أحدث المواضيع

كلمة وفاء للحاج حسن الدولابي

  1. كلمة وفاء للحاج حسن الدولابي

مرّ أكثر من عام على رحيل والد الجميع الحاج حسن الدولابي، الذي كان يتعامل مع الحياة بكل حيوية؛ لأنه كان يعتقد أن الله جل قدرته لم يبقينا على قيد الحياة إلا لنعمل إلى آخر لحظة في عمرنا المحدد عند الله تعالى، فتراه يتحدى المرض ويتجاسر عليه وفي كل مرة يتغلب عليه رغم شدته، وتجاوز عمره 85 عامًا، ولم يتوقف عن السفر إلى الأماكن التي يستهويها قلبه وتريح نفسه وترفع معنوياته. كان رحمه الله تعالى يقول عن الأعمار أنها مجرد أرقام، بإرادة الإنسان وعزيمته أن يجعلها أرقامًا نشطة فاعلة تزيده حركةً ونشاطًا في أسرته وعائلته وفي مجتمعه، لم يسمح الدولابي للمرض في يوم أن يجعله خاملاً متكاسلاً متقاعسًا، لم نسمع عنه أنه قد أوقف برنامجه اليومي الذي كان يؤديه بعد صلاة الفجر مباشرة حتى طلوع الشمس، والذي يتضمن تلاوة القرآن الحكيم وقراءة دعاء الصباح وتصفّح بعض كتب التاريخ أحيانًا، وقبل أذان الظهر يخرج إلى المسجد القريب من بيته، ليلتقي بأبناء منطقته، ويؤدي الصلاة في وقتها، ثم يعود لعشيقه القرآن الكريم ليتلو ما تيسر من آياته الشريفة، وفي المساء يجلس مع أولاده وبناته وأحفاده يتفقد أحوالهم ويسمع أخبارهم ويتبادل معهم الأحاديث المتنوعة التي تهم العائلة والمجتمع، ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ولم تفارقه زوجته أم عياله منذ رحيلها في العام 2003، طوال 19 سنة صورتها لم تغب عن ذاكرته، ولم نره يجهش بالبكاء إلا في يوم رحيل زوجته أم عبدالواحد، حتى أحسسنا في ذلك اليوم العصيب أن روحه ستخرج من بدنه شدة نحيبه عليها رحمها الله تعالى، لم يكن حبه لزوجته حبًا عاديًا، كان عاشقًا مخلصًا وفيًا لها، لم يفكر في غيرها بعد وفاتها حتى يوم رحيله من هذه الدنيا، وكان رحمه الله في جلساته يتعمد في طرح الأسئلة على أسرته ومناقشتهم وإبداء رأيه فيها بكل ثقة، كانت ثقافته في الغالب سمعية ومرئية، ويمتلك رحمه الله تعالى خبرات حياتية واسعة في مختلف الاتجاهات، ففي مرة حضر أمام القاضي كشاهد، أصرّ أن يدلي بشهادته واقفًا، وعندما قال له القاضي اجلس حجي لا تكلف على نفسك، كأنه في حينها يقول للقاضي لا أسمح لنفسي أن أدلي بشهادتي أمامكم جالسًا وأنا أستطيع الوقوف على رجلاي، عرف بشدة إيمانه بالله جلت عظمته، وقوة تمسكه بالآداب العامة والأخلاق العالية، والحب الكبير لوطنه ومجتمعه، كان يعتقد عندما افترسه فيروس كورونا اللعين، الذي لم يحترم كبر سنه وضعف بدنه، أنه يستطيع بإرادته الفولاذية مقاومته والتغلب عليه، إلا أن الفيروس القبيح كان عنيدًا، زاد من قسوته عليه حتى أسلمه للموت بعد إنهاكه، ولم يسمح لأولاده وبناته وأحفاده أن يلقوا عليه نظرة الوداع الأخيرة، ولم يسمح لأحبته أن تشيّعه وتنزله في لحده.
رحمك الله يا أبا عبدالواحد وتغمّدك بواسع رحمتك وأسكنك الفسيح من جنته، ورزقك شفاعة القرآن الحكيم ورسول الله محمد بن عبدالله (ص)، آمين رب العالمين.
سلمان عبدالله
المصدر :

العدد 12237 الأحد 9 أكتوبر 2022 الموافق 13 ربيع الأول 1444

شارك برأيك: