كلمة ممثل أسرة الأدباء والكتاب كريم رضي في تأبين المرحوم د. جعفر الهدي
الجمعة الموافق 28 يونيو 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الزملاء رئيس وأعضاء مجلس إدارة وأعضاء أسرة الأدباء والكتاب،أتقدم إلى أسرة الفقيد الغالي رحمه الله وإلى هذه القرية وإلى أصدقاء الفقيد ومحبيه بأخلص التعازي، سائلا العلي القدير لكم الصبر والسلوان وله الرحمة والغفران.
تُرى ما الذي كان يدور بخَلَد الراحل العزيز وهو يكتب في العدد الأخير من مجلة العروبة الصادر في هذا الشهر يونيو 2024 مقالة قرأتها اليوم عن هاجس الموت في الكتابات السردية بين جون سينغ وفريد رمضان، بعد أن لفت انتباهي إلى المقالة صديقنا الكاتب والمترجم محمد المبارك، متسائلا باستغراب تُرى ما الرابط بين هاجس الموت في المقالة وحدس الموت في ذهن المرحوم؟
أهو حس المؤمن الذي يوحى إليه اقتراب حتفه، أم هو حدس المبدع الذي يلامس شغاف الكثير من الكتاب والشعراء قبيل رحيلهم؟ وقد كان جعفر خليقا بالاثنين معا.
لقد أوتي جعفر الهدي من طيبة القلب ورهافة الحس وشفافية الروح ما يجعلنا ألا نستغر ب هذه النبؤة.
يقول جعفر الهدي ويفعل ما يقول، فليس لدى جعفر الهدي وقت للتفكير في الراحة بين القول والفعل.
ومنذ انضمامه إلى مجلس إدارة أسرة الأدباء والكتاب في الدورة الماضية ثم الدورة الحالية، وفي سفرنا معه إلى منطقة القطيف في المملكة العربية السعودية الشقيقة لزيارة ثقافية أدبية، ثم إلى نواكشوط فيما بعد لاجتماع الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ثم لاحقا في تنظيمه المتميز لفعالية المهرجان الخيري للقراءة ولم أجد لحظة تفصل بين ما يريد وما يفعل، على عكس الكثيرين منا على الصعيد الشخصي حيث ربما نسوّف الأماني بالوقت ونتكلم عن المشاريع أكثر مما ننفذها.
كان جعفر الهدي كمن يسير نحو النهاية بسرعة الصاروخ فهو يفكر ويعمل ويكتب ويقرأ ويصادق ويحب ويفيض خنانا ومحبة على من حوله في الوقت نفسه. ليس لدى جعفر الهدي وقتٌ كافٍ حتى للغضب.
شبّه الزميل محمد المبارك نشاطه المحموم بمن كأنما يهرب من شيء ما أو قدرٍ ما. ينطلق جعفر الهدي إلى الأمام دائما، فاليوم بالنسبة له هو الأمس والغد هو اليوم. كان جعفر الهدي مصداقا لما قيل في وصف الفرد من المتقين بأنه “الناس منه في راحة ونفسه منه في تعب“، أو كما يقول أبو الطيب المتنبي: “أقسمُ نفسي في جسومٍ كثيرة”. ولذلك لم يكن غريبا أن شاطرنا حزن فقده الأدباء من كل مكان، من نواكشوط ومن الرباط ومن السعودية وغيرها من البلدان التي عرفت جعفر الهادي كاتبا وإنسانا.
كانت آخر مراسلاتي معه على الواتساب قبيل رحيله بساعات في مساء يوم السبت الموافق18 مايو 2024، حيث كتبتُ له بأن غدا أي في الأحد الموافق 19 مايو 2024، سيكون لدينا استضافة لشاعر صديق من المملكة العربية السعودية هو الشاعر محمد الماجد موصيا إياه بالاهتمام به لأني كنتُ سأعتذر عن الحضور بسبب إصابة عارضة تعرضتُ لها وكنتُ في فترة تشافي، فردّ عليّ فورا بعبارة “حاضر سوف أهتم بذلك“. كان هذا قبل أن يصدمنا بعد ساعات زميلنا فهد حسين بنبأ رحيله.
في أسرة الأدباء والكتاب سيكون جعفر الهدي في سنويته الأولى في مايو 2025 محل احتفاء به حيّاًوليس راحلا. حيّاً في كتبه وما خلّفه لنا من نتاج ثقافي وأدبي من كتب ودراسات وأعمال ستكون في صلب الفعالية التي سننظمها في سنويته الأولى إن شاء الله.
رحل جعفر عن عالمنا لكنه كما يقول تود هنري في كتابه الرائع: “مُت فارغاً”، أي تأكد قبل رحيلك من أنك أعطيت مجتمعك ووطنك وأصدقاءك وقراءك ومتابعيك أقصى ما لديك من عطاء وابداع.
وهكذا فعل جعفر الهدي فقد قدم لنا كل ما في ذاته حتى لكأنه شمعة لم تنطفئ إلا مع ذوبان آخر جزء من جسدها. رحل جعفر فارغا وتركنا مليئين بما وضع في سلالنا من الجمال. فهنيئا للبحرين وللنويدرات هذا الواهب الكبير وله كل الرحمة والسلام ولكم الصبر والسلوان.
وتبقى هناك رسالتان قبل أنهي كلمتي:
الأولى هي أن يبادر أهل وأصدقاء الراحل العزيز بطباعة ما عساه تركهُ من مسودات أدبية أو اجتماعية أو ثقافية.
الثانية هي ألا تبخل علينا هذه القرية المعطاءة بالمزيد من هذه الكوكبة الخادمة للبحرين الغالية ولهذه المنطقة وهي بلدة جديرة بذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.