مختارات في شهر رمضان – مجالس المستهزئين بآيات الله – الاستاذ حسن المطوع

مجالس المستهزئين بآيات الله

قال تعالى في كتابه العزيز : ” وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ( 140 )النساء

سبب النزول
نقل عن ابن عباس أن نفرا من المنافقين كانوا يحضرون اجتماعات لعلماء اليهود، حيث كانوا يستهزئون بآيات القرآن في تلك الاجتماعات ، فنزلت هذه الآية وأوضحت النهاية المشؤومة لهذه اللقاءات .

على الجميع الإعراض عن المستهزئين بالقرآن
لقد ورد في الآية (68) من سورة الأنعام أمر صريح إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن يعرض عن أناس يستهزئون بآيات القرآن ويتكلمون بما لا يليق قال تعالى ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ )
وطبيعي أن هذا الحكم لا ينحصر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحده بل يعتبر حكما وأمرا عاما يجب على جميع المسلمين اتباعه، وقد جاء هذا الحكم على شكل خطاب موجه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

لماذا يجب الإعراض عن هذه المجالس ؟
وفلسفته جلية واضحة، لأنه :

🔹 يكون بمثابة كفاح سلبي ضد مثل تلك الأعمال .
🔹 حتى يكف أهل هذه المجالس عن الاستهزاء ويدخلوا في حديث آخر .

المشاركة في مجالس المستهزئين لها نتيجتين

١- تؤكد الآية الشريفة أن من يشارك في مجالس الاستهزاء بالقرآن فهو مثل بقية المشاركين وسيكون مصيره نفس مصير أولئك المستهزئين، تقول الآية ( إنكم إذا مثلهم )
٢- إنَّ الله يجمع المنافقين والكافرين في جهنم حيث العذاب الأليم، تقول الآية ( إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا )

الآية تخبرنا عن عدة أمور وهي

1️ – إن المشاركة في مجالس المعصية تكون بمثابة المشاركة في ارتكاب المعصية، حتى لو بقي المشارك ساكتا أو ساكنا ولم يشارك في الاستهزاء بنفسه، لأن السكوت في مثل هذه الأحوال دليلا على رضا صاحبه بالذنب المرتكب .

2️ – لو تعذر النهي عن المنكر بالشكل الإيجابي له، فلابد أن يتحقق النهي ولو بالصورة السلبية، مثل أن يبتعد الإنسان عن مجالس المعصية ويتجنب الحضور فيها .
3️- إن الذين يشجعون أهل المعاصي بسكوتهم وحضورهم في مجالس المعصية، إنما يجازون ويعاقبون بمثل عقاب العاصين أنفسهم.

4️ – لا ضير من مجالسة الكفار إن لم يدخلوا في حديث فيه استهزاء وكفر بالآيات الإلهية ولم تكن هذه المجالسة تحمل خطرا آخر، ويدل على إباحة المشاركة في مجالس الكفار التي لا يعصون فيها الله قوله تعالى في الآية ( حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )
5️ – إن المجاملة والمداهنة مع العاصين المذنبين، إنما تدل على وجود روح النفاق لدى الشخص المجامل، وذلك لأن المسلم الحقيقي الواقعي لا يمكنه أن يشارك في مجلس يُعْصَى فيه الله
ويستهزأ بآياته الكريمة وأحكامه السامية، دون أن يبدي إعتراضا على هذه المعاصي، أو – على الأقل – أن عدم رضاه عليها بترك
هذا المجلس . 1

 

قصة لطيفة
عن أبي هاشم الجعفري وهو من أجل رجال الشيعة قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام ( احتمال الرضا أو الهادي عليهما السلام ) يقول :
مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟
فقال : إنه خالي .
فقال: إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله ولا يوصف ، فإما جلست معه وتركتنا ، وإما جلست معنا وتركته ؟
فقلت: هو يقول ما شاء ، أي شئ علي منه إذا لم أقل ما يقول ؟
فقال أبو الحسن عليه السلام :
أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا ، أما علمتَ بالذي كان من أصحاب موسى عليه السلام ، وكان أبوه من أصحاب فرعون ، فلما لحقت خيلُ فرعون موسى تخلف عنه ( عن موسى ) ليعظ أباه فيلحقه بموسى ، فمضى أبوه وهو يراغمه ( يمنع أباه
و يعظه ويدعوه بأن يأتي معه للحاق بموسى ) حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتَى موسى عليه السلام الخبر، فقال :
هو في رحمة الله ، ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع .2
——————-
1- راجع الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج ٣ – الصفحة ٤٩٩
2- الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ٣٧٥

شارك برأيك: