هذا اليوم يومٌ مميزٌ في حياتي، فأخير سوف أسافرُ بالطائرة بعد حصولي على الجائزة الأولى. حسناً كنتُ أمزح بالطبع. ولكن ليس بشأن السفر ولكن بشأن الحصول على الجائزة الأولى.
لم أستطع النوم تلك الليلة، كنتُ أعدُ الساعات تلو الساعات منتظراً شروق الشمس والذهاب للمطار.
في الحقيقة لم أكن سعيدًا مئة بالمئة، سأخبركم بالسر، اقتربوا قليلا، اسمعوا جيدًا ولا تفشوا سري لأحد “أنا أخاااااااااف من الطيران“. اخيراً قلتها ولكني سأذهبُ وأهزم خوفي.
لقد وصلتُ للمطار بعد عناءٍ طويل بزحمة الشوارع، فالطريق يحتاج للمطار يستغرق عشر دقائق وياللعجب يتحول لساعة كاملة.
تخيلوا لو كانت هذه الزحمة المرورية في الجو أو كان ت توجد تصليحات في الغيوم واستغرقت عدة أيام أو الشوارع غي مرصوفة في الأعلى.
على أيه حال لم يستغرق وصولنا للطائرة سوى دقائق معدودة، وكان قلبي يخفق بقوة فأنا خائف، أجل خائف ولكني سأنتصر اليوم على خوفي.
أعطيتُ رقمي للمضيفة وأجلستني بجانب رجلٍ كبيرٍ في السن وكان يقرأ سورًا قصار من القرآن الكريم، التفت لي هو يقرأ السور وحملّق في وجهي طويلاً فأدار بوجهة وأخذ يقرأ السور الطوال. ولغاية هذا اليوم لم أعرف السبب لقراءته السور الطوال.
سمعتُ صوت الكابتن يرحبُ بنا فقلتُ: “هذا هو الصح فنحن نحتاج إلى التشجيع، روح يا كابتن الله يوفقك“
وبعدها مباشرة قلتُ: “روح الله ينتقم منك” واستدركتُ وقلتُ “ولكن ليس الآن بعد وصولنا“
لأنه غير كلامه وأخذ يخبرنا عن أبواب الخروج والسقوط وربط الأحزمة والكمامات وووو وبدأ رأسي يدور ويدور ويدور
بدأت الطائرة بالتحرك، وبدأت روحي أيضاً بالتحرك، ارتفعت الطائرة والحمد لله لم ترتفع روحي. فعملية الشهيق والزفير من درس الإسعافات الأولية نجحت في هذا الموقف.
بدأتُ أشعر بالارتياح، فقد نجحت المهمة وأنا الآن أطير باستخدام الطائرة طبعاً.
تقدمت المضيفة بتقديم طعام الفطور، وأعطتني كأس فارغة وحليب وسكر. ولم أعرف ماذا أفعل بهم. رأيتُ الرجل العجوز وقد شرب الحليب فأردتُ أن أتذاكى عليه فخلطتُ السكر بالحليب وشربته، عادت المضيفة مرة أخرى مخبرة: هل تريد الشاي أم القهوة؟
فتوقف الحليب في فمي ونظرتُ له بعين واحدة، وتذكرتُ أيام الدراسة في المرحلة الإبتدائية (انترني في الهدة) والمقصود انتظرني بعد الخروج من المدرسة.
ابتسمتُ ابتسامة صفراء في وجه المضيفة، وقلت لها: شكرًا. وأنا بداخلي أغلي من الغضب، فأنا أحب الشاي كثيرًا.
كل ما حدث يهون مع ما قاله الرجلان الجالسان خلف مقعدي، فقد كان كلامهما عن حوادث الطيران والإختطافات وغيرها.
المشكلة أن كلامهما في غاية الروعة من الناحية الأدبية فهما يتكلمان بطريقة جذابة يشعرانك بالحدث، فصخرتُ في وجهيهما وقلتُ: “ألم تنتهيا من حديثكما هذا، أرحما شيب رأسي!“
نظرا إلى شعر رأسي وقالا باستغراب: “ولكن شعر رأسك أسود!“
فقلتُ بتهكم: “بحديثكما هذا لن يبقى به أية شعرة سوداء عند وصولنا!“
جلستُ أهدئُ من روعي وقلتُ: من المستحيل التفكير بإيجابية عن ذواتنا، فنحن دائماً نملاؤها سلبية.