أحدث المواضيع

مختارات في شهر رمضان – ثلاث ظواهر سماوية – الاستاذ حسن المطوع

ثلاث ظواهر سماوية

قال تعالى في كتابه العزيز :
{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} 96 الأنعام .

في هذه الآية الكريمة يشير القرآن إلى ثلاث نعم سماوية وهي :

1️⃣- فالق الإصباح
🔹و ” الفلق ” هو شق الشئ وإبانة بعضه عن بعض، و ” الإصباح ” و ” الصبح ” بمعنى واحد .
إنه تعبير رائع، فظلام الليل قد شُبِّهَ بالستارة السميكة التي يشقها نورُ الصباح شقًا .
🔹وهذه الحالة تنطبق على الصبح الصادق والصبح الكاذب كليهما، لأن الصبح الكاذب هو الضوء الخفيف الذي يظهر في آخر الليل عند المشرق على هيئة عمود، وكأنه شق يبدأ من الشرق نحو الغرب في قبة السماء المظلمة، والصبح الصادق هو الذي يلي ذلك على هيئة شريط أبيض لامع جميل يظهر عند امتداد الأفق الشرقي، وكأنه يشق عباب الليل الأسود من الأسفل ممتدا من الجنوب إلى الشمال، متقدما في كل الأطراف حتى يغطي السماء كلها شيئا فشيئا.

🔹والقرآن الكريم يتناول هنا ” طلوع الصبح ” كنعمة من نعم الله الكبرى، فنحن نعرف أن هذه الظاهرة تحدث لوجود جو الأرض ، ( الغلاف الجوي ) ذلك الغلاف الضخم من الهواء الذي يحيط بالأرض، فلو كانت الأرض – مثل القمر – عديمة الجو، لما كان هناك ” طلوعان ” ولا ” فلق ” ولا ” إصباح “، ولا ” غسق ” ولا ” شفق ” بل كانت الشمس تبزغ فجأة، بدون أية مقدمات ولَسَطَعَ نورُها في العيون التي اعتادت على ظلام الليل ولم تكد تفارقه، وعند الغروب تختفي فجأة، وتعم الظلمة الموحشة في لحظة واحدة كل الأرجاء، غير أن الجو الموجود حول الأرض والمؤدي إلى حصول فترة فاصلة بين ظلام الليل وضياء النهار عند طلوع الشمس وغروبها يهيئ الإنسان تدريجيا لتقبل هذين الاختلافين المتضادين والانتقال من الظلمة إلى النور، ومن النور إلى الظلمة، شيئا فشيئا، بحيث إنه يستطيع أن يتحمل كل منهما، فنحن نشعر بالانزعاج إذا كنا في غرفة مضاءة وانطفأت الأنوار فجأة وعم الظلام، ثم إذا استمر الظلام ساعة، وعاد النور مرة أخرى فجأة، عادت معها حالة الانزعاج بسبب سطوع الضوء المفاجئ الذي يؤلم العين ويجعلها غير قادرة على رؤية الأشياء، وإذا ما تكرر هذا الأمر فإنه لا شك سيؤذي العين، غير أن فالق الإصباح قد جنب الإنسان هذا الأذى بطريقة رائعة .

 

2️⃣- وجعل الليل سكنا
🔹من الأمور المسلم بها أن الإنسان يميل خلال انتشار النور والضياء إلى العمل وبذل الجهد، ويتجه الدم نحو سطح الجسم وتتهيأ العضلات للفعالية والنشاط، ولذلك لا يكون النوم في الضوء مريحا، بل يكون أعمق وأكثر راحة كلما كان الظلام أشد، حيث يتجه الدم فيه نحو الداخل، وتدخل الخلايا عموما
في نوع من السكون والراحة .
🔹لذلك نجد في الطبيعة أن النوم في الليل لا يقتصر على الإنسان و الحيوانات فقط، بل إن النباتات تنام في الليل أيضا، وعند بزوغ خيوط الصباح الأولى تشرع بفعاليتها ونشاطها .
🔹و في الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) نجد التأكيد على ما ينسجم مع هذا التنظيم، من ذلك ما جاء في نهج البلاغة عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال يوصي أحد قواده “… ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ضعنا، فارح فيه بدنك وروح ظهرك ”
وفي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: ” تزوج بالليل فإنه جعل الليل سكنا “.
وفي كتاب الكافي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) أنه كان يأمر بعدم ذبح الذبائح في الليل وقبل طلوع الفجر، وكان يقول: ” إن الله جعل الليل سكنا لكل شئ ” .

 

3️⃣- وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا
🔹” الحسبان ” بمعنى الحساب، ولعل القصد منه أن الدوران المنظم لهاتين الكرتين السماويتين وسيرهما الدائب ( المقصود طبعا حركتها في أنظارنا وهي الناشئة عن حركة الأرض ) عونٌ لنا على وضع مناهجنا الحياتية المختلفة وفق مواعيد محسوبة،
🔹يرى بعض المفسرين أن الآية تريد أن تقول إن هاتين الكرتين السماويتين تتحركان في السماء وفق حساب وبرنامج ونظام .
🔹وعليه فهي في الحالة الأولى إشارة إلى إحدى نعم الله على الإنسان، وفي الحالة الثانية إشارة إلى واحد من أدلة التوحيد وإثبات وجود الخالق، ولعلها إشارة إلى كلتيهما .
🔹فالأرض منذ ملايين السنين تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض، وبذلك تنتقل الشمس في أنظارنا من برج إلى برج بين الأبراج الفلكية الاثنتي عشرة، والقمر يدور في حركته المنتظمة من الهلال حتى المحاق، أن حساب هذا الدوران من الدقة والضبط بحيث إنه لا يتقدم ولا يتأخر لحظة واحدة، ولو لاحظنا أن الأرض تدور حول الشمس في مدار بيضوي معدل شعاعه 150 مليون كيلومتر ضمن جاذبية الشمس العظيمة، والقمر الذي يدور كل شهر حول الأرض في مدار شبه دائرة شعاعه نحو 374 ألف كيلومتر ولا يخرج من جاذبية الأرض العظيمة، فهو دائم الانجذاب نحوها، عندئذ يمكن أن ندرك مدى التعادل الدقيق بين قوة الجذب بين هذه الأجرام السماوية من جهة، والقوة الطاردة عن مراكزها (القوة المركزية) من جهة أخرى، بحيث لا يمكن أن تتوقف لحظة واحدة أو تختلف قيد شعرة .

هذا النظام هو تنفيذ الله العزيز العليم
وهذا النظام الدقيق جدا في الكَون لا يمكن أن يكون إلا في ظلِ علمٍ وقدرةٍ ليس لهما نهاية يضعان تخطيطه وينفذانه بدقة، و هما قدرةِ وعلمِ الله العظيم لذلك تنتهي الآية بقولها :
ذلك تقدير العزيز العليم .
———————
راجع الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج ٤ – الصفحة ٣٩٦

شارك برأيك: