في زيارة أربعين الحسين عليه السلام ضمن حملة المعرفة بقيادة الأستاذ حسن أحمد المطوع والمرحوم الدكتور جعفر محمد الهدي تحدثتُ مع الدكتور عن بداية التعليم الديني في القرية في حديث سريع، فقلت له دكتور :بصفتك أحد معلمين التعليم الديني في بداياته هناك أسئله تحتاج إلى إجابة حتى يعرف الجيل الحالي ،متى بدأ التعليم الديني؟ وكيف كان بداياته ؟وما والصعوبات التي واجهها في البداية حتى وصل إلى ما هو عليه بهذه القوة وبهذا التطور الحالي، فقال : فكرة ممتازة أرسلْ الأسئلة وسأجيب عنها بإذن الله.
وعند إرسال الأسئلة إليه وعد المرحوم بالإجابة عنها كلما سمحت الظروف بحكم انشغاله وارتباطه بعدة أمور ، وكان كما وعد يرسل إجابته عن كل سؤال بين فترة وأخرى، وقد أجاب عن كل الأسئلة إلا ثلاثة أسئله ،لم يمهله القدر حتى يجيب عنها ،ولكم هذه الأسئلة مع إجاباتها مرسلة من المرحوم الدكتور جعفر الهدي.
السؤال الأول:
متى بدأ التعليم الديني؟ ومن كان القائم عليه ( فكرة التعليم الديني)؟
بدأ التعليم الديني الأهلي في قرية النويدرات متزامناً مع الكثير من مناطق البحرين في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وأعتقد بأن التعليم في شكله الحالي بدأ بعودة المرحوم الشيخ جاسم قمبر من الدراسة الحوزوية في العراق حوالي العام 1975 م.
إذا تجاوزنا بعض المحاولات في الكتاتيب يعدّ المرحوم الشيخ جاسم قمبر أبو التعليم الديني في قرية النويدرات، وقد وضع بذرة التعليم الديني على صعيدين: الصعيد الأول هو صعيد مدرسة سترة الابتدائية حيث كان مع صديقه ورفيق عمره الشيخ حسن الصايغ ينظم دروساً لتعليم الصلاة والقرآن الكريم وأحكام الفقه، أما الصعيد الثاني فهو التعليم بداخل القرية، وقد بدأ من خلال منزله، ثم انتقل إلى مسجد الشيخ إبراهيم، وقد ضم عدداً محدوداً من الطلاب.
كانت هذه هي المرحلة الأولى لتأسيس التعليم الديني في قرية النويدرات أما المرحلة الثانية والتي أعتقد بأنها أحدثت طفرةً في الوعي الاجتماعي، وقد بدأت حوالي 1981م، بدأت هذه المرحلة من خلال مسجد الشيخ خلف وعلى يد مجموعة من الشباب آنذاك يمكن اذكر الآن عدد منهم وهم: الأستاذ حسن المطوع، والحاج علي حسين إسماعيل، و الحاج جاسم ماجد، و الحاج محمد إبراهيم، والأستاذ جاسم سند، والأستاذ جعفر الهدى وآخرين …
وقد امتازت هذه المرحلة بسمة جديدة ومهمة وهي: النظام والانضباط، فقد بدأت لأول مرة عملية تسجيل الطلاب في التعليم، وهذا يعني أن التعليم كان يتم في المرحلة الأولى بشكل انتقائي، ويعني أن عدداً من الأولاد يقصدون المشاركة في التعليم في بيت الشيخ جاسم قمبر أو من مسجد الشيخ إبراهيم بدافع الرغبة.
ومع بدء المرحلة الجديدة حدثت نقلة نوعية بعد أن تم تسجيل الطلاب في دفاتر تتضمن اسم الطالب وتاريخ ميلاده، ثم تمّ توزيع الطلاب في فرق بلغت خمس فرق حسب الفئة العمرية، وأعتقد أن عدد الطلاب المسجلين فاق 100 طالب.
وقد بدأت هذه المرحلة في مسجد الشيخ خلف وكان لا يزال بناؤه قديماً وهو يتكون من غرفة الصلاة وفناء، وبذلك ازدحم المسجد بالطلاب فقرر المدرسون بناء غرف خشبية أي: (صندقات من الخشب) في زوايا فناء المسجد لكي يستمر التدريس خلال ايام البرد، ولكي يستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب والذي بلغ 200 طالب تقريباً.
بالتزامن مع هذا النشاط بدأ التعليم في مسجد الشيخ أحمد، وصار التعليم يتم في ثلاثة مساجد بالقرية وغطى كل أطفال القرية تقريبا بدون استثناء، وكان ذلك يعني أن أي طفل في سن المدرسة ينخرط في التعليم الديني ليلاً، وكان المدرسون يقدمون حوافز إلى الطلاب من أجل أن ينتظموا في الدراسة من خلال الرحلات والجوائز .
ومع التقدم في هذه المرحلة بدأ تطوير المناهج على يد المعلمين، وأعتمد عدد من الكتب لتطوير مستوى الطلاب، و بدأت ثمار التعليم تبرز مع تخرج عدد من الطلاب والتحاقهم بالمعلمين والمشاركة في التدريس.
وقد توجت هذه المرحلة بتأسيس هيئة التعليم الديني للاشراف والتنسيق على التعليم في المساجد الثلاثة.
السؤال الثاني:
س: ما أسباب نشأة التعليم الديني؟
يمكن تلخيص أسباب ظهور التعليم الديني المنتظم في أوائل السبعينيات من القرن الماضي إلى عدة مسببات ومنها:
١- انتشار التعليم في أوساط الشباب وتخرج أعداد من الشباب المتدين من الجامعات وعودتهم للبحرين.
٢- عودة عدد من طلبة العلم الديني من العراق بعد تسلحهم بالعلم والوعي.
٣- الشعور العام بالحاجة إلى التوعية الدينية في أوساط الأجيال الجديدة، حيث كانت هذه الأجيال متعطشة إلى تعلم أمور الدين.
٤- استجابة أولياء الأمور الواسعة والكبيرة للدفع بأبنائهم ومتابعتهم بعد ذلك.
هذه الأسباب أدت إلى نشوء التعليم الديني واستمراره ونجاحه وتحقيقه الأهداف المرجوة منه .
السؤال الثالث:
من هم المعلمون الأوائل؟ و كم كان عددهم تقريبا؟
بشأن أعداد المعلمين في التعليم الديني بدأت بأرقام متواضعة وكما سبق وأوضحت بأنها بدأت بمعلم واحد وهو أبو التعليم الديني الشيخ جاسم قمبر ثم نشأ من حوله كوكبة من الشباب الذين آزاروه وساعدوه في التعليم ومنهم الأستاذ زيد الدولابي والأستاذ محمد الدولابي والأستاذ محمد قمبر وآخرين.
لكن في المرحلة الثانية وهي مرحلة انتظام التعليم في مسجد الشيخ خلف ارتفع عدد المعلمين و قد ذكرت بعض الأسماء في السؤال الأول ولكن يمكن أن نذكر أسماء أخرى التحقت في ركب المعلمين بعد التخرج ومن بينهم الأستاذ حسين سرحان والأستاذ محسن مال الله والحاج عبد الرضا ناصر، ومع افتتاح المركز الثالث وهو مركز مسجد الشيخ أحمد التحق معلمون جدد بركب التعليم وكان محور التعليم في مركز الشيخ أحمد المرحوم الشهيد أحمد حسن عيسى.
بهذا الإحصاء يمكن أن نقول بأن عدد المعلمين في المراحل الأولى من التعليم الديني لم يزد عن 20 معلماً وكانوا يتحملون عبء التعليم في ثلاثة مراكز هي عبارة عن ثلاث مدارس .
السؤال الرابع:
أين كان مركز التعليم؟
في بواكير التعليم في السبعينيات من القرن الماضي كان مسجد الشيخ إبراهيم هو المركز الرئيسي والوحيد للتعليم الديني، وكان المسجد شعلة من النشاط، فهو أول مسجد أقيمت فيه صلاة الجماعة وأول مسجد تمت فيه صلاة ليلة القدر وهو أيضا أول مسجد بدأت فيه دروس التعليم الديني للطلاب، وكذلك كان مركزاً للمحاضرات والمواسم الثقافية التي كان يلقيها مجموعة من شباب القرية في شكل دوري ومنتظم ،ثم افتتح مركز مسجد الشيخ خلف ثم مسجد الشيخ إبراهيم فأصبحت المراكز الثلاثة مراكز متوازية للتعليم، فهي تضم كافة الطلاب حسب موقع منزل أسرة الطالب ،فكان كل مسجد يستوعب الطلبة من أبناء الحي الذي حوله.
السؤال الخامس:
ما موقف الأهالي و دورهم؟
حول موقف الأهالي من التعليم الديني باعتقادي أن الركيزة الأساسية لنجاح التعليم كان استجابة أولياء الأمور وبالذات النساء ،فقد كن واعيات بأهمية التعليم الديني، و كن يقمن بحث أبنائهم ويحرصن كل الحرص على أن ينتظموا في التعليم، لذلك وجدنا من الأهالي الكثير من الترحيب والدعم ،ووجد المعلمون بإدارة التعليم لاحقا الكثير من الدعم والكثير من الحرص على أن يتواجد أبنائهم في دروس التعليم الديني، لذلك قلما تجد طالبا في أي مرحلة من المراحل العمرية غير موجود في التعليم الديني، وهذا ما يفسر الوعي ولعلكم ترون الآن حصيلة هذا التعليم في امتلاء المساجد والمآتم بالشباب والكبار الذين تخرجوا من هذه المساجد.
السؤال السادس:
ما المناهج التي كانت تدرس؟ وهل كان هناك منهج محدد يتم تدريسه؟
حول موضوع المناهج في التعليم الديني في البداية لم يكن هناك مناهج محددة لأي مرحلة من المراحل العمرية التي تضم فيها الطلبة ،وقد كان المنهج أو المادة المقدمة للطلاب تعتمد على جهد المعلم ،فهو المكلف بالبحث عن المادة المناسبة والكتاب المناسب ،وهو من يختار ويجمع هذه المادة بجهده الشخصي ،وهو يجمعها في أوراق ثم يقدمها إلى طلبته خاصة طلبة المراحل الأولى الذين كانوا يتعلمون الصلاة وأحكام الفقه الأساسية، فكان المعلم هو من يجمع المادة و يبدأ في تقديمها للطلبة ،ولم يكن هناك كتاباً مقرراً ولا حتى أوراقاً أو ما شابه كان الطلبة يستمعون إلى المعلم ،وهو يقدم المادة وربما هذه أحد المميزات التي ساهمت في نجاح التعليم الديني، فقد حرص المعلمون الأوائل على عدم استنساخ تجربة المدارس الرسمية والتي تعتمد على الدفاتر والأقلام والواجبات وهو ما يؤدي إلى عزوف الطلاب عن التعليم.
في التعليم الديني كان المعلمون حريصين على حضور الطلبة ووقد راهنوا على ذلك ونجح ذلك الرهان بتخريج جيل واعٍ .
في مراحل لاحقة بدأ بعض المعلمين في استحداث منهج محدد لبعض المقررات خاصة عندما تقدم الطلبة في الدروس الدينية أي في المراحل المتقدمة، فمثلا في مقرر الأخلاق تقرر تدريس كتاب أخلاق أهل البيت، وفي مقرر التربية الإسلامية كان يدرس كتاب خطوات على طريق الإسلام للمرحوم السيد محمد حسين فضل الله، ثم لاحقا بدأت بعض الجهود لكتابة المناهج للمراحل الأولى التي تعني بتعليم الصلاة والوضوء وبدأت بكتابة كراسات بخط اليد ولكن لم تصل لمراحل متقدمة و استفاد المعلمون كثيرًا من مناهج جمعية التوعية الإسلامية التي كانت مكتوبة و مطبوعة حيث أخذوا منها الكثير وبعض المعلمين أصبح في يده كراس يعتمد عليه في تدريس طلاب طوال الموسم.
السؤال السابع:
كيف كانت توزع الدروس على أيام الأسبوع؟
حينما نتحدث عن توزيع الطلبة في التعليم الديني لابد أن نتحدث عن الاستراتيجية غير المكتوبة للتعليم في ذلك الوقت، فقد كانت هناك استراتيجية واضحة ودقيقة وإن كانت غير مكتوبة لكنها استراتيجية مبتكرة وفعّالة ويمكن وضعها في سياق التعليم بشكل دقيق و دراسة هذه التجربة .
يمكن تسمية هذه الاستراتيجية باستراتيجية : ( التعليم بالرغبة) والتعليم بالمرونة. أولا التعليم بالرغبة: كانت إدارة التعليم توزع الطلاب في فرق من حيث المبدأ هناك عدة معايير لتوزيع الطلاب ومنها معيار الفئة العمرية وليس العمر، فهناك طلبة صغار وطلبة متوسطين (١) و متوسطين (٢) وطلبة كبار وربما لاحقا صارت كبار واحد واثنين وتعطي كل فرقة من الفرق اسم من أسماء الأئمة عليهم السلام مثل: فرقة الإمام علي (ع) . فرقة الإمام الحسين (ع) فرقة الإمام الصادق (ع) ،وهكذا يتم توزيع الطلاب بناءً على معايير عدة معايير من بينها معيار الرغبة يجب أن يكون الطالب راغباً بأن ينتظم بهذه
من أسس هذه الاستراتيجية التعليم الترغيب، فكان هناك مبدأ متفق عليه بأن لا يكلف الطالب بأي واجب خارج المسجد ولا يفرض على الطالب أي نوع من أنواع المنفرات من التعليم مثل أن يحضر ورقة وقلم او دفتر أو ما شابه، كان فقط مطلوب من الطالب أن يكون حاضرا متواجدا، وقد نجحت استراتيجية التعليم بالترغيب التي تمثلت في تنويع الحصص الدراسية أي ألا يكون التعليم نظرياً أو مقتصراً على الاستماع، وبذلك تم تنويع الجداول بين حصص تعليمية يفصله يوم تعليم بأسلوب آخر كالنشاط العملي مثل تلاوة القران ويختتم الأسبوع بيوم دعاء جماعي يعقبه توزيع الحلويات والعصائر.
هذه الاستراتيجية نجحت نجاحا باهرا في التعليم الديني خاصة أنه تعليم غير الزامي إلا أنه لم يكن هناك طالبا في القرية غير منتظم في التعليم الديني وحتى أن وجد عدد قليل من الطلاب الذين يتقطعون عن بعض أيام التعليم فإنهم ينتظمون مع قرب موعد الرحلات التي كانت تنظم من قبل إدارة التعليم، فكانت هذه الرحلات بمثابة محفز قوي لحضور الطلاب.
هذه الاستراتيجية الناجحة في التعليم بالرغبة نجحت نجاح باهر حسب تقديري في التطبيق في التعليم الديني في قريتنا، وقد خرجت أجيالاً كثيرة من الشباب الواعي الواثق وهو اليوم يملأ المآتم والمساجد ويملأ الجمعيات بالكوادر الواعية والنشطة التي تقوم بتحمل مسؤولياتها وتؤدي دورها بشكل ملفت.
السؤال الثامن:
الآن لدينا في القرية هيئة التعليم الديني ومركز الإمام الحسين(ع) ومركز تسنيم لتعليم القرآن الكريم، كيف ترى دورهم؟؟
لم يمهله القدر حتى يجيب عن هذا السؤال
السؤال التاسع:
بصفتك كنت أحد المعلمين في الفترة السابقة ،ما الثمار التي حصدها التعليم الديني ؟؟
لم يمهله القدر حتى يجيب عن هذا السؤال
السؤال العاشر:
ختاما نصيحة توجهها إلى أولياء الأمور والشباب وإلى هيئة التعليم في القرية.
لم يمهله القدر حتى يجيب عن هذا السؤال لكن هناك نصيحة مصورة له تم ارفاقها ،وهو يقدم النصيحة إلى أولياء الأمور والشباب وبالذات الطلاب.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته الواسعة ،ويحشره مع محمد وآل محمد.
ورحم الله من قرأ لروحه سورة الفاتحة