هل بايع الإمام علي ( عليه السلام ) أم لم يبايع؟
يرى بعض العلماء أن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام قد بايع القوم الذين غصبوا الخلافة منه.
وهذا الرأي لا ينسجم تماما مع الواقع التاريخي للإمام علي عليه السلام، وذلك للأسباب التالية:
- أولا: إن المصادر التاريخية التي ذكرت أن الإمام عليه السلام قد بايع القوم، متضاربة فالرواية في كتاب الإمامة والسياسة تختلف عن كتاب مروج الذهب، كذلك تختلف في تاريخ الطبري، وهكذا باقي المصادر. فهذا التضارب مدعاة للشك.
- ثانيا: إن القول بأن الإمام عليه السلام بايع، أمر خطير جدا، لأن ذلك يعني أن الإمام عليه السلام يلتزم بأمور وأفعال لهم تلزمه بها بيعته لهم، والواقع لا يشهد بذلك، وسنفصل ذلك في ثالثا، كما أن مبايعة الإمام عليه السلام على الفرض المذكور، حجة يتخذها أتباع أولئك الفريق علينا في أن نبايع ونعترف بخلافتهم، كما بايع إمامنا.
- ثالثا: هناك وقائع حدثت لا تشير إلى أن الإمام عليه السلام قد بايعهم، أولها: عدم مشاركته في حروبهم، فلو بايع لألزمته بيعته بالمشاركة. خاصة وأن شجاعا مثله لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب. ثانيها: لما جعل عمر الخلافة شورى في ستة، وأن يحسم الأمر عبدالرحمن بن عوف، طلب عبدالرحمن من الإمام عليه السلام أن يكون الخليفة شرط أن يعمل الإمام عليه السلام بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله) وسنة الشيخين، فرفض الإمام عليه السلام الشرط حيث قال أعمل بكتاب الله ورسوله (صلى الله عليه واله) ورأيي، فرفضه سنة الشيخين مؤشر على أنه لم يبايع، فلو بايع لألزمه عبدالرحمن بذلك. ثالثها: لو بايع عثمان أيضا لألزمته بيعته في أن يدافع عن عثمان لما حاصروه المسلمون في بيته، لكن الإمام عليه السلام لم يفعل ذلك، فقط بعث الحسنين عليهم السلام له بالماء والطعام.
فهذه الأمور مؤشر على أنه لم يبايع، وإلا كما ذكرنا في ثانيا، أن بيعته تترتب عليها أمور والتزام، وهذا ما لم يثبته الواقع.
وعليه نقول إن الإمام عليه السلام لم يبايع القوم، وإنما سكت عن حقه، ولم يطالب به، فسكوته عن حقه وصبره على ذلك كان حفظا للدين والدماء وهذا ما تدل عليه كثير من خطبه، خصوصا الخطبة الشقشقية، حيث يقول في أمر الخلافة، لما اغتصب حقه فيها
( فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً أرى تُرَاثي نَهْباً)
فالإمام عليه السلام صبر بالسكوت عن الخلافة، ولم يطالب بها، وهذا هو مبتغى القوم، حيث لم يكن همهم مبايعته لهم، بل كان همهم عدم المطالبة والاعتراض على خلافتهم. ولما حصل ذلك كفوا عنه عليه السلام.
لذلك لا يمكن أن نقول إن أمير المؤمنين عليه السلام بايع.
حسن كاظم