حج مبرور وتقبل الله طاعتكم
كتب الله لي أداء الحج في إحدى السنوات، ولأن أعمال الحج تتطلب جهدًا بدنيًا، بالإضافة لقلة النوم وازدحام جدول الأعمال فقد أصبحت حافلة العودة للوطن أشبه بعيادة للمرضى فمعظمنا أصابته الكحة، أو التهاب اللوز، وغيرها من الأمراض المصاحبة لما بعد أداء مناسك الحج.
كان أحد كوادر الحملة الموكل بمرافقتنا أكثرنا مرضًا، ومع ذلك لم يكل أو يمل لكي يوفر كل سُبل الراحة للحجاج. ولم يكن يملك كرسيًا للجلوس عليه للراحة واكتفى بالجلوس على عتبات الحافلة. ولاحظتُ كما لاحظ غيري وجود كرسي شاغر كان لأحد الحجاج ولكنه عاد بالطائرة فلم يكن قادرًا على مشقة الحافلة وطول الطريق.
اقترح أحد الحجاج بأن يجلس كادر الحملة على هذا الكرسي الشاغر بما أن صاحبة غير موجود، ولكن صديقه الذي رافقه طوال أيام الحج رفض ذلك ووضع وسادته على الكرسي الشاغر، معللاً عمله بأن صديقه العائد بالطائرة هو من له الحق في الانتفاع بالكرسي ولن يسمح لأحد بالجلوس عليه مفضلاً وجود تلك الوسادة على جلوس أيٍّ كان. ربما كان لديه عذر مقنع آخر غير الذي أخبرنا به لكنه لم يفصح عنه. عاد كادر الحملة لمكانه على عتبات الحافلة تتصاعد أنفاسه وتنخفض حاله كحال كبقية الحجاج بسبب المرض.
يقول الإمام الصادق عليه (كونوا لنا دعاة صامتين) و ( كونوا لنا دعاة بغير ألسنتكم ) وهنا يتضح أهمية العمل والخُلق الحسن، فنجد البعض لا يترك الصلوات الواجبة والمستحبة ولكنه استأثر بالورث دون أخوته، أو كثير الصيام طيلة العام ولكنه يغش الناس في البيع والشراء. وتجد من يكثر من الدعاء والتوسل والبكاء ولم يسلم احدٌ من لسانه.
فالمؤمن الحقيقي ليس بكثرة صلاته وصيامه وحجه ولكن بتعامله مع الناس برفق وحُسن خُلقه ومساعدته لهم بقدر استطاعته. فإذا خالف قوله فعله فقد مصداقيته أمام الجميع.
نعود لقصتنا فقد نام صاحب الكرسي يحرس الكراسي الشاغر محافظًا على أمانته لصاحبه قرير العين، يتفقد الوسادة بين الحين والآخر لعلها بحاجة لشيءٍ ما. بينما امتعض الحجاج من فعله واستاءوا جدًا ولكنهم لم يتدخلوا في الموضوع بسبب ظرفهم الصحي، لكنهم تناوبوا على إجلاس كادر الحملة على كراسيهم حتى وصلنا للبحرين بسلام.
وحج مبرور وذنب مغفور