أحدث المواضيع

اصل العبادة بقلم انس حسن

انس حسن
انس حسن

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدِ قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرّف بيننا وبين محمد وآل محمد، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد، ولا تفرّق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم.

اللهم معهم..معهم، لا مع أعدائهم.

السلام عليكم أيها الأحبة، آبائي وإخواني ورحمة الله وبركاته.

بدايةً، أرفع أسمى التهاني والتبريكات إلى مقام إمامنا وسيدنا الحجة بن الحسن (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) وإلى مراجع الأمة والفقهاء، وإلى كافة المؤمنين وإليكم أيها الأحبة، بمناسبة مولد باني الإنسان والحضارة الإمام الرضا عليه السلام.

الموضوع:

قال تعالى في محكم كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم: ( وما خلقتُ الجنّ والإنْسَ إلا ليعبُدُون )[1]. صرح القرآن الكريم بأن غاية وجود الإنسان هي العبادة. فالعابد هو البالغ غاية خلقته. فيقول الشيخ جوادي الآملي : ” إلا أن للعبادة درجات، أعلاها هو التفكر في مبدء الحقائق وسببها الموجِد إياها المُدبر لها”.[2]

حيث قال الإمام الرضا عليه السلام: { ليس العبادةُ كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادةُ التفكر في أمر الله عزوجل} [3]

هنا نشير إلى ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: كل فاعل عاقل وحكيم، يهدف من وراء فعله إلى هدف معين. وهذا الهدف لابد أن يرفع نقص أو حاجة. و من هنا يطرح السؤال: لم خلق الله الإنسان؟

الملاحظة الثانية: أن الله غني بذاته، كامل لا يحتاج، فالآية تتبع الآية فتقول : {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{ }إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [4]

فبالملاحظتين السابقتين يقول آية الله المكارم الشيرازي حفظه الله بصدد الآية: “أن هدفه – أي الله – من خلق الإنسان ليس شيء يعود إلى ذاته المقدسة، فالنتيجة ينبغي أن يبحث عن هذا الهدف خارج ذاته، هذا الهدف يعود للمخلوقين أنفسهم وأساس كمالهم”[5] يعني أن الإنسان يسير في طريق، باتجاه غاية وهدف، وهو التحرك نحو الكمال. فقد قال: ماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون لم يقل:لأعبد أو لأكون معبودا لهم[5].  (كما ذكر العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان). لذا توضح أن سؤال (لم خلقنا الله) ليس في محله أي أن الآية تقصد شيء آخر.

فالآية بصدد بيان أحد الأهداف ضمن مسير العبودية لله، وبيان أمر متصل بالدور الذي يُراد للمخلوق القيام به[5]، وليس التعرف على الله وعلى صفاته وكمالاته وهو ما لا يسعه المقام.

يقول الإمام الرضا عليه السلام: “العلم أمامُ العمل والعمل تابعه”[1] ، إذا الأصل هو العلم والفكر فيوضح لنا الشهيد مطهري قدس سره بأن: ” كل نهضة إجتماعية يجب أن يكون لها سند من نهضة فكرية وثقافية وإلا سوف تقع في فخ التيارات التي تمتلك ثروة فكرية، وتتجه نحو هذه التيارات فتغير مسارها.”

“و لو استيقظ الشرق واكتشف هويته الإسلامية، فلا تستطيع حتى القنبلة الذرية أن تصد هذه القوة العظيمة وهذه الجماهير الثائرة”.

ويبين لنا الإمام الخميني قدس سره أهمية التفكر فقد تعرض إليه في بداية كتابه الأربعون حديثا قائلاً: ” إعلم أن أول شرط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق تعالى، هو (التفكر).[6] بهذا يتبين لنا أهمية التفكر والبناء الفكري، وأنه هو الأصل. والذي يبنى العمل عليه ويتبعه.

فالتفكر هو التركيز وإمعان التفكير في أمر ما. فيقول الأستاذ عبدالوهاب حسين فك الله قيده في كتابه الإنسان: في محاور عملية التفكير : “أنه نشاط عقلي يسعى الإنسان من خلاله لحل مشكلة أو ظاهرة أو موقف غامض ويعتمد على محورين:

  • الإدراك الحسي.
  • العمليات العقلية الداخلية.

حيث يستمد التفكير مقوماته الأولى من العالم الخارجي بواسطة الحس، ثم يقوم العقل بعد ذلك بالعمليات العقلية الداخلية المستندة للحس.” [7]

لتحقق التفكر لابد للإنسان من بناء رأس مال علمي، بعد حصول العلم لدى الإنسان يبدأ عملية تفكيره من خلال ترتيب المقدمات والتحرك نحو النتيجة مع مراعاة قواعد المنطق. فإن التفكير مقدمة لحصول الإيمان، الذي بدوره يحرك الجوارح.

ومن نماذج التفكر ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : رحم الله امرأً عرف من أين وفي أين وإلى أين.” فيقول من أين جئت وماذا أفعل، ماهي وظيني ما المطلوب؟ إلى أين أسير وماهو مصيري ؟

وها هو القرآن الكريم يدعونا للتفكر فيقول الله سبحانه:  بسم الله الرحمن الرحيم

 {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}[8]

{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [9].

{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20} }[10]

{قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ}[11]

يتبين لنا حقيقةً أننا نجد الدعوة للفكر والعلم في كل تفاصيل الإسلام العظيم، ثبتنا الله وإياكم على الدين الحق. لذا الحذر كل الحذر من تعطيل العقول وعدم الاكتراث بالقضايا والمسائل، فهذا ما يعمل لأجله عدو الإسلام الشيطان الأكبر: لأن الأمة التي تتعطل فيها العقول غير قادرة على مواجهة التحديات والتآمرات المحاكة ضدها، وستبقى في حالة الإستعباد، وفي حالة الأنعام بل هم أضل سبيلا.

إذا بالنتيجة: أي فكر دون قوة، يبقى نظريات تتآكلها الكتب، وأي قوة دون فكر،  تبقى ردة فعل دون استمرارية وأثر. هكذا تعلمنا من أئمتنا الأطهار وشهدائنا الأبرار وهكذا نحن على نهجهم سائرون إن شاء الله.

أكتفي بهذا المقدار المناسب للوقت وأعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير، الحمدلله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


مصادر وملاحظات

[/2/31] سورة الذاريات، آية 56. مسند الامام الرضا عليه السلام ج1، ص3 .

(كتاب علي بن موسى الرضا عليه السلام و الفلسفة الالهية للجوادي الاملي.)

[4] سورة الذاريات.

[5] تفسير الأمثل للمرجع مكارم الشيرازي.

تفسير الميزان السيد الطباطبائي.

تفسير من وحي القرآن السيد فضل الله.

[6] الأربعون حديثا للإمام الخميني.

[7] الإنسان للأستاذ عبدالوهاب حسين.

[8] آل عمران 191

[9]  ق 6

[10] الغاشية 17

[11] العنكبوت 20

[#] تراث الشهيد مطهري قدس سره

كلمة معدة للإلقاء، المدة الزمنية للإلقاء: 10 دقائق.

إعداد أنس حسن.

شارك برأيك: