خصائص وصفات القرآن الكريم
{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }(28) الزمر
تشير هذه الآيات إلى عدة خصائص وصفات للقرآن الكريم وهي :
1-الصفة الأولى شمولية القرآن
إذ تقول الآية الكريمة :
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن
من كل مثل….حيث تم فيه شرح قصص الطغاة والمتمردين الرهيبة، وعواقب الذنوب الوخيمة، ونصائح ومواعظ، وأسرار الخلق ونظامه، وأحكام وقوانين متينة.
ففيه كل ما هو ضروري لهداية الإنسان على شكل أمثال، لعلهم يتذكرون ويعودون من طريق الضلال إلى الصراط المستقيم لعلهم يتذكرون.
2-الصفة الثانية أنه قرآنًا
وهي إشارة إلى حقيقة أن الآيات الكريمة ستبقى تتلى دائما، في الصلاة وفي غير أوقات الصلاة، في الخلوات وفي أوساط الناس، وعلى طول التاريخ الإسلامي حتى قيام الساعة، وبهذا الترتيب فإن آيات القرآن ستبقى نورَ الهدايةِ المضئَ على الدوام.
3-الصفة الثالثة فصاحة وحلاوة وجاذبية هذا الكلام الإلهي
الذي عبر عنه ب (عربيا) لأن إحدى معاني العربي هي الفصاحة، والمقصود منه هنا هذا المعنى وهي الفصاحة .
4-الصفة الرابعة ليس فيه أي إعوجاج
فآياته منسجمة، وعباراته ظاهرة ويفسر بعضها البعض .[ ١ ] .
قصة الوليد بن المغيرة
الآن تذكر قصة الوليد بن المغيرة وهو من أكبر المشركين في مكة فدعونا نقرأ ماذا قال عندما سمع النبي يتلو القرآن ؟
حيث أن هذه القصة تبين لنا اعتراف هذا الرجل المشرك المعاند بحلاوة وفصاحة القرآن كما تبين لنا عناده وتمسكه بالشرك والضلال .
تذكر الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يكف عن عيب آلهة المشركين، ويقرأ عليهم القرآن فيقولون: هذا شعر محمد.
ويقول بعضهم: بل هو كِهانة. و الكِهَانَةُ : حِرْفة الكاهن، ومعناها ادّعاء معرفة الأسرار أو أحوال الغيب .
ويقول بعضهم: بل هو خُطَبٌ.
وكان الوليد بن المغيرة شيخا كبيرا، وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور، وينشدونه الأشعار ، فما اختاره من الشعر كان مختارا، وكان له بنون لا يبرحون ( لا يفارقون ) من مكة، وكان له عبيد عشرة عند كل عبد ألف دينار يتجر بها، ( ومن كثرة أمواله وغِناه أنه قد ) مَلَكَ القنطار في ذلك الزمان و ( القنطار: جلد ثور مملوء ذهبا ) وكان من المستهزئين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي يوم ( من الأيام ) سأل أبو جهل الوليد بن المغيرة قائلا له:
يا أبا عبد شمس، ما هذا الذي يقول محمد؟ أسحر ، أم كِهان ، أم خُطَبٌ ؟
فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس في الحِجْر، ( يعني حجر إسماعيل ) فقال:
يا محمد أنشدني من شعرك.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
ما هو بشعر، ولكنه كلام الله الذي به بعث أنبياءه ورسله.
فقال: أتلُ عليََّّ منه.
فقرأ عليه رسول الله :
بسم الله الرحمن الرحيم ،
فلما سمع (الوليد) الرحمن استهزأ فقال: تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن ؟
قال النبي : لا، ولكني أدعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم.
ثم افتتح سورة ” حم السجدة “، فلما بلغ إلى قوله تعالى: فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، فلما سمعه ( الوليد ) اقشعر جلده، وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ثم قام ومضى إلى بيته ولم يرجع إلى قريش.
فقالت قريش: يا أبا الحكم، ( يقصدون أبا جهل ) صبأ أبو عبد شمس ( يعني انتقل من عبادة الأصنام ) إلى دين محمد، أما تراه لم يرجع إلينا ؟ وقد قَبِلَ قوله ومضى إلى منزله، فاغتمت ( حزنت ) قريش من ذلك غما شديدا.
وغدا ( ذَهَبَ ) عليه أبو جهل فقال :
يا عم، نكستَ برؤوسنا وفضحتنا.
قال : وما ذلك يا ابن أخ ؟
قال: صبوتَ إلى دينِ محمد.؟
قال: ما صبوتُ ، وإني على دين قومي وآبائي، ولكني سمعتُ كلاما صعبا تقشعر منه الجلود.
قال أبو جهل: أشعرٌ هوَ ؟
قال: ما هو بشعر.
قال: فخُطَبٌ هي ؟
قال: إن الخطبَ كلامٌ متصلٌ ، وهذا كلام منثور، ولا يشبه بعضه بعضا، له طلاوة. ( يعني له حلاوة ورونق وعذوبة وفصاحة )
قال: فكِهانةٌ هي؟
قال: لا.
قال: فما هو ؟
قال: دعني أفكر فيه.
فلما كان من الغد قالوا: يا أبا عبد شمس ما تقول؟
قال: قولوا هو سحر، فإنه آخذٌ بقلوب الناس، فأنزل الله تعالى فيه:
( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا إلى قوله: عليها تسعة عشر .(من سورة المدثر ) [٢ ]
———————
١- راجع تفسير الأمثل ج ١٥- ص٧٢
٢-نفس المصدر – ج ١٥ – ص ٣٤٨