مختارات في شهر رمضان – عَظَمَةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ والهِ  ( ٣ )

مختارات في شهر رمضان – عَظَمَةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ والهِ  ( ٣ )

الاستاذ حسن المطوع
الاستاذ حسن المطوع

وصل النبي صلى الله عليه وآله مكةَ بتلك الحشود التي تنساب من خلفه ، دخل الى أكبر معاقل الشرك ( في ذلك الوقت ) ، و هو في الفيلق الدارع الذي يحف به و ينتظر منه إشارة أو إيماءة حتى لا يدع بمكة أحدا يمشي على أرضها .
وتمثلت له في تلك اللحظات فصول المعاناة والعذاب التي لاقاها من أهل مكة ، فخرج منها خائفا مطرودا يسير بين الجبال ويختبئ في الكهوف والغيران .
ورأى نفسه اليوم عائدا منتصرا ، فحمد الله وشكره . فبدلا من أن يدخلها يزهو بنفسه منتشيا زهوة الإنتصار فقد دخلها بخشوع العبد الشاكر قد طأطأ رأسه حتى ليكاد يلصق (صدره )برحله تواضعا لله واعترافا بجميله .
وضربت له خيمة بالحجون مع زوجتيه ام سلمة وميمونة . وأمر بقتل 6 رجال و4 نساء من قريش وقيل أكثر منذ ذلك وبعد ذلك عفى عن أكثرهم ومنهم :
🔸عبد الله بن أبي سرح : أسلم في مكة وارتد بعد ذلك وأخذ يحرف القرآن ويسخر بالنبي في مجالس قريش ، ولما علم هذا الرجل بدخول النبي مكة إلتجأَ إلى عثمان بن عفان ، ثم أُتِيَ به إلى النبي وطلب له الأمان فسكت النبي طويلا ، ثم قال نعم .
🔸عبد الله بن خطل : أسلم وارتد وجعل يهجو النبي في شعره .
🔸عكرمة بن أبي جهل : فرَّ إلى الطائف فجاءت زوجته الى النبي وأسلمت وطلبت الأمان لزوجها فآمنها عليه وأسلم بعد ذلك بعد أن اعتذر عما كان منه .
🔸وحشي قاتل حمزة: جاء الى النبي وطلب الأمان فأجابه النبي ثم أسلم فقال له النبي :
غيِّب وجهك عني فإني لا أحب أن أرى قاتل عمي .
كعب بن زهير بن أبي سلمى وكان شاعرا مشهورا كان يهجو النبي في أشعاره ، وآخيرا عفا عنه النبي فمدح النبي بقصيدته المشهورة ( بانت سعاد ) وهي من أجمل القصائد التي قيلت في مدح النبي صلى الله عليه وآله
🔸هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان : وهي التي مثلت بجسد حمزة ، وأهدر النبي دمها .
🔸وسارة مولاة بني هاشم وكانت تغني بهجاء النبي .
انظر أيها القارئ إلى مظاهر الرحمة الواسعة والخلق العظيم ، وانظر إلى صفة السماحة والعفو والصفح الذي يتمتع به النبي صلى الله عليه وآله حيث عفا عن هؤلاء الذين أذاقوه كؤوس العذاب والبلاء والتكذيب وتفننوا في هجائه وقتل أصحابه بأبشع صور القتل
وبلا شك فإن النبي صلى الله عليه وآله مظهر من تجليات رحمة الله وعفوه تلك الرحمة اللامتناهية .
ثم إن رسول الله قد اغتسل وصلى ودعا بناقته وركبها وسار بالناس قاصدا البيت الحرام ولما وصل الكعبة استلم الركن وكبَّر فكبَّر المسلمون لتكبيره ورفعوا اصواتهم بالتكبير حتى ارتجت مكة ، ثم طاف بالبيت وحول الكعبة 360 صنما وكان ( هُبَل ) أعظمها و( أساف ) و ( نائلة ) فجعل النبي كلما مرَّ بصنم يشير بقضيب في يده ويقول : جاء الحق وزهق الباطلُ إن الباطلَ كان زهوقًا ، فيقع الصنم لوجهه .
و أمر النبي بتكسير الأصنام ، ثم أمر النبي أن تُفتح الكعبة بعد أن أخذ مفتاحَها من عثمان بن طلحة ، ففُتِحت ودخلها وكانت التماثيل والصور قد ملأت جدرانها ، فأمر بمحوها وشارك هو في ذلك ، ثم صلى فيها ، ثم خرج ومسك بعضادتي الباب وألقى خطبته المشهورة : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم …. إلى آخرها .
ثم توجه بحديثه إلى أهل مكة قائلًا :
ماذا ترون أني فاعلُ بكم و ما تظنون ؟
قالوا : أخُ كريم وابنُ أخٍ كريم ، وقد قدرتَ وأصبحَ أمرنا بيدكَ .
فقال النبي لهم : إني أقول لكم ما قاله أخي يوسفُ لإخوته ، لا تثريب عليكم اليومَ يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين . إذهبوا فأنتم الطلقاء .
نعم أيها القارئ الكريم إطمأن المكيون على مصيرهم بعد الإعلان العام وبعد أن أصبحوا في قبضة النبي صلى الله عليه وآله و باتت حياتهم رهن إشارته بكلمة واحدة لتلك الألوف المدججة بالسلاح القادة على إبادتهم في لحظات معدودات .
لكنه صلى الله عليه وآله بعث رحمةً للعالمين فعفى عنهم جميعا وضرب بذلك مثلًا للعالم كله وللأجيال في كل عصرٍ وزمان في الرحمة والعفو والترفع عن الحقد والإنتقام .
قال تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم (4)

———————-
السرد التاريخ : كتاب سيرة المصطفى .

شارك برأيك: