لِــمَ استعجلـتَ الرحيل بقلم فهد حسين

لِــمَ استعجلـتَ الرحيل

فهد حسين

الدكتور فهد حسين
الدكتور فهد حسين

حينما يفقد المرء عزيزًا وغاليًا وقد تجسرت علاقات بينهما، ولهما اهتمامات مشتركة، فمن الصعب الكتابة عنه أو له، حيث تبقى لواعج النفس، واضطرابها، وتشتت الأفكار، وعدم القدرة على صب ما تفكر فيه على الورق التقليدي أو الإلكتروني، فالحدث يكون أقوى من تلك الإمكانات التي يتمتع بها هذا أو ذاك من البشر، لكن كما هو الماء الذي يخرج من البئر أو النهر أو البحر، فهو خارج بعد ما يعلو على معدله الطبيعي، هكذا هي المشاعر تجاه الصديق الحميم، والشقيق الوفي، والمعاون الدائم، والمحفز النشط، والمبتسم المحيا، هذا الإنسان الذي لن أرى اثنين يختلفان على كل سجاياه وطباعه وسلوكياته التي استطاع أن تكون هي مصدر فخر لنا نحن أبناء قرية النويدرات، والذين عرفوه من الكتاب في البحرين وخارجها، إنه الدكتور جعفر الهدي الذي استعجل الرحيل، بعد أن أصر على لقاء يجمعنا نحن بعض الكتاب على مائدة إفطار جماعي نتناول الطعام، ونطرح على الطاولة الأفكار والمناقشات والحوارات التي كنا مستمتعين بها جميعًا.
لو أسرد علاقتنا التي كانت قد بدأت في السبعينيات ثم انقطعت ثم بدأت ثم انقطت، هكذا بحكم انشغال كلانا في مجالات مختلفة بعض الشيء، ومشتركة في الكثير منها، وأهمها حرصنا الحقيقي على كيفية تقديم ما نراه من عمل اجتماعي وثقافي وتطوعي لقريتنا، إذ أسهم بكل طاقاته في خدمة القرية من بوابة العمل الخيري والديني، ونجح في ذلك، حتى بات اسمه يتردد بين الأوساط الاجتماعية في البحرين عامة، في مدنها قبل قراها. لكن عرف أن العمل الثقافي طريق آخر فانخرط به بكل ما لديه من طاقات مهنية وعملية وإدارية متوجة بإبداع ونشاط وحراك أدبي، رفع اسم قريته قبل اسمه، وقدم أصدقاء القلم والإبداع قبل كتاباته.
ما أجمل اللحظات التي كنا نجلس فيها بأسرة الأدباء والكتاب بعد انتهاء كل فعالية نحن مجموعة من الكتاب بزاوية عرفت باسمنا لنناقش قضية أدبية في سياقات ثقافية واجتماعية ونحن نحتسي الشاي والقهوة، وكانت الابتسامات منثورة في فضاء هذه الزاوية التي استطاعت مناقشاتنا أن تستقطب واحدًا تلو الآخر ليدلوا بوجهة نظره فيما يطرح، ثم نفض هذه الجلسة لنعيدها مرة أخرى بعدد أقل في إحدى المطاعم الشعبية، نتناول العشاء والحوار الأدبي والثقافي ديدننا، مع بعض النكات والفكاهات التي كنا نصدرها بين الحين والآخر. فليت أخذت معك يا صديقي ملف تلك الحكايات لتكون مسوّدة عمل جديد لابد أن تكتبه وأنت في عالمك الجديد. تسجل بعض اتفاقاتنا واختلافاتنا ليكون كتابًا آخر يقدم بعض تاريخ الحراك الأدبي المعاصر في البحرين.
هل تعلم أنك كنت تودعنا دون أن تبوح لنا بذلك، لماذا كنت مصرًا على السبت بدلاً من الخميس، هل لأنك كنت خارج البحرين؟ لا أعتقد ذلك! بل كنت راغبًا وداعنا بتلك الابتسامات التي لا تفارقك أبدًا، وتنثر علينا بعض قناعاتك التي أعرفها عن قرب، قناعات تشكل نهجك في الحياة والواقع المعيش، قناعتك بالتآلف والتواد والمحبة بين كل أفراد المجتمع، ورغباتك التي كنت تبوح لي بين اللحظة والأخرى في البحث عن آليات جديدة للنشاط الثقافي عامة، والأدبي بخاصة، لكننا لم نعلم أن هذا اللقاء هو لقاؤنا الأخير بك في عالمنا هذا، هل تذكر كم كنا على اتفاق في كيفية إنشاء مركز ثقافي في القرية؟ هل تذكر جلستنا المطولة مع الصديق المهندس جميل إكسيل والحديث معه على إعادة الثقافة إلى نادي النويدرات بإعداد برنامج ثقافي وأدبي، وتنمية المواهب؟ هل تذكر كم كنا نخطط لعقد لقاءات أدبية شعرية وسردية لأبناء القرية؟ هل تذكر كم كنا نسعد بإصداراتك التي كنت ترسلها لي قبل طباعتها وبعد نشرها؟ ما أجمل تلك اللحظات التي ستكون في ذاكرتي الفردية.
اسمح لي أن أخبر القراء والمحبين لك ولدورك أن آخر لقاء ثقافي أجري معك، كان معي، نعم أرسلت لك بعض الأسئلة بعد حوار معك لتجيب عنها حول النص الأدبي وحضوره في المؤسسات الأكاديمية، وكنت سأبقيه حتى يخرج ضمن كتاب أعده، لكن سأنشره ليعرف الجميع أنك كنت عمليًا في كل لحظة من حياتك اليومية، لا ترضى بالسكون، بل كانت الحركة مفتاح ما وصلت إليه من مكانة اجتماعية وأدبية وثقافية، كان آخرها دورك الكبير في إدارة أسرة الأدباء والكتاب، ومهرجان ق القراءة بجمعية عالي الخيرية، ولكن لم قررت الرحيل عن دنيانا وأنت في ربيع عطائك؟ وأعرف أن لديك الأفكار والمسودات التي كنت ترغب في إعدادها لتكون غذاء لقرائك.
نعم أنه اليوم الموعود للإنسان ليكون في عالم آخر لا أحد يستطيع وقف أو منع تنفيذ هذا الموعد .. رحلت! نعم يا عزيزي .. توسد تاريخك المشرّف، وعملك المخلص، وعلينا أن ندعو لك ما حيينا .. رحمك الله يا أبا صادق وجعلك الله في الفردوس الأعلى مع نبينا ورسولنا الكريم وآل بيته الطيبين الطاهرين. الفاتحة.

شارك برأيك: