحية السبورة وتكلم بطريقة حادة يطلب منّا عدم التعاطف معه، فهو إنسان مَنّ الله عليه بالصحة، ويريد فقط الاحترام.

لم نفهم ما طلبه منّا ربما لصغر سننا حينها، ولكن بعد مرور تلك السنين وتذكر أحداث هذه القصة يتضح أن أساس العلاقات بين الناس هو الاحترام، فيجب احترام الإنسان كأنسان وليس لأنه صاحب مال أو رب عمل أو مدير.

كم يشعر أصحاب الأمراض أو المعاقين بالحسرة والغُبن لإختلاف المعاملة بينهم وبين الأسوياء، فأغلب أصحاب الأمراض أو المعاقين قد جعلوا من ضعفهم مصدر قوة وصلوا بها إلى أعلى القمم يحسدهم عليها الأسوياء. فلا نكون معولًا لهدم عزيمة من يريد منهم أن يتغلب على كل الصعوبات التي تواجههم.

في النهاية انتقل صاحب الجسد الضخم من المدرسة لأن أغلب التلاميذ عاملوه بتعاطف شديد اشعروه بأنه يحتاج إلى تعاطفهم ومساعدتهم.

شارك برأيك: