مختارات في شهر رمضان – عَظَمَةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ والهِ  (١)

عَظَمَةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ والهِ  (١)

 

الاستاذ حسن المطوع
الاستاذ حسن المطوع

 

تتجلى عظمة النبي محمد صلى الله عليه وآله واضحةً في فتح مكة ، ذلك الفتح الذي تمكن من خلاله من السيطرة على مكة المكرمة بما فيها ، وتمكن من أعناق عتاة قريش و جبابرتها وطواغيتها فأصبحت أعمارهم مرهونة بإشارة منه وتحت إرادته ؛ وبما أن هذه الحادثة أعني فتح مكة توافق هذه الأيام حيث خرج النبي بالمسلمين في الثاني من شهر رمضان و دخل مكة فاتحًا لها في اليوم الثالث عشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة .
نركز الكلام في النظر إلى مواقف النبي صلى الله عليه وآله في مختلف المواقف في هذا الفتح المبارك تلك المواقف التي تجلت فيها أسمى صفات الرحمة والعطف والتسامح لنبينا صلى الله عليه وآله .
هذا الكلام نبينه في تفاصيل بضع حلقات شيقة بإذن الله تعالى ، فأرجو المتابعة والتركيز في الأحداث والوقائع والأسماء ، وبالله نبدأ ونستعين .

لما أن تم صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة بين النبي محمد وقريش الذي ضم بنودًا من ضمنها أن ترفع حالة الحرب بين الفريقين لمدة عشر سنين يأمن فيها الناس ، وأن يرجع محمد وأصحابه عن مكة عامهم هذا على أن يعودوا لأداء العمرة في العام المقبل فيقيموا فيها ثلاثة أيام ومعهم من السلاح السيوف في أغمادها ولا سلاح آخر معهم .

بعد هذا الصلح أصبح في الإمكان أن تدخل أي قبيلة من قبائل العرب في حلف وتعاون إما مع قريش وإما مع المسلمين ، فدخلت قبيلة بني بكر في تحالف مع قريش ودخلت قبيلة خزاعة في تحالف مع المسلمين . وبقيت حالة الهدوء والإطمئنان سائدةً بين الناس في مكة والمدينة ، ولكن بعد هزيمة المسلمين في غزوة مؤتة ( في الأردن ) واستشهاد جعفر بن ابي طالب وجمع من الصحابة ، استغل اليهود هذه الهزيمة لتأليب قريش وحلفائها حالة الهزيمة هذه وصوروها بأنها الفرصة الذهبية لقريش والقبائل العربية التي دخلت في تحالف معها للإنقضاض على محمد والمسلمين في المدينة وتمزيقهم وقتلهم .
فقام رجال من قبيلة بني بكر التي تحالفت مع قريش وهجموا على قوم من خزاعة التي تحالفت مع المسلمين وقتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا ، هذا نقض واضح لحلف الحديبية ، فشعرت قريش بحرج شديد من تصرف حليفتها قبيلة بني بكر ، ولم يرضَ الكثير من زعماء قريش وعلى رأسهم أبو سفيان هذا التصرف من قبيلة بني بكر ، فما عساهم أن يفعلوا الآن وهم يعلمون أن محمدا لا يرضى بالظلم أبدا بل سيقف موقفا حاسما ضده .

من جهة أخرى قام وفد من قبيلة خزاعة المتحالفة مع المسلمين بالذهاب سرًّا إلى المدينة المنورة وإعلام النبي بذلك الإنتهاك الصارخ لصلح الحديبية .
( عندها ) أعد النبي جيشا قوامه 10 آلاف فارسٍ ، وحرص حرصا شديدا على سرية هذا الأمر وكتمانه ، ورغم ذلك تسرب الخبر إلى بعض أصحابه ، فوصل إلى حاطب بن بلتعة فكتب كتابا إلى قريش يخبرهم بالأمر ، وأعطاه إلى إمرأة وأعطاها مبلغا في سبيل إيصاله لقريش ومضت المرأة تشتد في الطريق تجاه مكة ، فنزل الوحي يخبر الرسول بذلك ، فأرسل النبي عليا والزبير في طلب المرأة فمضيا حتى اذا أدركاها عند منطقة ذي الحليفة فاستنزلاها وبعد إنكار شديد منها لأمر الكتاب أصر علي بن أبي طالب عليه السلام على أن تخرجه وتسلمه وإلا ضرب عنقها ، فقالت إعرض عني بوجهك فأعرض عنها ، واستخرجته من عقيصة شعرها وسلمته إياه ، حتى إذا سلمه للنبي جمع المسلمين و قام خطيبا فيهم فقال : ( …. أن رجلا منكم كتب كتابا يخبرهم بخبرنا ، فليقم صاحب الكتاب قبل أن يفضحه الوحي فلم يقم أحد ، ولما أعاد النبي مقالته قام حاطب بن بلتعة وهو يرتعد كالسعفة في مهب الريح العاصف وقال أنا صاحبه يا رسول الله ، ومضى يعتذر إلى النبي وقال : والله إني لمسلم مؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرءًا ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة وأصبح لي بين ظهرانيهم أهل وولد فصانعتهم .
وأمر النبي بإخراجه من المسجد ، فجعل الناس يدفعونه في ظهره حتى أخرجوه وهو يلتفت إلى النبي ( صلى اللهُ عليهِ والهِ  ) ولا يتكلم فرقَّ له وأرجعه إلى المسجد وأوصاه أن لا يعود لمثلها .

وهذا مثال لخلقه العظيم يظهر في عطفه ورقة قلبه ورحمته وحنانه على هذا المسلم الضعيف الذي أخطأ خطأً كبيرا في حق النبي والمسلمين ، فاحتواه وضمه الى صف المسلمين بعد أن شهد في نظراته الصدق والندم والتوسل ، هنا حيث جبر كسْرَ نفسِ هذا الفقير المخطئ .
فما أعظمك يا رسول الله وما أعظم حرصِك على سلامة أمَّتِكَ قال تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) 128- التوبة

—————————
سرد تاريخي راجع سيرة المصطفى
لهاشم معروف الحسيني .

شارك برأيك: