مختارات في شهر رمضان – قصة الحاج علي البغدادي – الاستاذ حسن المطوع

قصة الحاج علي البغدادي

نقرأ اليوم الجمعة المبارك قصةَ السعيد الصالح الصفي المتّقي الحاج علي البغدادي التي أوردها الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه ( جنّة المأوى ) و ( النجم الثاقب ) ، وقال في كتاب ( النجم الثاقب ) إنّه لو لَم يكن في هذا الكتاب سوى هذه القصة المتقنة الصحيحة الحاوية على فوائد جمة الحادثة في عصرنا لكفاه شرفاً ونفساً ،
ثم قال بعدما مهّده من المقدمات :
حكَى الحاج علي البغدادي أيّده الله قائلاً :
تراكم في ذمّتي من سهم الإمام عليه‌ السلام من الخمس مبلغ ثمانين تومانا ، فرحلتُ إلى النجف الأشرف ودفعت منها إلى علَمِ الهدى والتقى حضرة الشيخ مرتضى أعلى الله مقامه عشرين تومانا ، وإلى حضرة الشيخ محمد حسين المجتهد الكاظمي عشرين تومانا ، وإلى حضرة الشيخ محمد الشّروقي عشرين تومانا ، ولَم يبق عليّ سوى عشرين تومانا كنت أروم ( أريد ) أن أقدمها إذا قفلتُ ( رجعتُ ) من النجف إلى الشيخ محمد حسن آل يس الكاظمي أيده الله ( في الكاظمية ) ، ووددت لمّا وافيت بغداد أن أبادر إلى أداء ما استمر من السهم ، فتوجهت إلى الكاظمية ، وكان اليوم الخميس فزرتُ الإمامين الهمامين الكاظمين عليهما السلام ، ثم وافيتُ حضرة الشيخ سلّمه الله ( الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي فنقدته شطراً من العشرين تومانا ، وأوعدته بأن أؤدّي الباقي إذا بعت بعض البضائع ، بأن أبذله إلى مستحقه حسب ما يحيله عليّ بالتدريج ، ثم أزمعت ( نويتُ ) على مغادرة الكاظمية ورفضتُ ما ألحَّ فيه حضرة الشيخ محمد حسن الكاظمي من البقاء معتذراً بأن عليّ أن أوفي ( أعطي ) عمال معمل النسيج أجورهم حسب ماقررت عليه من بذل أجر عمل الأسبوع في يوم الخميس عصراً . فأخذت أسلك طريقي إلى بغداد فلما قاربت ثلث الطريق إذا أنا بسيد جليل من السادة يعرّج عليّ في طريقه إلى الكاظمية فدنا مني وسلَّم عليّ وبسط يده للمصافحة والمعانقة ورحب قائلاً أهلاً وسهلاً وضمّني إلى صدره وتلاثمنا ، وكان قد تعمّم بعمامة خضراء زاهرة وفي وجهه الشريف شامةٌ كبيرة سوداء ، فتوقف وقال على خير أيُّها الحاج عليّ أين المقصد ؟
فأجبته قد زرتُ الكاظمين عليهما‌ السلام وأنا الآن ماضٍ إلى بغداد .
فقال لي : عد إلى الكاظميين عليهما‌ السلام فهذه ليلة الجمعة .
قلت : لا يسعني العود .
فأجاب ذلك في وسعك ، عد كي أشهدُ لك بأنك من الموالين لجدي أمير المؤمنين عليه‌السلام ولنا ، ويشهد لك الشيخ ، فقد قال تعالى : ( واستشهدوا شَهيدين ) ، وكان هذا تلميحًا إلى ما كنتُ أتوخاه من التماس الشيخ أن يمنحني رقعةً أجعلها في كفني يشهد لي فيها بأنّي من الموالين لأهل البيت عليهم‌ السلام .
فسألته من أين عرفتني ؟ وكيف تشهد لي ؟
فأجاب ؛ كيف لا يعرف المرءُ من وافاه حقّه ؟
قلت : وأي حق هذا الذي تعنيه ؟
فأجاب : مابذلته لوكيلي . قلت : ومن هو ؟
قال : الشيخ محمد حسن .
فقلت : أهو وكيلك ؟
أجاب : هو وكيلي ، وكذلك السيد محمد .
قال الحاج علي : ما كنت أعرف صاحبي هذا ، ولكنه كان قد دعاني باسمي فاحتملتُ أن تكون بيننا معرفة سابقة ، وقلت أيضاً في نفسي : أنه يطالبني بشيء من الخمس ، ووددت أن ابذل له من سهم الإمام عليه‌ السلام .
فقلت : يا أيُّها السيد إنّه قد بقي في ذمّتي من حقكم شي ( أي حق السادة ) وقد راجعت في ذلك حضرة الشيخ محمد حسن كي أؤديه إليكم بإذنه .
فتبسّم في وجهي قائلا : نعم ، ثم قد أبلغتَ شطراً من حقّنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف .
فقلت : هل قبل ما أديتُهُ ؟
قال : نعم .
ثم انتبهت إلى أن صاحبي هذا يعبِّر عن أعاظم العلماء بكلمة وكلائي ، فاستكبرتُ ذلك .
ثم قلت في نفسي : العلماءُ وكلاء السادة في قبض حقوقهم ؟ ثم اعترضتني الغفلة …
ثم قال لي : عد إلى زيارة جدي فطاوعته وعدت معه و كنتُ قابضًا على يده اليمنى بيدي اليسرى . فلما أستأنفنا المسير وجدت نهراً إلى جانبنا الأيمن يجري بماء زُلال ، ووجدت أشجار الليمون ، والرارنج والعنب ، والرمان ، وغيرها تظللنا من فوق رؤوسنا وكلها مثمرةٌ معاً في غير مواسمها ، فسألته عن النهر والأشجار ؟
فقال : إنها تصاحب كل موال من موالينا إذا زار جدّنا وزارنا .
فقلت له : مسألة أريد سؤالها .
قال : سل .
قلت : إن الشيخ عبد الرزاق (رض) كان ممّن يزاول التدريس ، وقد وافيتُهُ يوما فسمعته يقول :
من دأب في حياته على صيام النهار وقيام الليل وحجّ أربعين حجّة واعتمر أربعين عمرة ، ثم وافته المنون ، وهو بين الصفا والمروة ، ولَم يكن هو من الموالين لأمير المؤمنين عليه‌ السلام ما كان له شي من الاجر ؟
فأجاب : نعم . والله ، ما كان له شي .
ثم سألته عن بعضِ أقربائي هل هو من الموالين لأمير المؤمنين عليه‌السلام ؟
فأجاب : نعم
ثم قلت : سيّدنا مسألة .
قال : سل .
قلت : يقول خطباء مآتم الحسين عليه‌ السلام :
إنَّ سليمان الأعمش أتى رجلاً يسأله عن زيارة سيد الشهداء عليه‌السلام فأجابه الرجل :
أنها بدعه ، ثم رأى في المنام هودجاً بين السماء والأرض ، فسأَلَ عن الهودج ، فأُجيبَ بأن فيه فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى ( عليهنَّ السلام ) ، فسأل أين تذهبان فأُجيبَ إلى زيارة الحسين عليه‌ السلام في هذه الليلة و هي ليلة الجمعة ، وشاهد رُقَعًت تتساقط إلى الأرض من ذلك الهودج كتب فيها : أمانٌ من النار لزوار الحسين عليه‌ السلام في ليلة الجمعة ، أمان من النار يوم القيامة .
فهل صحيح هذا الحديث ؟
قال : نعم تام صحيح .
قلتُ : سيّدنا أصحيحٌ ما يقال من أنّ من زار الحسين عليه‌ السلام ليلة الجمعة كان آمنا ؟
قال : نعم ، ودمعت عيناه وبكى .
يقول الحاج علي البغدادي : ثم بلغنا متسعاً من الطريق يواجه مدينة الكاظميين عليهما السلام محاطاً بالبساتين من الجانبين ، وكان شطر من هذه الجادة يقع على يمين القادم من بغداد ملكا لبعض الأيتام من السادة ، وقد اغتصبته الحكومة فجعلته جزءًا من الطريق العام ، فكان الورعُ التقي من أهالي بغداد والكاظمية يحذر المسير في هذا الشطر من الجادة فرأيتُ صاحبي هذا لا يأبى الجريَ عليه فقلت له : سيدي هذا الموضع ملكٌ لبعض الأيتام من السادة ولا ينبغي التصرف فيه .
فأجاب : هو لجدّي أميرالمؤمنين عليه‌السلام وذرّيته وأولادنا ويحلّ التصرّف فيه لموالينا .

يقول الحاج علي : فما خطونا خطوات إِلاّ وجدْنا أنفسنا في الصحن المقدّس ( للإمامين الكاظميين ) عند منزع الأحذية من دون أن نمر بسوق أو زقاق فدخلنا الإيوان من جانب باب المراد شرقاً مما يلي الرِّجل ( رِجْلَيْ الإمامين عليهما السلام )
فلم يمكث ( يبقَى ) صاحبي للاستئذان لدخول الرواق الطاهر وورد من دون الاستئذان ، ثم وقف على باب الحرم الشريف فخاطبني وقال : زُرْ .
قلتُ : إنِّي لا أعرف القراءة .
قال : فأقرأ لك الزيارة ؟
قلت : نعم . فقال : أَأَدْخُلُ يا أللهُ ؟ السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، وسلم على الأئمة واحداً فواحداً حتى بلغ الإمام العسكري عليه‌ السلام فقال : السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا مُحَمَّدٍ الحَسَنَ العَسْكَرِي ، ثم خاطبني قائلاً : أتعرف إمام عصرك ؟ أجبتُ : وكيف لا أعرفه ؟
قال : فَسَلِّمْ عليه .
فقلت : السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الله يا صاحِبَ الزَّمانِ يا بْنَ الحَسَنِ .
فتبسم وقال : عَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ . فدخلنا الحرم الطاهر وانكببنا على الضريح المقدّس وقبلناه .
ثم قال لي : زُرْ .
قلتُ : لا أعرف القراءة .
قال : فأقرأ لك الزيارة ؟
قلت : نعم .
قال : في أيُّ الزيارات ترغب ؟
قلت : اقرأ عليّ ما هو أفضل الزيارات .
فقال : زيارة أمين الله هي الفضلى .
ثم أخذ يزور بها قائلاً : السَّلام عَلَيْكُما يا أمِينَي الله فِي أَرْضِهِ وَحُجَّتَيْهِ عَلى عِبادِهِ ….. إلى آخر الزيارة .

وأججت ( أُشْعِلَتْ ) حينئذٍ مصابيح الحرم الشريف فشاهدتُ الشموع لا تؤثر ضياءً في تلك البقعة الشريفة ، فكأنها مشرقةٌ بنور الشمسِ . والشموع تبدو كما لو أججت في وضح النهار .
هذا وأنا ذاهل عن هذه الآيات ، فلا أنتبه إليها ،
فلمّا انتهى من الزيارة دار من سمت الرجل إلى خلف القبر الشريف ، فوقف في الجانب الشرقي ،
وقال : هل تزور جدي الحسين عليه‌ السلام ؟
قلت : نعم أزوره عليه‌ السلام ، فهذه ليلة الجمعة فزاره عليه‌ السلام بزيارة وارث .

وانتهى المؤذن حينئذ من أذانِ المغرب ، فقال لي صاحبي صلّ والتحقْ بالجماعة ، فأتى المسجدَ الواقع خلف القبر الشريف ، وقد أقيمت هناك صلاة الجماعة ، و وقف هو منفرداً إلى يمين الإمام محاذيا له .
أما أنا فوجدت مكاناً في الصف الأول ، ووقفت هناك مصلياً مع الجماعة فلما فرغتُ من الصلاة لم أجد صاحبي ، فخرجت من المسجد وفتشت عنه الحرم الشريف ، فلم أجده وكنت أنوى أن أبذل له عدّة قرانات ( تومانات ) وأستضيفه تلك الليلة .
و إذا أنا أفيقُ من غفلتي وأنتبه فأشخص ( فتصورتُ بذهني ) السيد الذي صحبني ، فتوالتْ في خاطري الآيات والمعجزات التي مرّت بي ، فقد انقادت له نفسي ، فعدتُ معه إلى الكاظميين عليهما السلام غير مبالٍ بما كان يصدّني عن ذلك من الأمر الهام في بغداد .
وقد دعاني باسمي ، ولم أكن قد رأيتُهُ من قبل ، وقد عبّر بكلمة الموالين لنا . وقال أيضاً : أنا أشهد لك ، وقد أُبْدِيَ لي النهر الجاري ، والأشجار المثمرة ، في غير مواسمها ، فهذه الشواهد الواضحة ، وغيرها ممّا شاهدتُ تورث لي القطع واليقين بأنّه هو الإمام المهدي عليه‌ السلام ، ولا سيّما أنّه سألني هل تعرف إمام زمانك قلت : نعم . فقال سلّم عليه .
فلمّا سلّمتُ . تبسم وردّ هو عليّ السلام .
——————
🔹مصدر القصة كتاب مفتاح الجنان و لها تفاصيل أخرى ، حيث أوردتها هنا مختصرة ، فمن يشاء أن يقرأها كاملة فليراجع كتاب مفاتيح الجنان .
صفحة ٥٤٢ بعد زيارة الإمام الجواد عليه السلام .

شارك برأيك: