اكتشاف مخطوطة نادرة للشيخ ناصر البربوري

IMG_5665تحقيق: محمد أحمد سرحان

تحقيق مخطوطة
“رسالة في فقه الحج”
لمؤلفها المحدث الشيخ
ناصر بن عبدالله البربوري البحراني

قصة المخطوطة:
نظرا لاهتماماتي السابقة في تتبع ومراجعة كتب التراث والمخطوطات لعلماء البحرين الأقدمين، كنت خلال زياراتي المتكررة لبعض مراكز حفظ التراث في إيران والعراق منها: مكتبة المرعشي النجفي بقم المقدسة والمكتبة الوطنية بطهران ومكتبة الحضرة الرضوية المركزية ومكتبة كوهرشاه بمشهد وكذلك في العراق مكتبة الإمام علي (ع) للعلامة الأميني ومكتبة الإمام الحكيم ومكتبة آل كاشف الغطاء ومكتبة الروضة الحيدرية بالنجف الأشرف ومكتبة الروضة العباسية بكربلاء المقدسة أطالع بعض المخطوطات وأراجع قوائم وفهارس تلك المكتبات، لفت نظري في فهرس مخطوطات مؤسسة آل كاشف الغطاء كتاب لمؤلف بحراني، هذا المؤلف لم اسمع به مسبقا ولم ألحظ له مؤلفا، ومما شوقني للبحث في موضوع مخطوطه، أنه عالم ينتسب لمنطقة عزيزة علينا وهي بربورة، والتي عرفت في سالف الدهر بأنها موطن وملتقى للعلماء ولكن أين أولئك العلماء ؟ نعم كانوا في كنفها ولكن اختفى ذكرهم وضاع تراثهم، ففكرت بإخراج هذا السفر لعلنا نسترجع شيئا من ثمار هذه البلدة الطيبة.

21فأكثر ما أثار انتباهي في هذا المخطوط اسم مؤلفه أكثر من عنوانه، فالمؤلف (الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني)، فأخذت بمراجعة كتب الرجال وتراجم علماء البحرين الأقدمين لم أقف عند اسم هذا العالم، وعند رجوعي لديباجة المخطوط أجد المؤرخات في المخطوطة تعود لبدايات القرن الثالث عشر الهجري (1209هـ) أي قبل 220 سنة تقريبا، فلما تأكد لي بعد استلام المخطوطة وقراءتها بتمعن بأنها عائدة لهذا العالم الجليل، وراجعت كتب الرجال التي ترجمت لعلماء البحرين فما وجدت له ذكرا، الأمر الذي زاد اهتمامي بإخراج هذا السفر الجليل ولو لإظهار هذا العالم رضوان الله عليه، وبرجاء استفادة الآخرين العلمية لما حوى كتابه من مسائل في فقه الحج، فشرعت بعملية العناية بالمخطوطة وتحقيقها من أجل أن نسترجع شيئا من مكانة بربورة وعلمائها التي ظلت مغمورة ومجهولة، والتي لا يعلمها سوى ا الخواص من القوم ممن يحبونها وممن يعادونها.

من هذا المنطلق عنيت بأهمية هذه المخطوطة عندما بلغ لعلمي تواجدها في (مؤسسة آل كاشف الغطاء) بالنجف الأشرف – تلك المؤسسة الكريمة المعنية بحفظ التراث والمخطوطات وتحقيقها – فكانت لي مراسلات وتواصل عبر الانترنت معهم أولا خصوصا مع سماحة الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء مدير المؤسسة ونجل الشيخ عباس كاشف الغطاء المؤسس لها، وتوجهت في أغسطس 2008 م للزيارة الشعبانية، فذهبت للنجف الأشرف والتقيت (بسماحة الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء) ومنتسبي المؤسسة الذين لقيت منهم من التعاون ما يعجزني عن وصفه، كما كان من حسن توفيقي الحصول على الملاحظات العلمية والمساهمة الكريمة ببعض نكات التحقيق من الصديق العزيز والمحقق البارع الشيخ أحمد الحلي.

أهمية المخطوطة:
وتأتي الأهمية التي اكتسبتها المخطوطة إلى جانب قيمتها التاريخية بحكم الفترة الزمنية التي تم تأليفها فيه أي قبل تاريخ (3 شعبان 1209هـ)، و قيمتها العلمية بأنها رسالة فقهية في احكام الحج تتضمن استدلالات ورأيا فقهيا ناهضا للمؤلف، فإلى جانب هذين الأمرين فهي إلى أحد العلماء الذيـن ضاع ذكرهم، فلم يذكر في كتاب موجود ولم يرصده رجالي ولم يُتعرف على مؤلفات له سابقة، بل لم تتناقل أحواله الأجيال اللاحقة في البيئة التي انتسب لها، والسبب في اعتقادي قد شخصه صاحب كتاب أنوار البدرين (الشيخ علي البلادي) المتوفي 1340هـ في معرض حديثه عن تراجم علماء البحرين وأحوالهم، حيث قال:
((وإن كان قليلا من كثير، ونقطة من غدير لتشتت أهلها في البلدان، بما لعبت بهم أيدي الزمان، وما نالوه من البلاء والهوان من أهل الجور والعدوان، والحوادث والوقائع التي أخلت منهم الأوطان وبددت شملهم في كل مكان)) إلى قوله: ((حتى بلغ الحال أن كثيرا من الأولاد لم يعلموا بآثار آبائهم ولم يدروا بأنسابهم)).

ولكن مؤلفنا وإن غيبت آثاره وآثار أمثاله من العلماء الظروف التي مرت بمجتمعهم آنذاك إلا أنه شهدت له صحائف يراعه في كتابه هذا بأنه ماسكا بأسباب العلم وحاضنا لأحكام الدين، فتجلت الأهمية في إظهار إرثه وتقديمه عالما من علمائنا الذين نفتخر بهم في بحريننا المؤمنة، هذه الرسالة الموسومة ((رسالة في فقه الحج)) لمؤلفها الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني.

هذا إضافة لأهمية خاصة اكتسبتها المخطوطة وصاحبها في عصرنا، فنظرا للهجمة الشرسة على هوية المنطقة التي ينتسب لها المؤلف (بربورة)، تلك الهوية التي تمتلك التاريخ والجغرافيا والثقافة، هوية عصفت بها ألسنة الجهل عبثا تهرول لإقصائها ونسيانها، وكأن الهوية حجر يُبنى ويُهدم، وأنها ستزول بزوالها، فلا يدركون بأن الهوية أعمق من ذلك بكثير، وكان لزاما إظهار بعضا مما اكتنزته تلك الأرض المعطاءة عبر تاريخها من عطاء فكري وإنساني.

وهذا الكتاب هو أحد اسهامات علماء (بربورة) في المجال العلمي، لكي يكون شاهدا على حقبة آن أن تظهر حقائقها، وآن أن تكشف الغطاء عن مكنوناتها.

الوصف العام للمخطوطة:
المؤلف: ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني
الناسخ: المؤلف نفسه.
سنة التأليف: غير موجود.
مؤرخات: يوجد أكثر من تاريخ لمن تملّكوا المخطوطة في فترات متعددة، وأقدمها في الصفحة الاولى، تاريخ ملكية فاضل بن صالح بن أحمد في سنة1209 هـ، وهناك تاريخ آخر على الصفحة الثالثة لملكية الحاج كاظم بن الحاج مكي المخرق الخطي سنة 1243 هـ.
عدد الصفحات: 254 صفحة إجمالي صفحات المخطوط.
وصف المتن: كتبت مخطوطة رسالة في فقه الحج بخط جيد وواضح ومقروء، إضافة الصفحة الأولى بها مؤرخات لغير المؤلف واسماء مالكي المخطوطة وتعليقاتهم، والثانية ثلاثة ابيات من الشعر لغير المؤلف، والثالثة مؤرخ لمالــك المخطوطة في حينه، إضافة لفقرة غير مكتملة لفائدة في حفظ سورة ياسين، وتبدأ مخطوطة رسالة الفقه التي تمت دراستها من الصفحة الرابعة وتنتهي حتى 254 وهي الغلاف الأخير و مكتوب عليه بخط لاحق لغير المؤلف.
مقاس المخطوطة: العرض: 9,5 سم x الطول: 15 سم.
عدد المخطوطات: واحدة.
مكان تواجد الأصل: مؤسسة كاشف الغطاء – النجف الأشرف
هيئة المخطوطة المستلمة: نسخة مصورة عن الأصل استنسخت بمؤسسة كاشف الغطاء كنسخة الكترونية.


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث الأمين والرحمة المهداة للعالمين، سيدنا ومولانا ومقتدانا المصطفى محمدٍ وعلى آله الغرر البررة المستخلفين، لاسيما بقية الله في أرضه وحجته على خلقه، القائد المؤمل والسبب المتصل إمام المستضعفين، وعلى أصحابهم المنتجبين، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

لقد استودع الله سبحانه وتعالى شريعته السمحاء وآثار الأنبياء في الرسالة الخاتمة لسيد المرسلين (ص)، وجعلها بالبلاغ لدى الأوصياء(ع) الذين بولايتهم كمل الدين وأتممت النعمة وأقيمت الحجة، وامتدادا لهم كان للعلماء الحافظين لحديثهم والناهلين من معينهم دور التبليغ عنهم ونشر علومهم الربانية بين أقوامهم ((فلولا نفر من كل فرقة، منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)).

لذا قام علماؤنا الأبرار عبر الزمان منذ عهد الآئمة بتدوين تلك الآثار المقدسة حفظا لها من تقادم الأزمان أو ضياعها في خزائن الأذهان أو حلول آفة النسيان عليها، فتركوا لنا المجاميع الحديثية الكبرى وكتب العقائد والفقه والأخلاق والرجال وفي شتى العلوم التي استقوها من منابعها الصافية عبر شجرة النبوة الخالصة الممتدة في أهل بيته (ع) بأصولها وفروعها ؛ حتى تصل للبشرية عبر الأجيال محفوظة، حفظا لدين الله من أن يندرس أو أن تضيع معالمه، وحقيقٌ لنا أن نقول بأن ما وصلنا عبر الحقب من تلك المدونات استوفى الكيل و ليس بالهين، و لكن أيضا ما ضاع منه لا يستهان به.

وعليه أصبح السعي لحفظ ذلك التراث العظيم والتنقيب عنه يحمل من الأهمية ما هو الكثير، حتى لو كان ذلك المتحصل قليل و عوائده بسيطة، فيكفي إظهاره للعيان برجاء المثوبة وبعنوان القربة، فجدير أن يكون الناتج ولو بإبراز مؤلف من الأصحاب مغمور أو كتاب مطمور، ففي ذلك الكفاية والإعذار، وأزعم الإنجاز إن تحقق ؛ لأن هناك من العلماء المؤمنين الذين خدموا الدين الحنيف وساهموا في بناء الصروح المشيدة له لم يحفظ ذكرهم لا في تراث بقى لهم ولا في كتب رجال رصدتهم، فغاب ذكرهم وهم أهل الذكر.

فمتى ما وجدت كنوزهم المدفونة، ودررهم المفقودة، كان حقا على الأتباع حفظها وعنايتها وإزالة عوادي الدهور عنها، بتحقيقها وتذييلها واستحصال المعاني منها، وهذا أقل القليل في استيفاء دين هؤلاء الأفذاذ، الذين وهبوا يراعهم لدينهم، وأوقفوا أنفسهم خدمة للشريعة السمحاء لا لشهرة طلبوها ولا ولوجاهة عند إنسان اجترحوها، سوى القربة الخالصة لله.

أهمية المخطوطة:
ولقد وفقت بأن أتحصل على واحدة من تلك المخطوطات الشريفة التي خطها مداد أحد علماء البحرين الأبرار قبل أكثر من قرنين من الزمان، وقد عنيت بأهمية هذه المخطوطة عندما بلغ لعلمي تواجدها في (مؤسسة آل كاشف الغطاء) بالنجف الأشرف – تلك المؤسسة الكريمة المعنية بحفظ التراث والمخطوطات وتحقيقها – فكانت لي مراسلات وتواصل عبر الانترنت معهم، فقد لفت انتباهي هذا المخطوط الذي استوقفني اسم مؤلفه أكثر من عنوانه، فالمؤلف (الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني) – وبحكم اهتمامي البسيط بكتب الرجال وبالخصوص علماء البحرين الأقدمين – لم أقف عند اسم هذا العالم مسبقا، خصوصا وأن المؤرخات في المخطوطة تعود لبدايات القرن الثالث عشر الهجري (1209هـ) أي قبل 220 سنة تقريبا، فلما تأكد لي بعد استلام المخطوطة وقراءتها بتمعن بأنها عائدة لهذا العالم الجليل، وراجعت كتب الرجال التي ترجمت لعلماء البحرين فما وجدت له ذكرا، مما زاد اهتمامي بإخراج هذا السفر الجليل ولو لإظهار هذا العالم رضوان الله عليه، وبرجاء استفادة الآخرين العلمية لما حوى كتابه من مسائل في فقه الحج، فشرعت بعملية العناية بالمخطوطة وتحقيقها، وتوجهت في أغسطس 2008 م للزيارة الشعبانية، فذهبت للنجف الأشرف والتقيت (بسماحة الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء) – أحد مسئولي مؤسسة كاشف الغطاء – الذين لقيت منه من التعاون ما يعجزني عن وصفه، كما كان من حسن توفيقي الحصول على الملاحظات العلمية والمساهمة الكريمة ببعض نكات التحقيق من الصديق العزيز والمحقق البارع الشيخ أحمد الحلي.

وتأتي الأهمية التي اكتسبتها المخطوطة إلى جانب قيمتها التاريخية بحكم الفترة الزمنية التي تم تأليفها فيه أي قبل تاريخ (3 شعبان 1209هـ) 1، و قيمتها العلمية بأنها رسالة فقهية في احكام الحج تتضمن استدلالات ورأيا فقهيا ناهضا للمؤلف، فإلى جانب هذين الأمرين فهي إلى أحد العلماء الذيـن ضاع ذكرهم، فلم يذكر في كتاب موجود ولم يرصده رجالي ولم يُتعرف على مؤلفات له سابقة، بل لم تتناقل أحواله الأجيال اللاحقة في البيئة التي انتسب لها، والسبب في اعتقادي قد شخصه صاحب كتاب أنوار البدرين (الشيخ علي البلادي) المتوفي 1340هـ في معرض حديثه عن تراجم علماء البحرين وأحوالهم، حيث قال:
((وإن كان قليلا من كثير، ونقطة من غدير لتشتت أهلها في البلدان، بما لعبت بهم أيدي الزمان، وما نالوه من البلاء والهوان من أهل الجور والعدوان، والحوادث والوقائع التي أخلت منهم الأوطان وبددت شملهم في كل مكان)) إلى قوله: ((حتى بلغ الحال أن كثيرا من الأولاد لم يعلموا بآثار آبائهم ولم يدروا بأنسابهم)).

ولكن مؤلفنا وإن غيبت آثاره وآثار أمثاله من العلماء الظروف التي مرت بمجتمعهم آنذاك إلا أنه شهدت له صحائف يراعه في كتابه هذا بأنه ماسكا بأسباب العلم وحاضنا لأحكام الدين، فتجلت الأهمية في إظهار إرثه وتقديمه عالما من علمائنا الذين نفتخر بهم في بحريننا المؤمنة، هذه الرسالة الموسومة ((رسالة في فقه الحج)) لمؤلفها الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني.

هذا إضافة لأهمية خاصة اكتسبتها المخطوطة وصاحبها في عصرنا، فنظرا للهجمة الشرسة على هوية المنطقة التي ينتسب لها المؤلف (بربورة)، تلك الهوية التي تمتلك التاريخ والجغرافيا والثقافة، هوية عصفت بها ألسنة الجهل عبثا تهرول لإقصائها ونسيانها، وكأن الهوية حجر يُبنى ويُهدم، وأنها ستزول بزوالها، فلا يدركون بأن الهوية أعمق من ذلك بكثير، وكان لزاما إظهار بعضا مما اكتنزته تلك الأرض المعطاءة عبر تاريخها من عطاء فكري وإنساني.

وهذا الكتاب هو أحد اسهامات علماء (بربورة) في المجال العلمي، لكي يكون شاهدا على حقبة آن أن تظهر حقائقها، وآن أن تكشف الغطاء عن مكنوناتها.

زمن المخطوطة:
لم يؤرخ المؤلف كتابه بتاريخ أو بنظم، على ما جرت عليه عادة الكثير من العلماء في كتبهم، وربما اعتذرنا للمؤلف في ذلك حين ذكر في مقدمة المخطوط بأنه كتب هذه الرسالة على جناح السفر والسرعة تلبية لحاجة بعض أصحابه الذاهبين للحج لرسالة عملية في فقه وأعمال الحج حيث قال: ((فهذه نبذة من الكلام في فقه الحجّ إلى بيت الله الحرام، أجبت بإملائها على جناح السفر التماس جماعةٍ من الأخوان))، فألّف الرسالة ولم يلتفت أو يهتم لتسجيل تأريخ الفراغ منها.

وبطبيعة حال المخطوطة، كونها رسالة عملية في الحج، وبسبب قلة الاستنساخ في ذلك الزمان، وحسب قول المؤلف بأنه كتبها لحاجة أصحابه لها حين زيارتهم لبيت الله الحرام، فقد انتقلت الرسالة المخطوطة من يد لأخرى رجاء الاستفادة منها لأكثر من شخص وفي أكثر من زمان خصوصا لبعد المسافة بين مكة و بلد المؤلف وتبعا له صعوبة الانتقال، مما يجعل فرصة الشخص الواحد للذهاب مرارا للحج والزيارة صعبة، لذا تم تناقل المخطوطة فنلاحظ على مقدم الكتاب عدة عبارات لمن امتلكوه وتحصلوا عليه، فقاموا بوضع تواريخ ملكيتهم للكتلب، وحين رصدنا تلك المؤرخات، وجدنا أن أقدم توثيق لها هو بتاريخ 3 شعبان 1209 هـ والنص كالتالي:
(كيف أقول في ملكي ولله ملك السماوات والأرض. بسم الله تعالى، في ملك الأقل الجاني فاضل بن صالح بن أحمد في 3 شعبان سنة 1209هـ).

وهناك تواريخ أخرى لاحقة على هذا التاريخ المذكور،وعليه يمكن أن نبني بأن التوثيق الأول هو الأقرب من زمن المؤلف، وربما المؤلف نفسه من سلم المخطوطة لشخص فاضل،ويبدو هو المعني يالأصحاب حسب ما ذكر المؤلف في مقدمته ؛ بدلالة كون أن من تداولوا المخطوطة بعد فاضل نسبوا استلامها منه ووضعوا توثيقهم بتاريخ لاحق عليه.1
وإذا افترضنا معاصرة أو قرب زمن مالك الكتاب فاضل بن صالح لزمن الشيخ ناصر البربوري، فالراجح لدينا أن الشيخ ناصر قد عاش في القرن الثاني عشر الهجري والله أعلم.

الظروف الاجتماعية والثقافية في عصر المؤلف:
ينتسب صاحب المخطوطة لمنطقة (بربورة) من بلاد البحرين التي عرفت كمثيلاتها من مناطق البحرين عبر مئات السنين بأنها ملاذا للعلماء، ومنهلا يستسقى فيه الحديث والفقه والأدب، و مركز إشعاع يضج بالثراء الفكري، وهنا الكلام ليس للإنشاء و الخيال، بل هو حقيقة أثبتتها الشواهد والدلائل وما تم العثور عليه من تراث علمي وأدبي لعلماء البحرين، وما تم رصده من أسماء العلماء الذين عاشوا آنذاك يعطيك مؤشرا واضحا عن طبيعة الواقع الذي عاشوه.

فعلى مستوى بلاد البحرين، فقد شهدت حراكا فكريا واسعا امتد العصر الذهبي له طوال العصر الإسلامي الوسيط حتى بدايات القرن الثامن عشر الميلادي، عندما حدث التحول الكبير في البلاد بعد الهجمة العمانية الأولى على البحرين عام 1129هـ – 1718م، والثانية بعد عشرين عاما منها حين هاجم سيف بن سلطان جزر البحرين واستولى عليها وقتل من الشيعة مالا يحصى حسب ماذكر الشيخ محمد علي العصفور في “الذخائر”، وما جرى حينها من دمار واسع في البنية الفكرية والاجتماعية للبلد، الذي ترك عظيم الأثر في تغيير المزاج العلمي الذي عاشته البلاد طوال ما سبق تلك الفترة، حيث هجرها أكثر سكانها وعلمائها وشتت شملهم، (وأصبحت بيوتهم رسوما خاوية ومدارسهم مندرسة بسبب أهل الجور والعدوان).

والشواهد كثيرة على تلك الحوادث، رصدتها المراسلات كمراسلات حكام بوشهر التي ذكر منها الشيخ محمد على العصفور، وكتب السير والحوادث،3 ومقولات العلماء الذين عايشوا تلك الحقبة قدموها كإشارات في مقدمات وخواتيم كتبهم، فيها من التحسر على ما جرى بحالهم وحال بلدهم،كمقولات الشيخ عبدالله السماهيجي والشيخ ياسين البلادي والشيخ يوسف البحراني و الشيخ علي البلادي 4 وغيرهم.. ويكفي هذه الصورة الواقعية للهجرة الجماعية، حيث تشاهد الانتشار الغير طبيعي لأبناء هذا البلد في المحيط الآمن بعيدا عن الحوادث التي جرت بالبلاد، وكفانا شاهدا ايضا أنّ من ذكرناهم من أسماءٍ أعلاه هم من علماء المهجر الذين فروّا بدينهم، وللحديث بقية في موضع آخر، بعيدا عن الاستطراد، وقد أجاد العرض والتحليل الدكتور نادر كاظم في كتابه “استعمالات الذاكرة ” حول رحلة الشتات التي عصفت بشعب البحرين آنذاك.

وأما بخصوص “بربورة ” فباعتبارها جزء من المكون العام للنسيج الاجتماعي والثقافي والطبيعي البحراني، فسينسحب تأثير ما جرى على البلد عليها، ولا مسوغ يمنع بُعدها عما جرى، فلا موانع طبيعية تمنع ولا حواجز بشرية فرضت، بل يغلب الظن بأن بربورة من المناطق التي تأثرت مباشرة بتلك الحوادث، كونها تقع في الجهة الشرقية، المواجهة لقدوم المعتدين والتي تتوفر فيها الظروف الموضوعية، كما أثبتت الحوادث التاريخية، بأن الهجمات اللاحقة للعمانيين والعتوب والعجم بدأت أول ما بدأت من جزيرة سترة 1، أي من الساحل الشرقي القريب جدا من بربورة.

وعليه فإن لم تذكر بربورة في المصادر بالاسم حين التطرق لما جرى، إلا أن المصداق الكبير هو هجرة أهلها منها في المناطق القريبة منها أو البعيدة، تاركين وراءهم بيوتا مندرسة و جنة غناء من النخيل والماء العذب يصعب تركها والإبتعاد عنها إلا إذا مرت ظروف قاهرة على اهلها منعتهم من البقاء، ولم يحملوا معهم سوى الاسم، حيث من طبيعة سكان البحرين الانتساب لمناطق سكناهم والمنشأ، فحملوا النسبة “بربوري” أينما حلوا، وإن كانوا خارج البحرين أضافوا لها النسبة الأخرى”البحراني”. وقد التقيت شخصيا بعالم دين من المحمرة هو الشيخ عبدالكريم البربوري من ذوي أصول بحرانية وينتسب إلى بربورة، حيث ظلت تلك النسبة في وعيهم وفي سلسلة النسب الرسمي، وذكر لي بأنه في المحمرة أكثر من عشرين بيتا يحملون هذا المسمى، وهناك مثلهم في البصرة بمنطقة تسمى “البراضعية” وكذلك في “أبو الخصيب”.

كما توجد عوائل داخل البحرين في مناطق مختلفة تحمل نفس النسبة خصوصا في منطقة النويدرات وسترة، مما يؤشرعلى حركة النزوح الواسعة التي حلت بسكنة المنطقة. ولا نعلم إن كان مؤلفنا ممن ناله نصيب النزوح في حينها من موطنه الأصلي بالبحرين أم بقي فيها، باعتبار أن الفترة التي عاش فيها هي فترة هدأت نسبيا رياح الشتات وإن كانت مصائب الزمان توالت والصراعات استمرت تهدأ حينا وتثور حينا، وضحيتها سكنة تلك الجزرالذين عانوا الأمرين من حروب النفوذ والتسلط التي اشترك فيها العرب والعجم و العمانيون والعتوب والوهابية وغيرهم.

المكانة العلمية للمؤلف:
أصبح لدينا الكتاب يتحدث عن صاحبه، فيتبين من خلال مراجعة متن الكتاب جانبا من متانة أسلوب المؤلف وقوة حجته واستدلالاته، ودقة ملاحظاته في العديد من القضايا التي عالجها طارحا فيها رأيه الخاص إضافة لتتبعه لآراء العلماء ونقده لبعض الآراء المطروحة محشدا عددا كبيرا من الروايات التي ناهزت المائة والستين رواية في هذا الكراس، موافقا ومرجحا ومضعفا، مما يعطي – قليل البضاعة – مثلي انطباعا برفعة شأنه العلمي، وسعة مداركه، وذلك لغزارة استشهاداته وكثرة ملاحظاته، وعند رجوعي لذوي الشأن في الفقه، وإطلاعهم على رسالته لتقييمها علميا في المضمون الفقهي أكدوا لي هذا الجانب، وعند استعراضنا لمتن المخطوط وجدنا بأن المؤلف يملك قدرة في ترجيح الآراء وإصدار الحكم في قضايا فقهية وله استدلالات وتحقيقات وتعابير دالة على رسوخه في مجاله، ويبقى لأهل الشأن في الفقه من العلماء أن يحكموا في القيمة العلمية للمادة، ولنا فقط أن نأخذ أمثلة على ما فهمنا كقوله محققا:

((والتحقيق عندي أن في الكلام إجمال موكول البيان إلى الإعتبار الصحيح، وأن الغرض من ذكر هذا العدد إفادة قيام الشوط مقام الأسبوع عند تعذره، لا تعيين للصورة العددية…)).

وأيضا رأيه في ذبح الهدي وترجيحه:
((وأمّا الإطعام فأقوال الأصحاب فيه مختلفة ومداركها مضطربة والذي يقوى في نفسي أنه إن وجد ” القانع ” و “المعتر” وجب اطعامهما ما يناسب حالهما … إلى قوله: اهداء بعض الهدي لكنه غير ناهض بإثبات الحكم، فالظاهر ترجيح مراعاة السؤال وإن لم يوجد قانع أو معتر)).

وقوله في موضع آخر يبين رأيه:
((لكن الشك في تحقق الإجماع بهذا القدر ليكون دليلا على الحكم إذا الأمر منحصر فيه وكانت فتوى العلامة في “المنتهى” بعدم الإجزاء ينافيه، وللأصحاب في حكم الثاني اختلاف منشأه اطلاق ظاهر الأخبار فيه، والأظهر عندي عدم اجزائه وقد حققنا وجهه في “المنتهى”).

وعند الرجوع لمبحث النيات، ستجد أن المؤلف يعالج المسألة، بشكل علمي رصين، يعبر عن قناعاته الفقهية التي بناها هو وبشكل تفصيلي 4، وله رأي في بعض المسائل يختلف فيها عن مشهور علماء المتأخرين، كمسألة الحلق أوالتقصير:
و بالنسبة للصرورة، والتي يرى في رأيه ((مخيّرا بينهما والحلق أفضل وخصوصا للصرورة)).

هذه جملة من الاستشهادات التي وجدناها في ثنايا الكتاب، وهناك مع التتبع ما هو أكثر من ذلك، وللمهتمين والعارفين من العلماء بهذا الجانب الدراية والكفاءة بما هو أعلى من معرفة و فهم كاتب هذه السطور المتبلد الذهن والراكن إلى مقدمات الأمور لسهولتها، تاركا وعورة المسالك وعمقها لذويها.

الوصف العام للمخطوطة:
المؤلف: ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني
الناسخ: المؤلف نفسه.
سنة التأليف: غير موجود.
مؤرخات: يوجد أكثر من تاريخ لمن تملّكوا المخطوطة في فترات متعددة، وأقدمها في الصفحة الاولى، تاريخ ملكية فاضل بن صالح بن أحمد في سنة1209 هـ، وهناك تاريخ آخر على الصفحة الثالثة لملكية الحاج كاظم بن الحاج مكي المخرق الخطي سنة 1243 هـ.
عدد الصفحات: 254 صفحة إجمالي صفحات المخطوط.
وصف المتن: كتبت مخطوطة رسالة في فقه الحج بخط جيد وواضح ومقروء، إضافة الصفحة الأولى بها مؤرخات لغير المؤلف واسماء مالكي المخطوطة وتعليقاتهم، والثانية ثلاثة ابيات من الشعر لغير المؤلف، والثالثة مؤرخ لمالك المخطوطة في حينه، إضافة لفقرة غير مكتملة لفائدة في حفظ سورة ياسين، وتبدأ مخطوطة رسالة الفقه التي تمت دراستها من الصفحة الرابعة وتنتهي حتى 254 وهي الغلاف الأخير و مكتوب عليه بخط لاحق لغير المؤلف.
مقاس المخطوطة: العرض: 9,5 سم x الطول: 15 سم.
عدد المخطوطات: واحدة.
مكان تواجد الأصل: مؤسسة كاشف الغطاء – النجف الأشرف
هيئة المخطوطة المستلمة: نسخة مصورة عن الأصل استنسخت بمؤسسة كاشف الغطاء كنسخة الكترونية.

منهج التحقيق:
بعد التوكل على الله سبحانه، شرعت بتحقيق مخطوط “رسالة في فقه الحج” لمؤلفها سماحة العلامة الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني (رض)، وكان سبيلي لذلك أن انتهجت عدة خطوات لإنجاز هذا المطلب من خلال:

– عملت على استحصال المخطوطة الأصلية، من مصادرها التي اشرت لها سابقا، وقد قدمت مؤسسة كاشف الغطاء بالنجف الأشرف مشكورة لي يد العون والتسهيل في هذا المجال، واستلمت منها نسخة الكترونية مصورة للأصل مكتوبة بيد المؤلف نفسه.

– سعيت للحصول على نسخ أخرى للمخطوطة، سواء بخط المؤلف أو تعود لفترة متأخرة عنه من أجل المطابقة بينها، أو لعله نجد بعض الحواشي والإضافات المفيدة لغرض البحث، فتوجهت باحثا في المؤسسات والمكتبات الخاصة والعامة المهتمة بالمخطوطات من ضمنها مكتبة الحضرة الرضوية بمشهد المقدسة، وفي مكتبة المرعشي النجفي بقم المقدسة والمكتبة الوطنية الايرانية بطهران، ومكتبة الإمام علي، ومكتبة الإمام الحكيم بالنجف الأشرف ومكتبة الحضرة العباسية بكربلاء المقدسة، لكن لم أوفق لوجود نسخة أخرى، واكتفيت حينها بالمخطوط الفريد، وكان عمدة التحقيق ومدار التذييل

– فقمت بعدها بتنضيد المخطوطة الكترونيا، وتمت كتابتها كاملة كما وردت بخط المؤلف، ثم تم عرض ما تم كتابته على المخطوطة للمطابقة، مع ضبط النص إملائيا وبعلامات الترقيم.

– تم تخريج النصوص الواردة في المخطوط كالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والاقتباسات والإشارات من مصادرها الأصيلة.

– لإتمام الفائدة تم ترقيم الأحاديث الواردة في المخطوط حسب ورودها فيه، وبما أن المخطوط مشتمل على عدد كبير من الروايات، تم وضع دليل للرواة و الأحاديث التي رووها بوضع أرقامها كما وسبق إن ذكرنا.

– وتم وضع عناوين فرعية للأبواب والفصول وملحقاتها، وجعلها بين مزدوجين بهذا الشكل [ ].

– تم ارجاع الأحاديث لمصادرها الأصيلة، فحين اختلاف أحد الألفاظ بين المخطوطة ومصدر النص في المجاميع الحديثية، يتم إثبات لفظ المصدر الأصيل للحديث الشريف.

– الاعتماد على المجاميع الحديثية الأربعة المعتمدة وهي: الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي، كمصادر رئيسية لتخريج الأحاديث، إضافة للمصادر الأخرى حين لا نجد النص فيما ذكر.

– وضعت دليلا للأبواب والفصول والعناوين الفرعية، وقائمة المراجع ومصادر البحث التي أفادتنا بعملية التحقيق، مع تحسين عملية إخراج المخطوط لتعم الفائدة وتيسيرها للقاريء الكريم.

هذا ونسأل الله عز وجل التوفيق في نيل رضاه، وأن يكون عملنا هذا خالصا لوجهه، ومحط عنايته، وموضع دعاء مولانا صاحب الزمان (عجل)، والوفاء باليسير للعلماء العاملين الذين افنوا حياتهم في احياء سنن الله وحفظ شريعته ودعوتهم لاتباع أوليائه، ومنابذة أعدائه.

شارك برأيك: