مختارات في شهر رمضان – قصة أصحاب البستان في سورة القلم

قصة أصحاب البستان في سورة القلم

الاستاذ حسن المطوع
الاستاذ حسن المطوع

وموضوع القصة هو: أن شيخا مؤمنا طاعنا في السن كان له بستان عامر، يأخذ من ثمره كفايته ويوزع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين، وقد ورثه أولاده بعد وفاته، وقالوا: نحن أحق بحصاد ثمار هذا البستان، لأن لنا عيالا وأولادا كثيرين، ولا طاقة لنا بإتباع نفس الأسلوب الذي كان أبونا عليه.. ولهذا فقد صمموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعا، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها.
وعند التدقيق في قرارهم هذا يتضح لنا أن تصميمهم هذا لم يكن بلحاظ الحاجة أو الفاقة، بل إنه ناشئ عن البخل وضعف الإيمان، واهتزاز الثقة بالله سبحانه، لأن الإنسان مهما اشتدت حاجته، فإنه يستطيع أن يترك للفقراء شيئا مما أعطاه الله.
فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون.
لقد سلط الله عليها نارا حارقة، وصاعقة مهلكة، بحيث أن جنتهم صارت متفحمة سوداء فأصبحت كالصريم، ولم يبق منها شئ سوى الرماد. وهكذا فعل الصواعق غالبا.
فانطلقوا ( صباحا ) وهم يتخافتون. لقد كانوا يتكلمون بهدوء حتى لا يصل صوتهم إلى الآخرين، ولا يسمعهم مسكين، ويأتي لمشاركتهم في عملية جني الثمر أو تناول شئ من الفاكهة.
ويرتقب الفقراء يوم الحصاد بفارغ الصبر في مثل هذه الأيام، لأنهم تعودوا في كل سنة أن ينالهم شئ من الفاكهة كما كان يفعل ذلك الشيخ المؤمن، إلا أن تصميم الأبناء البخلاء على حرمان الفقراء من العطاء، والسرية التي غلفوا بها تحركاتهم، لم تدع أحدا يتوقع أن وقت الحصاد قد حان.. حيث يطلع الفقراء على الأمر بعد انتهائه، …
وغدوا على حرد قادرين.
” حرد ” على وزن ” فرد ” بمعنى الممانعة التي تكون توأما مع الشدة والغضب، نعم إنهم كانوا في حالة عصبية وانفعالية من حاجة الفقراء لهم وانتظار عطاياهم، ولذا كان القرار بتصميم أكيد على منعهم من ذلك.
فلقد تحركوا في الصباح الباكر على أمل أن يقطفوا محصولهم الكثير، ويستأثروا به بعيدا عن أنظار الفقراء والمحتاجين، ولا يسمحوا لأي أحد من الفقراء بمشاركتهم في هذه النعمة الإلهية الوافرة، غافلين عن تقدير الله…
يقول القرآن الكريم: فلما رأوها قالوا إنا لضالون.
المقصود من (ضالون) يمكن أن يكون عدم الاهتداء إلى طريق البستان أو الجنة، ثم أضافوا: بل نحن محرومون أي أردنا أن نحرم الفقراء والمحتاجين من العطاء إلا أننا حرمنا أكثر من الجميع، حرمنا من الرزق المادي، ومن البركات المعنوية التي تحصل عن طريق الإنفاق في سبيل الله للفقراء والمحتاجين.
( عندها ) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون.
ألم أقل لكم اذكروا الله بالتعظيم وتجنبوا مخالفته واشكروا نعمته وامنحوا المحتاجين شيئا مما تفضل الله به عليكم؟! لكنكم لم تصغوا لما قلته لكم، وأخيرا وصلتم إلى هذه النتيجة البائسة في هذا اليوم الأسود.
إن التعبير ب‍ (أوسطهم) في الآية يمكن أن يكون بلحاظ حد الاعتدال في العقل والفكر والعلم وقيل: إنه الوسط في السن والعمر. إلا أنه مستبعد جدا .
——————
راجع الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج ١٨ – الصفحة ٥٤٣

شارك برأيك: