اتّصَلَ بالبحر بقلم الاستاذ ميثم الشايب

يروي السيد عادل العلوي – دامت توفيقاته – عن استاذه عن أستاذه بأنه قرأ صفحةً من القرآن الكريم و أهداها للإمام الحسن المجتبى كريم أهل البيت (عليه السلام)، ثم أخذه التفكير في نفسه، وقال: مَن أنا و من أكون حتى أهدي ثواب قراءة صفحةٍ واحدةٍ من القرآن لكريم أهل البيت ؟

 

يقول: فاستصغرت ذلك في نفسي، و في الليل رأيت رؤيا صادقة – و الله تعالى  يهذب عباده أحيانا بالرؤيا الصادقة – فرأيت الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) واقفاً على ساحل بحر كبير ، فأتيته و بيدي كأس ماء و أعطيته إياه ، فأخذه بيده و سكبه في البحر ، حينها استيقظت و عرفت أن الإمام أراد أن يقول لي أن كأس الماء هذا  اتّصَلَ بالبحر ، و هذا من كرم الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).

 

ويذكر الشيخ المصباح في كتابه روائع المناجاة قصةً في فضل الصلاة على محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (أنقلها – بتصرف).

حينها يسأل الشيخ استاذه (الحاج الميرزا علي الهستئي الأصفهاني)… ما هي حاجة أهل البيت عليهم السلام لطلب الرحمة من قبلنا نحن (الصغار – الحقراء -الغارقون في الذنوب).. وهم يتمتعون بكل أنواع الكمال و الرحمة؟ ((و يقصد بذلك حينما نصلي على محمد و آل محمد  ))

يقول: فلاحظ الشيخ أنني مازلت شابا لم أبلغ العشرين، و ليس لدي ذلك المستوى و التأسيس العلمي الكبير، فقام في البداية بتشجيعي ، ثم قال لي بما يناسب فهمي :

عندما يكون عبداً مملوكا يعمل بستانياً في بستان سيده، ويزرع الورد والزهور في ذلك البستان المملوك بكل ما فيه من مياه و تربة و كل متطلبات الزراعة للسيد..

وبعد أن ينمو الزرع و تتفتح تلك الأزهار و الورود بكل جمالها و ألوانها و عبق ريحها يقوم البستاني بقطف باقة مختارة ز منها و يقدمها بكل احترامٍ و أدبٍ لسيده حين دخوله للبستان مخاطباً إياه بأحلى كلمات الحب و الترحيب!!

ماذا سيكون موقف السيد من هذا العبد؟!

 

ما قام به العبد من أدب و احترام و محبة لسيده بالرغم من كون كل هذه الورود ملكا للسيد، بل هو نفسه ملك لسيده، إلا أن عطاء هذا السيد الكريم العطوف على هذا العبد سيكون أكبر بكثير و سيقابل ذلك بأفضل منه أضعافاً، و إن كان قبول السيد لباقة الورود في حد ذاته تشريف و تكريم لذلك البستاني المملوك له!

ونحن أيضا بهذه الصلوات نقطف وردةً من بستانهم ونقدمها هديةً لهم، وهذا المطلب ينطبق على قولنا ” وعجل فرجهم ” لأن حقيقة فرج أهل الإيمان في فرجهم عليهم السلام.

 

والدرس لعله أعمق بكثير مما نتصور، فتعالوا لنستنتج بعضاً من الومضات مما سبق..

 

١. تُرى.. أيُّ فرحةٍ أدخلها البستاني على قلب سيده؟

٢. أليس من حق السيد بأن يفخر بهكذا عبد؟

 

٣.سيقول السيد للعبد: هنيئا لك أن استفدت من الموارد التي بين يديك لتجني منها أجمل الورود الملونة المعبقة بريح ورَوح الحب لمولاك!

 

٤.باقة الورود هذه وإن كانت قيمتها المادية بسيطة، إلا أن قيمتها المعنوية عظيمةٌ جداً بعظم من أُهديت له!

 

٥. إظهار الحب والمودة لا يحتاج للتكلف، فرُبّ نية مخلصة وكلمة طيبة صادقة في الحب، أفضل من كنوز الأرض! ” إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ”

 

٦. لا أدري بأيُّ شوقٍ ولهفةٍ كان ذلك البستانيُّ ينتظر قدوم سيده ليستقبله بكل شوق ولهفه ويهديه هذه الباقة التي تعبر عن صادق مشاعره. إنّا منتظرون

 

٧. ما ألذَّ لقاء العبد بسيده بعد حرارة الانتظار وقد استعد بأجمل وأغلى ما زرع وحصد ليقدمه بين يدي مولاه.

 

والمعنى الأرقى والأجمل هو أنه..

 

حين يريد الإنسان أن يطلب شيئاً ما من شخص عظيم و لكنه لا يرى في نفسه اللياقة للوصول إليه ، فإنه يُظهر المودة و المحبة لمن هو قريبٌ منه كابنه أو صديقه الحميم ( أو من له شأنٌ عنده )  ، ثم يهيئ شيئا فشيئا المجال لطرح طلبه ، و لا شك بأننا و بسبب ذنوبنا و قبائحنا لا نتمتع باللياقة أو الاستحقاق لنطلب شيئاً من محضر الله العظيم ، و في نفس الوقت  ليس لنا مهربٌ من مسألته و مطالبته ، و لأجل ذلك لا يوجد ما هو أفضل من طلب الرحمة لأولياء الله لهذا الأمر ، فنحن حينما نصلي على محمد و أل محمد و نظهر الأدب في محضرهم فإننا نحقق اللياقة لجذب نظر الله و عنايته  لطرح مسائلنا و مطالبنا بين يديه .

إذ أنه بغير هذه الصلوات لا يمكننا الحضور في محضر الله و الجرأة على مخاطبته؛ فنحن و قبل أن نطلب شيئاً لأنفسنا نطلب الرحمة لأولياء الله و أحبائه، و نكون بذلك قد أظهرنا نوعا من الإيثار في عالم المحبة و توجهنا بلسانٍ خاصٍ إلى أهل البيت (عليه السلام) ( نحن و إن كنا عين الاحتياج و يملؤنا الفقر ، و لكن لأننا نحبكم فإننا نطلب لكم الرحمة قبل أن نطلب لأنفسنا شيئاً ) .

شارك برأيك: